على ضفاف نهر النيل الخالد، حيث الطبيعة الساحرة التى تتميز بها محافظة الأقصر جنوب مصر، اجتمع عدد من رواد الفن التشكيلى يمثلون ٢٢ فنانًا وفنانة من مصر ومختلف أنحاء العالم، فى ملتقى الأقصر الدولى فى دورته السابعة الذى يقام على أرض المحافظة خلال الشهر الجاري، حيث استلهموا من تلك الطبيعة الخلابة، أفكارًا وعناوين للوحاتهم للمشاركة بها فى فعاليات الملتقى، كما قاموا بعمل زيارات متنوعة فى معابد ومقابر الأقصر، للحصول على أفكار متنوعة للوحاتهم التى يقومون برسمها على ضفاف نهر النيل، تحت رعاية وزارة السياحة والآثار وهيئة تنشيط السياحة المصرية.
"البوابة" انتقلت إلى مقر ملتقى الأقصر الدولي، وصاحبت الفنانين خلال رحلة رسم لوحاتهم، حيث يقوم كل فنان يمثل تجربة وطريقة وفكرا معينا، برسم ما رآه أثناء تجواله بمدينة الأقصر، حيث تتلاقى هذه الاتجاهات والاختلافات مما يخلق التنوع والدعم الثقافى للمشاركين.
٢٢ فنانًا وفنانة اجتمعوا على حب الفن
وضمت قائمة الفنانين المشاركين فى الملتقى، كلًا من مصر أحمد شيحا، ووليد عبيد ومصطفى الفقى ومها إبراهيم، ومن الهند الفنانات فيرانجانا سونى وديبيكا مالى وريتو سينغ، وإسماعيل عزام، من العراق، وعروبة ديب شنتوت، من فرنسا، وجوليا يوسكو، من إيطاليا، وكلا من جمان نمري، ومحمد جالوس، وسماح سماحة من الأردن، وأحلام مسافر، وأحمد جريدة، من المغرب، وإسماعيل الرفاعي، وحمود شنتوت من سوريا، وأوكسانا تاسويفا من روسيا، وابتسام الصفار من قطر، وكلًا من تيسير بركات وريم المصرى من دولة فلسطين، بالإضافة إلى عدد من طلاب كلية الفنون الجميلة بالأقصر، الذين تم دعوتهم للمشاركة بالملتقى للتعارف وتبادل الثقافات والتجارب الفنية بين الفنانين المصريين والعرب والأجانب، بهدف تحفيز روح المنافسة والابتكار والتميز فى عالم الفن.
تعزيز الحوار الثقافي بين الشعوب
قال الرئيس التنفيذي للملتقى، إن الملتقى يعد لقاء عالميا، يتم خلاله استضافة مجموعة من الفنانين من مصر والدول العربية والأجنبية للإقامة فى الأقصر لمدة ٩ أيام، يزورون خلالها معابد المدينة والمقابر الملكية والمتاحف، ويشكل الملتقى فرصة لتعزيز الحوار الثقافى بين الشعوب وتعميق التفاهم المتبادل من خلال لغة الفن، بتاريخ الأقصر العريق وثرائها كونها مهدا للحضارات فى العالم، وما تحتويه من معالم أثرية تبهر العالم حتى اليوم وتستمد منها الفنون.
وأضاف «رضا»، أنه بجانب الدور الفني، يلعب الملتقى دورًا مهمًا فى تنشيط السياحة المصرية، حيث قام الفنانون بزيارة لمعبد الكرنك والبر الغربية، للاستمتاع بجمال الأقصر ومعالمها السياحية الرائعة، وبذلك يساهمون فى رفع مستوى الوعى العالمى بجماليات وثقافة مصر، مشيرًا إلى أن الحدث يأتى برعاية وزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة؛ لأهميته للسياحة والدعاية لها ولا سيما السياحة الثقافية، كما ضمت أعمال الملتقى مجموعة من الورش والاجتماعات وعرض أفكار الفنانين حتى نهاية الملتقى بالمعرض الختامي.
وتابع، أن الفنانين المشاركين جميعهم فى فن التصوير، جرى اختيارهم بترشيح من قبل اللجنة المنظمة للملتقى، ويتم التواصل مع الفنانين ودعوتهم، كما تم اختيار الفنان العالمى جورج بهجورى كضيف شرف المهرجان، كما تضمن الملتقى ورشًا للشباب والمواهب الفنية الشابة الذين يتم اختيارهم من قبل اللجنة الفنية للملتقى ودعمهم بكل الطرق والخامات والمواد وحضور الندوات والورش للفنانين، بالإضافة إلى معرض فنى لعرض نتاج الملتقى، وكذلك عرض أعمال الفنانين الشباب المشاركين فى الورش الفنية.
فيما قال الدكتور إبراهيم غزالة، أستاذ مساعد بقسم التصوير بكلية الفنون الجميلة جامعة المنيا، إنه على مدار سبع دورات تتم إقامة ملتقى الأقصر الدولي، حيث يشارك فى هذا الملتقى أكثر من ٢٠ فنانًا من مصر والوطن العربى ودول أخرى من مختلف أنحاء العالم، مشيرًا إلى أن الملتقى بدأ لأول مرة عام ٢٠١٣ وهذه دورته السابعة، فلم يكن يعقد على التوالى بسبب ظروف جائحة كورونا وغيرها، لكن الاختلاف هذا العام أن عدد الفنانين المشاركين أكبر، فهم أكثر من ٢٠ فنانا، ١٥ منهم من خارج مصر، وجميعهم متميزون ببصماتهم، وبعضهم من دول لم تشارك من قبل مثل الهند، فلم يحدث من قبل الاحتكاك مع الفنانين الهنود ولم نسمعهم أو يسمعونا وجاء الملتقى فرصة لتقريب المسافات وتبادل الثقافات.
وأضاف «غزالة»، أن اختيار الأقصر جاء اعتقادًا بأنها مهدًا للحضارات فى العالم، فهى تحمل تاريخًا عريقًا تستمد منها الفنون، كما أن زيارة الأقصر تُعَدُّ تجربة فريدة ومؤثرة للفنانين، حيث يمكنهم استكشاف التنوع الثقافى والتاريخى لهذه المدينة الساحرة والاستفادة منه فى إثراء إبداعاتهم، مشيرًا إلى أن الأقصر تعد المدينة الأهم عالميا وحكمت العالم كله منذ آلاف السنوات، وفيها أهم المعالم الأثرية وآثارها نقلت الحضارات لكل العالم، فمنهم تمثالا ممنون، والحجر الذى شكلا به جاء من القاهرة، وهو ما يثير الدهشة لكيفية نقله وتشكيله وحفره والنقش عليه بهذه الدقة، وكذلك البر الغربى الذى كان مكانا لدفن الموتى ولم يكن مأهولا بالسكان.
وتابع، أن الفنانين خلال زيارتهم للمدينة وإقامتهم بالأقصر، ورؤية المعابد والرسومات والنقوش والمنحوتات فيها، حدثت لهم حالة من الانبهار، وعاشوا تجربة فريدة ظهرت فى أعمالهم الفنية التى نفذوها خلال فترة إقامتهم.
تبادل الأفكار
التقت "البوابة" الفنانين المشاركين فى الملتقى على رأسهم الفنان أحمد شيحا، متخصص فى علم المصريات، والذى يقدم الآثار المصرية والفرعونية ويوميات المصريين القدماء وأدق التفاصيل فى حياتهم، مما يخلق حالة من الحوار والتركيز والتعريف بتاريخ مصر، حيث أوضح شيحة، فى حديثه الى "البوابة"، أن مشاركته فى الملتقى جاءت بهدف تبادل الثقافات والمعارف والتجارب الفنية بين الفنانين المشاركين، كما يعتبر هذا الملتقى مناسبة مثالية لتبادل الأفكار والمعارف بين الفنانين الكبار والشباب الطموحين، مشيرًا إلى أن الاحتكاك واختلاف الثقافات والرؤى الفنية والخلفيات المبنية لكل حضارة وثقافة على حدة عند اجتماعها معا فى مكان واحد، وخاصة الأقصر يحدث نتاجًا مختلفا عن كل ما قدمه الفنان من قبل، موضحا أن الكثير من الفنانين الذين شاركوا فى الدورات السابقة تغيرت اتجاهاتهم الفنية بعد هذه الرحلة وجميعهم بلا استثناء أصبحوا من أفضل الفنانين، فتأثير هذه المدينة قوى.
وقال الفنان أحمد جريد من المغرب، أنه يشارك للمرة الثانية فى ملتقى الأقصر الدولي، ضمن فعاليات وزارة الثقافة المغربية، ولكن كل مرة نكتشف أشياء مهمة ليس فقط على المستوى الأثري، ولكن فى الروح التى تتمتع بها الأقصر، فهى كنز تاريخي، كما أن اللقاء بين الفنانين من عدة دول مثمر ويعزز التبادل الثقافى والتجارب والخبرات.
فيما عبرت فيرانجانا سونى من الهند، عن سعادتها قائلة "هذه هى زيارتى الأولى لمصر والأقصر، قمت بزيارة عدد من المعابد والمقابر السياحية وأتمنى العودة مجددا لزيارة المحافظة، ومشاركتى بالملتقى فى هذه المدينة الساحرة أضافت لى الكثير وجعلتنى أخرج طاقتى الفنية فى شكل لوحات جميلة استلهمتها من روح الأقصر".
وشاركتها الرأي، الفنانة ريتو سينغ من الهند وجوليا يوسكو من إيطاليا، معبرين عن بالغ سعادتهما لمشاركتهما فى سمبوزيوم الأقصر، مؤكدين إعجابهما بمحافظة الأقصر وما رأوه خلال زيارتهما للمعابد الأثرية والتى أوحت لهما بالكثير والكثير ليخطوه فى لوحاتهم.
وقالت الطالبة "ميرنا فريد" بالفرقة الثالثة بقسم التصوير بكلية الفنون الجميلة بالأقصر، عن مشاركتها بالملتقى كأصغر فنانة، أنها سعيدة بتواجدها وسط فنانين من أنحاء العالم برغم صغر سني، مضيفة "الموضوع كان له أثر إيجابى على شغلى وكان إضافة كبيرة لى لأن كل فنان ليه أسلوب وثقافة مختلفة، وحرصت على مشاهدة أعمالهم التحدث معهم جميعًا فى محاولة للاستفادة من خبراتهم".
"أتمنى أن أعيش هنا".. هكذا عبر الفنان الفلسطيني تيسير بركات، عن وقوعه فى غرام محافظة الأقصر، مؤكدًا أن إعجابه بالمدينة جعله يرسم ٥ لوحات فنية شارك بها ضمن فعاليات الملتقى، مضيفًا "أن المكان جميل جدًا على ضفاف النيل، وهو مشهد موحى وساحر وبتمنى أن أعيش فى الأقصر بلد الحضارة مستقبلًا وهذه الرغبة نابعة مما رأيته أثناء زياراتى للمقابر والمعابد وشعرت أن هناك إرثا ثقافيا وإنسانيا علم العالم الجلد والصبر والفكر والعلم والإعجاز الذى جعل المصريين القدماء يبنون مثل هذه المدينة الساحرة".
أشهر الفنانين بالملتقى
الفنان إسماعيل الرفاعي، هو فنان تشكيلى وشاعر وروائى سورى مولود فى عام ١٩٦٧، ينغمس فى عالم الإنسان الداخلى فى أعماله الإبداعية، حيث تعتبر اللوحة لديه مكانًا للكشف عن المجهول والمتوارى بدلًا من مجرد محاكاة للواقع المرئي.
شارك فى العديد من المعارض والفعاليات الفنية على الصعيدين المحلى والدولي، وحصل على عدة جوائز فنية وأدبية، بما فى ذلك جائزة دبى الثقافية فى عام ٢٠١٥ وجائزة الشارقة للإبداع العربى عن روايته "أدراج الطين" فى عام ٢٠٠٦، وتتواجد أعماله فى مجموعات عديدة من المتاحف والمؤسسات الفنية.
ويشتهر «الرفاعى» بتفرده فى التعبير الفني، حيث يستكشف عوالم الإنسان الداخلية والمشاعر العميقة من خلال أعماله الفنية، كما يعتبر الرفاعى اللوحة مساحة للتعبير عن الجوانب الخفية من الذات والعوالم الباطنية، ويسعى دائمًا لتجسيد المشاعر والأفكار التى تتجاوز الكلمات والتعبير التقليدي، كما تتميز أعماله بالتعقيد والعمق، وتجمع بين الجمالية الفنية والفلسفة العميقة، مما يجعلها محط إعجاب الكثيرين وتحظى بمتابعة واسعة من قبل عشاق الفن.
وتمتد مسيرة الرفاعى الفنية على نطاق واسع، حيث شارك فى معارض وفعاليات فنية دولية عديدة، بما فى ذلك معارض فى دبي، الدوحة، أبوظبي، وغيرها، كما حصل على جوائز فنية وأدبية عديدة تعكس قيمة أعماله وتأثيره فى المجتمع الفني.
الفنان المصرى فتحى عفيفي، وُلد فى القاهرة عام ١٩٥٠، بعد إكمال دبلومه فى المدارس الصناعية الثانوية فى عام ١٩٦٨، سعى للدراسة الحرة فى الفنون الجميلة من عام ١٩٧٤ إلى ١٩٧٥، وأصبح عضوًا فى اتحاد الكتاب والفنانين فى مشروع القاهرة فى عام ١٩٨١، بالإضافة إلى عضوية فى الجمعية الوطنية للفنون الجميلة ونقابة الفنانين.
وتأثر عالم الفنان عفيفى بشكل كبير بطبقات المجتمع الوسطى والبسيطة، يعكس الأفكار والحركات الثورية للخمسينيات والستينيات، حيث جاءت أعماله صادقة وواعية وعميقة، مستلهمة من الأساتذة الشهيرين مثل عبد الهادى الجزار، وحامد عويس، وإنجى أفلاطون.
وتتميز لوحاته، بلمسة إنسانية، تصوّر بوضوح الحياة اليومية والصراعات لطبقات العمال، تسجل لحظات الضيق والسباق، والفرح، والقلق، والطموح، تلك المشاهد الدرامية تدعو إلى الحوار والبحث والتأمل، كما يجمع فى لوحاته، بين التناقضات مثل الأشياء غير الحية والبشر، والروح والمادة، والأبيض والأسود، مما يخلق مفردات بصرية فريدة، ويتميز أسلوبه بالبساطة فى المواد والألوان، مما يميز إنتاجه الفنى بين المئات من الفنانين، وعكس لوحات عفيفي، المليئة بطبقات الأبيض والأسود والألوان الزاهية، طاقته الإبداعية وأفكاره العميقة، داعية المشاهدين إلى استكشاف أعماق خياله وتعقيدات وجود الإنسان.
أحلام المسافر، وهى فنانة مغربية وُلدت فى الجديدة، تخرجت أحلام لمصفر فى الفنون التشكيلية من باريس فى السبعينيات، تعمل كأستاذة وباحثة فى التربية الوطنية بالمغرب، وحصلت على إجازة فى الأدب الإنجليزي، مع دراسات فنية فى باريس، تشغل مناصب قيادية فى عدة جمعيات فنية وثقافية، وهى عضو فى اللجنة الفخرية لجمعية الفنون الفرنكوفونية، وقامت بعروض فردية وجماعية فى عدة دول منذ الثمانينيات.
وعرضت أعمال أحلام فى معارض دولية وورش عمل فنية حول العالم، حازت خلالها على العديد من التكريمات والجوائز، وفى عام ٢٠٠٨، تم تكريمها من قبل الأكاديمية الفرنسية للفنون والعلوم والآداب. تظهر أعمالها فى مختلف كتب الفن، بما فى ذلك "الفن المعاصر فى الشرق الأوسط" لبول سلومان، وتُحتفظ بها فى مجموعات عامة وخاصة حول العالم.
وتدور ممارسة أحلام الفنية، حول مرونة النص واستكشاف الفراغات والأشكال والألوان، وتقوم بتفكيك النص وإعادة بنائه فى أعمالها كجزء من عمل إبداعى يستكشف الجمال ويتعرض للمخاطر، ويتقدم فنها من التعرف العاطفى إلى التجريد المتزايد التنقيح، مما يلتقط جوهر الواقع فى أشكال ديناميكية وحية تنشغل فى أعمالها بالنص البلاستيكى والتجريب بأشكال وألوان مختلفة تعبر عن الوجود وتحكى قصص الحياة.