في ضربة قاصمة لجميع أركان النظام الإيراني برمته؛ أكدت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية صباح 20 مايو 2024، وفاة الرئيس الإيراني «إبراهيم رئيسي» مع وزير الخارجية «حسين أمير عبد اللهيان» ومسؤولين آخرين في حادث تحطم مروحية كانت تقلهما في منطقة قرب الحدود مع أذربيجان، بمحافظة أذربيجان الشرقية شمال غربي إيران؛ وحتى الآن لم يتضح السبب وراء هذا الحادث سواء مدبر أم طبيعي وقع جراء سوء الأحوال الجوية بهذه المنطقة الوعرة وفقاً لما أعلنه ويصر عليه بعض المسؤولين الإيرانيين.
تطورات الحادثة
تجدر الإشارة أن مروحية «رئيسي» ووزير خارجيته، كان بها أيضاً كل من إمام جمعة تبريز ممثل المرشد الإيراني في أذربيجان الشرقية « محمد علي آية الله آل هاشم»، ومحافظ أذربيجان الشرقية «مالك رحمتي»، إضافة إلى طاقم المروحية، ومن اللافت أن موكب الرئيس الإيراني كان مكون من ثلاث طائرات، وقد عادت مروحيتين الحماية بسلام إلى مدينة تبريز شمال غرب إيران، فيما تحطمت مروحية الرئيس بعدما نفّذت "هبوطًا صعبًا" وفقا لما أعلنه وزير الداخلية الإيراني «أحمد وحيدي»
ومن الجدير بالذكر أن الرئيس الإيراني كان في زيارة إلى أذربيجان وعقد في 19 مايو الجاري خلالها قمة مع نظيره الأذربيجاني «إلهام علييف» في مدينة جلفا الحدودية بين البلدين لتدشين عملية افتتاح سد "قير قلعة سي" الذي يقع على نهر آراس الحدودي مع أذربيجان؛ ضمن مساعي طهران تحويل حدودها مع أذربيجان لمنطقة خدمات لوجيستية.
وبعد انتهاء القمة، عاد الرئيس الإيراني ومرافقيه وطائرات الحماية، ولكن بعض وصول نصف الطريق، قد فقد الاتصال بالمروحية التي كانت تقل «رئيسي»، لتبدأ بعدها مباشرة عملية البحث التي شارك فيها 73 فريقًا في عمليات البحث والإنقاذ من الهلال الأحمر الإيراني، مستخدمين الكلاب المدرّبة والطائرات المسيّرة، وقد استغرقت عدة ساعات جراء الظروف الجوية السيئة وطبيعة الجغرافيا المليئة بالغابات بهذه المنطقة، كما أرسلت تركيا فرق إنقاذ ومروحية مزودة بتقنية الرؤية الليلية للمشاركة في عمليات البحث والانقاذ، وبعد وصول فرق الإنقاذ تم العثور على مروحية الرئيس الإيراني محطمة بالكامل ومقتل جميع من كان فيها.
تساؤلات عدة
في ضوء التطورات سالفة الذكر، قد أثارت تلك الحادثة حالة من الغموض الشديد والتساؤلات، خاصة أن طائرات الحماية التي كانت برفقة الرئيس الإيراني عادت بسلام فيما تحطمت طائرة «رئيسي»، والأمر الثاني، غالبية مسؤولي إيران أرجعوا السبب في الحادثة لسوء الأحوال الجوية وتقلبات في الطقس والضباب وسقوط الأمطار، مما يثير تساؤل عن سبب إطلاع المسؤولين بهيئة الأرصاد على هذا الأمر قبل انطلاق رحلة الرئيس الإيراني.
والأمر الثالث، كيف لدولة مثل إيران تدعي امتلاكها لأحداث أنواع الأسلحة والطائرات المسيرة والصواريخ، تنقل رئيسها في مروحية مصنوعة عام 1980 وهي أمريكية الصنع، الأمر الذي يعاني عدم صيانة طهران لطائراتها وقد يرجع ذلك للعقوبات الأمريكية المفروضة على قطاع الطيران الإيراني، خاصة أنه بخلاف «إبراهيم رئيسي» قد تعرض رئيسين إيرانيين آخرين لحوادث مروحيات، الأول الرئيس الإيراني «أبو الحسن بني صدر» الذي نجا في أغسطس 1980 من حادث تصادم بين مروحتين قرب الحدود الإيرانية العراقية، والحادث الثاني تعرض له الرئيس الأسبق «محمود أحمدي نجاد» الذي نجا في يونيو 2012 من تحطم مروحيته في مرتفعات البرز بعد تعرضها لخلل فني.
قرارات المرشد
وخلال الساعات القليلة الماضية، أصدر المرشد الإيراني «علي خامنئي» حزمة من القرارات، أولها، الحداد في إيران لمدة 5 أيام، وثانيها، تولي نائب الرئيس «محمد مخبر» إدارة السلطة التنفيذية بحسب المادة 131 من الدستور، ويتعين عليه الترتيب مع رئيسي السلطتين التشريعية والقضائية لانتخاب رئيس جديد خلال مدة أقصاها خمسون يوما حتى اجراء الانتخابات، كما أعلنت الحكومة الإيرانية في اجتماع لها تشكيل 6 لجان لإدارة شؤون البلاد، وتعيين «علي باقري»وزيرا للخارجية بدلاً من «عبد اللهيان».
في ضوء ما تقدم، يبرز تساؤلاً هل هذا الحادث مدبر وإذ كان كذلك فمن داخل أو خارج إيران، خاصة أن المروحية التي سقطت كانت تقل عدد ليس بقليل من الشخصيات الإيرانية المهمة وهو ما يجعلها "هدفاً" للاستهداف، أم أنه حادث طبيعي وقع نتيجة سوء الطقس، وذلك لا ينفي فشل جميع أجهزة النظام الإيراني برمته.
صراع أجنحة أم أيادي خارجية
وللإجابة على التساؤل السابق، يقول الدكتور «مسعود إبراهيم حسن» الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، أن الحادث يجبر الحكومة الايرانية للإجابة على عدد من الاسئلة، أبرزها كيف لطائرات الحماية أن تصل وطائرات الرئيس تسقط، وفيما يخص مبررات الحكومة بأن الطقس السبب، فالإجابة أن الطقس كان على ثلاث طائرات، إضافة أن هناك تقرير تصدره هيئة الارصاد الجوية الإيرانية ويسلم لمكتب الرئاسة قبل اي رحلة، وهو ما يعني أن هناك "خلل مقصود" قد وقع.
ولفت «إبراهيم حسن» في تصريح خاص لـ«البوابة نيوز» أن خسارة ايران كبير في شخصتين الاول الرئيس «إبراهيم رئيسي» الذي كان المرشح الاوفر حظا لخلافة المرشد «خامنئي»، والثاني وزير الخارجية «أمير عبداللهيان» الذي كان يطلق عليه المرشد الأعلى بأنه "مستقبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية".
وكشف «حسن» بأن الدولة العميقة الممثلة في نجل المرشد «مجتبى خامنئي» الذي غاب عن الصورة في الفترة الاخبرة بعدما كان المرشح لخلافة والده، قد تكون لها يد فيما حادث تحطيم المروحية، الذي يخدم بلا شك نجل المرشد وسيعزز من فرصه لخلافة والده «خامنئي».
وأضاف أن السلطة التنفيذيةلم تتغير كثيراً في إيران بموت الرئيس نظرا لكون جميع القرارات في يد المرشد، كما أن منظومة وكلاء ايران يديرها الحرس الثوري الإيراني ولذلك لن يحدث لها تغيير، ولكن الاهم هو دورهم بعد الحادث خاصة اذ ثبت تورط اسرائيل او امريكا في هذا الحادث وهو ما سيؤدي لاشتعال المنطقة.
تداعيات محتملة
ومن جهته، يقول الدكتور «محمد عبادي» الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، أن موت «رئيسي» سيفتح صراع داخلى النظام الايراني خاصة أنه كان هناك تناغم ان يلعب «رئيسي» دور المرشد بعد وفاة «خامنئي»، وهو ما سيجعل النظام الإيراني يبحث عن بديلا للمرشد خلال الفترة المقبلة.
ويشير «عبادي» في تصريح خاص لـ«البوابة نيوز» أن وفاة الرئيس الإيراني رغم أنها لن تؤثر على طريقة إدارة البلاد كون أن المرشد الأعلى في يده كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وأمر اختيار الرئيس محسوم بالنسبة للدستور؛ إلا أنها ستمثلهزة سياسية داخلية وسيكون هناك موجة احتجاجات كبيرة داخل ايران وذلك بسبب الاوضاع الاقتصادية المتدهورة للبلاد، بجانب الأوضاع الأمنية المتدهورة، ولكن المؤكد أن طهران ستتجاوز صدمتها وستكون امام معضلة بشأن إيضاح ما اذ كان حادث اهمال او اغتيال بتدخل خارجي، وفي كلا الحالتين فهي "ضربة قاصمة للنظام الإيراني".