تزاحمت هموم الوطن العربى وقضاياه على طاولة أعمال القمة العربية الثالثة والثلاثين فى البحرين ويتصدرها فى المشهد، التصعيد العسكرى على الحدود المصرية الشرقية والحرب الشعواء كما وصفها الرئيس فى كلمته أمام القمة وعلى الرغم من قساوة المشاهد وعلى الرغم من أن قوات الاحتلال تصر على محاصرة الأشقاء فى غزة فى مدينة رفح جنوب القطاع متبعة سياسة حافة الهاوية وكأنها تقول البحر أمامكم والعدو وراءكم!، ولكن تظل الدولة المصرية الرصينة تمتلك الرؤية والموقف الواضح ومن ثمّ الأدوات القوية.
لم يكن هذا المشهد فى الدولة المصرية إبان النكسة عام ١٩٦٧، فكانت الدولة مضطربة ومذبذبة والروح المعنوية منكسرة والمشهد كان ضبابيًا للجيش والشعب، ولكن تعلمنا الدرس بعد ذلك إثر نصر أكتوبر وتعلمنا أهم درس فى تاريخ الدولة المصرية، ألا وهو أن تكون قويًا فتتفاوض قويًا، فيرتدع عدوك، فلولا معاهدة السلام الذى تمت بين مصر وإسرائيل لكان المشهد على الحدود اليوم فى قمة العبث، فلم يخطر ببال أحد أن تلك المعاهدة التى وقعتها مصر وهى قوية وأثبتت للعالم كله أن الدولة القوية فى الحرب هى ذاتها القوية فى السلام وأن القوة لها وجهان ليس وجه الحرب فقط، وأنها تكون الرادع والشوكة التى تؤرق قوات الاحتلال من المساس بحدود مصر اليوم وهى تحاول تهجير الفلسطينيين وتهجير القضية معهم أمام رفض مصرى قوى وتأكيد عن قدسية الحدود المصرية.
فمصر استقبلت فى العقد الأخير ضيوفًا من الأشقاء العرب من سوريا الذين أقاموا مشاريع ناجحة فى مصر ومن ليبيا ومن اليمن ومن لبنان وأخيرًا من السودان الذين أصبحوا يجاورونا فى كل حى ويعيشون حياة طبيعية كأى مواطن مصرى وليس حياة اللاجئين فى مخيمات أو ما شابه! فحضن مصر يتسع للجميع فمصر استضافت أكثر من ٨ مليون لاجئ أو ضيف فهل يصعب عليها استضافة مليون ونصف المليون من غزة؟. بالطبع؛ لا ولكن هذه لن تكون استضافة لمواطن عربى استجار بمصر من نيران الحرب ولكنها ستكون موافقة ضمنية على مخطط صهيونى آثم على تهجير القضية وتحقيق حلمهم فى إقامة الوطن البديل وهذا ما لن ترضاه مصر أبدا.
ترسخ فى أذهاننا أن القوة هى البندقية والدبابة والذخيرة وأن القوة الغاشمة هى النوع الأوحد من القوة ولكن هناك أنواع أخرى من القوة قد تكون الأرقى والأقل كلفة وهى فضح مخطط العدو كما فعل الرئيس عبد الفتاح السيسى موجهًا رسالة حادة عن سياسة حافة الهاوية ومحاصرة المدنيين فى رفح وممارسة الخناق عليهم من أجل التهجير.
الوضوح قوة، العقل قوة، فضح المخطط الخبيث قوة، السلام قوة، المواجهة قوة، الردع قوة، تأمين الحدود قوة، وحدة الدولة ورؤيتها الواضحة قوة فهل من معتدٍ يستطيع أن يقترب؟.
د. ماريان جرجس: كاتبة صحفية