إشادات واسعة بالفيلم المصري "رفعت عيني للسما"
حساسية لانثيموس الفائقة تتطلب نوعًا خاصًا من الصبر من المشاهدين
بعد مرور ما يقرب على نصف فعاليات مهرجان كان السينمائي في نسخته الـ77، لفت عدد من الأعمال الأنظار عقب عرضها العالمي الأول بأقسام المهرجان المختلفة، فيما أثارت أخرى ردود فعل متباينة من جانب النقاد، خاصة أنها حملت توقيع أسماء مخضرمة في صناعة السينما.
أول هذه الأفلام التي شهدت انقسامًا حادًا بين العديد من النقاد والجمهور، أحدث أعمال المخرج الأمريكي فرانسيس فورد كوبولا " Megalopolis"، الذي يعود به إلى الكروازيت بعد 4 عقود.
ففي مراجعته التي منحت الفيلم تقييما متدنيا (2/5)، قال الناقد والكاتب بيتر برادشو في مقاله بـ"الجارديان": "كل من يحب السينما مدين لفرانسيس فورد كوبولا بالكثير.. بما في ذلك الصدق. ولكن هذا مشروع عاطفي بدون شغف.
فيلم متضخم وممل وضحل بشكل محير، مليء بحقائق حفل التخرج في المدرسة الثانوية حول مستقبل البشرية. إنه مفرط النشاط وبلا حياة في الوقت نفسه، ومثقل ببعض أعمال المؤثرات البصرية الرهيبة وغير المثيرة للاهتمام وغير المكلفة والتي لا تحقق نسيج الواقع التناظري ولا إعادة اختراع رقمية جذرية بالكامل للوجود".
ومع ذلك، يضيف برادشو في مراجعته بأن "دراما الخيال العلمي هذه تطرح سؤالًا وجيهًا؛ إن الإمبراطورية الأمريكية، مثل الإمبراطورية الرومانية، مثل أي إمبراطورية، لا يمكن أن تستمر إلى الأبد. هل وصلت لحظة الانحدار في أمريكا؟".
أما ديفيد روني، في مراجعته بموقع "هوليوود ريبورتر"، فتخيل أن "الحكاية" قد تكون رمزًا للسعي وراء حلم حيث يظل المؤلف قادرًا على تقديم ملحمة ضخمة دون أي تنازلات في هوليوود التي تهمش الفن للتركيز بشكل بحت على الاقتصاد.
واستطرد روني حديثه عن الكيفية التي انتهى بها كوبولا إلى التمويل الذاتي لهذا الفيلم الفخم، بميزانية تبلغ 120 مليون دولار، تم جمعها جزئيًا من خلال بيع قطعة كبيرة من إمبراطوريته للنبيذ.
وهذا ما دفعه للتساؤل حول هوية الجمهور الذي سيتلقى فيلما جزء منه دراما سياسية، وجزءًا من الخيال العلمي، وجزء من الرومانسية، وحتى الجزء الكوميدي مليء بإشارات سامية إلى الأدب والفلسفة والتاريخ والدين.
أصبح التصور الآن معروفًا لدى الجمهور في الصناعة بأن هذا الفيلم لن يجد جمهورًا واسعًا أبدًا، ومن المستحيل الاختلاف".
واستكمل روني طرح أسئلته حول مشروع كوبولا الجديد "هل هو عمل بعيد عن الغطرسة، أم حماقة هائلة، أم تجربة جريئة، أو محاولة خيالية لالتقاط واقعنا المعاصر الفوضوي السياسي والاجتماعي على حد سواء، من خلال نوع من السرد القصصي الذي نادرًا ما يتم تجربته بعد الآن؟ الحقيقة هي أنه كل تلك الأشياء".
ويكمل: "إنه عاصف ومكتظ، وكثيرًا ما يكون محيرًا وحديثًا للغاية، نقلًا عن هاملت والعاصفة، وماركوس أوريليوس وبترارك، اجترار الوقت والوعي والقوة إلى درجة تصبح ثقيلة. ولكنه أيضًا في كثير من الأحيان مسلٍ ومرح ومبهر بصريًا ومضاء بأمل مؤثر للإنسانية".
وكان لبيتر ديبورج تصور مختلف عن الطريقة التي قدم بها كوبولا فيلمه، ففي مراجعته بموقع "فارايتي" قال: "على الرغم من مرور ثلاثة عقود على آخر انتصار لكوبولا، إلا أن الجمهور كان يأمل أن يقدم كوبولا "Apocalypse Now" أخرى.
ولكن من الغريب أن الرسوم المتحركة (بدلًا من الحركة الحية المليئة بالمؤثرات البصرية) ربما كانت طريقة أفضل لرواية مثل هذه القصة. كان من الممكن أن تمنح الرسوم المتحركة أيضًا كوبولا مزيدًا من التحكم في بيئة تهدف إلى تجميع نيويورك الحديثة وروما القديمة وغابات باندورا.
ولكن كما تكرر إحدى الشخصيات في الفيلم: "عندما نقفز إلى المجهول، نثبت أننا أحرار".
أما ديفيد إيرليش، الذي وصف الفيلم بأنه شخصي وخالٍ من الأنانية، فقال في مراجعته بموقع "إندي واير": "لقد كان كوبولا يؤمن دائمًا بأمريكا، لكن إيمانه يتآكل في كل ثانية، و"Megalopolis" ليست إلا الأكثر جرأة وانفتاحًا من بين محاولاته العديدة لوقف الوقت قبل فوات الأوان.
وكما هو الحال دائمًا، فهو يدرك عدم جدوى هذه المحاولة، حتى لو كانت شخصياته أحيانًا بطيئة بعض الشيء في الاستيعاب".
وأضاف إيرليش: "في حين أنه قد يكون من المغري رؤية هذا العمل الفني الغريب والمنعزل والمكلف بشكل غير معقول باعتباره عملًا منطويًا على نفسه لفنان يتلاشى، فقد ما تبقى من قدرته على التمييز بين الأفكار الجيدة والسيئة، فإن "Megalopolis" تفعل كل شيء في قدرتها على تذكير الجمهور بأننا نشارك في نتيجة حلم الحمى المجنون.
وهذا لا يعني أننا ملزمون بإنجاح هذا الفيلم بالذات، ولكن من الأفضل أن نفحص مصدر أي عداء قد ينتجه داخلنا. لماذا يخيفنا التغيير كثيرًا لدرجة أننا نفقد حريتنا في تخيل عالم أفضل بدلًا من حساب الإمكانيات التي تسمح بها هذه الحرية؟".
أما الفيلم الدنماركي السويدي"The Girl with the Needle"، للمخرج ماجنوس فون هورن، فكان من بين الأعمال التي أشاد بها النقاد عقب عرضه في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي.
وعقب عرضه، وصف النقاد الفيلم بالعمل السودوي القاسي، وهو مستوحى من القصة الحقيقية لـ داجمار أوفرباي التي قتلت عددًا كبيرًا من الأطفال المولودين خارج إطار الزواج في كوبنهاجن، خلال الحرب العالمية الأولى بين عامي 1913 و1920.
حالة المعاناة التي تجعل تجربة مشاهدة الفيلم قاسية - كما وصفها الناقد جاي لودج في مراجعته بموقع "فارايتي" - يعضدها الكاتب في سطوره بوصفه أن "النساء مثل كارولين لا يسقطن من تلقاء أنفسهن، بل يتم إسقاطهن من ارتفاع كبير من قبل النظام الأبوي الحاكم الذي لا يهتم حتى بمشاهدتهن وهن يتناثرن.
هذا الهبوط غير الطوعي، ليس فقط إلى مزراب متسخ، بل إلى عالم سفلي قريب من جحيم القسوة البشرية... حيث يتم الكشف عن المجتمع باعتباره الوحش الحقيقي".
وعبر الناقد جو أوتيتشي، في مراجعته بموقع "ديدلاين، عن إعجابه بعمل فون هورن وشريكه في الكتابة لاين لانجيبك، وقال أنهما "نجحا في تحقيق التوازن بين حقيقة هذه القصة وخيالها الملهم، نظرًا لأن حقائق هذه القصة صارخة للغاية.
كما أن التصوير السينمائي الفخم بالأبيض والأسود يجعل الفيلم يبدو بطريقة ما وكأنه روائي وتسجيلي، وهذا التأرجح الدقيق بين النقيضين نراه بوضوح على طول مراحل الفيلم".
أما الناقدة ليزلي فيلبرين، فقالت في مراجعتها بموقع "هوليوود ريبورتر": "كان من الممكن أن يكون الأمر برمته واقعيًا للغاية بحيث لا يمكن التعامل معه لولا حقيقة أن الفيلم ينتهي بملاحظة مليئة بالأمل، حيث تتم معاقبة الشخصيات الأكثر شرًا على خطاياهم ومنح الطيبين فرصة ثانية. إنها بلا شك نهاية خيالية، لكنها من النوع الذي نحتاجه هذه الأيام".
وأضافت فيلبرين، أن تقنيات الصورة في الفيلم، الذي جاء بالأبيض والأسود، وباستخدام نسبة 3:2 الضيقة للمصور السينمائي ميشال ديميك - الذي أنجز مؤخرًا فيلم "EO" - جعلت العمل يتمتع بالتوازن المسكون والمخيف للصور العتيقة، وهي جمالية ستسعد السينمائيين والمشاهدين؛ ولكنها قد تجعل من الصعب بيعه تجاريًا، خاصة في ظل كآبة الموضوع.
وبعدما وصفته في مراجعتها بـ"السرد القصصي الغني"، وصفت الناقدة صوفي كوفمان في مقالها بموقع "إندي واير" - الفيلم - بأنه أشبه بتتبع بطلة في شبه رحلة سقوط حر، لا يدعمها مجتمع ذو رؤية ضيقة لمكانة المرأة، وغالبًا ما تتم معاقبة النساء في هذا النوع من القصص بوحشية بسبب جرأتهن على إظهار استقلاليتهن.
وعن الأداء اللافت للنظر الذي قدمته بطلة الفيلم، قالت فيونوالا هاليجان، في مراجعتها بموقع "سكرين دايلي": "كارمن سون (كارولين) على وجه الخصوص، تقدم مثل هذا الأداء الدقيق لفتاة غير متعلمة ليس لديها خيارات ولا مستقبل يتجاوز ما يمكنها نحته بأظافرها.
يُظهر وجهها مشاعر يأس وبراءة ويأسًا، وذكاءً وغباءً، وكلها تتطاير مثل السحب المتكدسة فوق مداخن كوبنهاجن. وهذا ما يجعلها بالتأكيد المرشحة الأولى لأفضل ممثلة في مهرجان كان هذا العام".
ومن بين الأفلام التي أثارت إعجاب النقاد، فيلم " Kind of Kindness" للمخرج يورجوس لانثيموس، بعد أقل من عام على النجاح الكبير الذي حققه بفيلمه "Poor Things". وفي مراجعته التي منحت الفيلم (4/5)، قال بيتر برادشو في مقال بـ"الجارديان"، إن لانثيموس "يصل بمشروعه الجديد المثير للأعصاب والمسلي إلى مدينة كان بعد أقل من عام من إطلاق فيلمه "Poor Things". إنها لوحة ثلاثية مروعة وعبثية، ثلاث قصص أو ثلاثة اختلافات سردية حول موضوع ما، تدور أحداثها في نيو أورلينز وما حولها في العصر الحديث".
وفي مراجعته بموقع"هوليوود ريبورتر"، وصف ديفيد روني، عودة يورجوس لانثيموس بـ "التصادم المذهل للواقع التقليدي مع الأحداث السريالية والغريبة والمزعجة التي ميزت أعماله السابقة، في ثلاثية من القصص الأكثر غرابة بشكل تدريجي والتي تمثل خدشًا غير متساوٍ واستكشافًا رائعًا لا يمكن التنبؤ به لمواضيع مثل الحب والإيمان على وجه الخصوص".
وأضاف روني، أن الفيلم "قد لا يكون متماسكًا من حيث الموضوع عند المشاهدة الأولى، كما يرغب بعض المشاهدين، ولكن كلما أمعنت التفكير فيه، كلما بدأت قطع اللغز في التوافق وبدأت الخيوط المشتركة في الظهور".
الناقد بيلجي إيبيري، قال في مراجعته بموقع "فولتشر"، إن فيلم لانثيموس الجديد يمثل "عودة إلى مشاهد التدهور الشخصي والعائلي والمجتمعي التي صنع المخرج اسمه عليها". وأضاف إيبيري أن "أسلوب لانثيموس الثابت والواقعي يجسد طبيعة شخصياته التي لا جدال فيها.
وعلى الرغم من أن المنطق الداخلي لعوالمه المسيطر عليها يبدو صارمًا، إلا أنه ليس كذلك أبدًا. دقة المخرج ما هي إلا خدعة سحرية مصممة لجعلنا نفكر في شيء واحد، وهو أن لا شيء من هذا له أي معنى".
وفي مراجعته بموقع "فارايتي"، وصف بيتر ديبروج، الفيلم، بالمحاكاة الساخرة الغريبة، وقال: "ربما تكون هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها القول بأن آخر أعمال لانثيموس يرضي توقعات أي شخص. لا يستطيع الجمهور في أي من فترات الفيلم التظاهر بتوقع ما سيحدث بعد ذلك. هذا الفيلم الطويل الأصلي يأسر القلوب، حتى وإن كان محبطًا، متحديًا المنطق التقليدي بينما يقدم ضجة عبثية حول المجتمع الحديث. إنه ليس مملًا أبدًا.
ومع ذلك، فإن حساسية لانثيموس الفائقة تتطلب نوعًا خاصًا من الصبر من المشاهدين، الذين سيأتي الكثير منهم لرؤية بليمونز وستون يمتدان خارج مناطق الراحة الخاصة بهما".
أما الفيلم التسجيلي المصري "رفعت عيني للسما" للمخرجين ندى رياض وأيمن الأمير، والمشارك ضمن مسابقة أسبوع النقاد بمهرجان كان السينمائي، فحاز إعجاب النقاد والجمهور عقب عرضه العالمي الأول، الجمعة الماضية.
يجسد الفيلم حكاية مجموعة فتيات بإحدى قرى صعيد مصر تقررن تأسيس فرقة مسرحية وعرض مسرحياتهن المستوحاة من الفلكلور الشعبي الصعيدي والتي تحاكي مشاكل واقعية مثل الزواج المبكر والعنف الأسري وتعليم الفتيات.
يدور الفيلم في فلك قصص ثلاثة مراهقات ومتابعة حلمهن في عالم الفن بين حكاية ماجدة التي تحلم بالسفر للقاهرة لدراسة المسرح وتصبح ممثلة، وحكاية هايدي التي تحلم بأن تصبح راقصة باليه، في حين تحلم مونيكا بأن تصبح مغنية مشهورة.
وفي مراجعتها بموقع "Cineuropa"، قالت الناقدة ليجا بوزارسكا، إن المخرجين وثقا قصتهما على مدى ست سنوات: اثنان قضاهما في البحث وأربعة في التصوير. وكيف تمكنوا من الاستفادة من نبض الحياة لهؤلاء الشابات.
وأضافت بوزارسكا: "إلى جانب المخرجين، نمنح نحن المشاهدين أيضًا نظرة نادرة على الأعمال الحميمية للأسر العائلية، ونتمتع بامتياز كافٍ لسماع المحادثات الخاصة ورؤية ما وراء الكواليس من التدريبات".
وتستكمل الكاتبة أن أحلام هؤلاء المراهقات المرحات والطموحات تنمو ليصبحن شابات ذوات رؤية ثاقبة. في الشوارع، بينما يشاهد الرجال المرتبكون، الفتيات بشكل جماعي أن أجسادهن ليست خطيئة، وأنه لا ينبغي للآخرين خنق أحلامهن. إن الإلحاح الذي يكتسب كنغمات فردية زخمًا أوسع يتم التعبير عنه في انسجام تام".
وتساءل الناقد مارك فان دي كلاشورست، في مراجعته بموقع "international cinephile society"، هل يمكن لأحلامك أن تتغلب على حدود محيطك؟ وهذا السؤال الأساسي الذي يطرحه الفيلم. ومع ذلك، ينتهي الفيلم بملاحظة مفعمة بالأمل، موضحًا أنه حتى لو لم تتحقق كل الأحلام، فإن مجرد المحاولة يمكن أن يسبب تحولًا للجيل القادم.
وأضاف دي كلاشورست، أن المخرجين استغرقا وقتًا طويلاً ، حيث كان عليهما أن يكتسبا أولاً ثقة ليس فقط الشابات، ولكن أيضًا عائلاتهن وأصدقائهن وبقية سكان القرية.
وقد أتاح لهم ذلك الوصول إلى بعض اللحظات الشخصية والمفجعة، والتي تم تصويرها دون زخرفة. واختتم سطوره بأن "رفعت عيني للسما" هو تصوير واقعي ومفعم بالأمل لحياة الشابات في ريف مصر، وتذكير بأن بين الأحلام والواقع غالبًا ما يكمن الإيمان.