يقول الفيلسوف الألماني كارل ماركس «١٨١٨– ١٨٨٣»، إن التاريخ يُعيد نفسه مرتين، مرة على شكل مأساة، ومرة على شكل مهزلة، والمهزلة بحق هي الجارية حاليًا في قطاع غزة، حيث يتعرض الشعب الفلسطيني لعدوان غاشم ونكبة جديدة أسوأ من النكبة التي تمر عليها ٧٦ عامًا، حيث زرعت إسرائيل فوق الأرض العربية في فلسطين، لتتكرر النكبة والترانسفير والتهجير بنفس الأدوات.
فالجيش الذي يمارس الإرهاب ضد الفلسطينيين في غزة والضفة، كان نواته من منظمات إرهابية مسلحة تكونت قبل عقود من قيام إسرائيل، ومارست القتل والدمار لترهيب الفلسطينيين وتهجيرهم من أرضهم، وعاد مجددا ليكرر فعلته في غزة بدءا من السابع من أكتوبر الماضي.
العصابات الصهيونية الإرهابية نواة الجيش الإسرائيلي
منذ اتجهت الأنظار الصهيونية نحو فلسطين وتسعى الحركة الصهيونية إلى إنشاء التشكيلات العسكرية اللازمة للدفاع عن المستعمرات، يقول الكاتب الأردني غازي ربابعة في كتابه القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، إن إنشاء المستعمرات الزراعية المحصنة والمحاطة بالخنادق الدفاعية والملاجئ والأسلاك الشائكة المحروسة ليلا يمثل بداية الاستعداد الصهيوني المسلح لاغتصاب فلسطين.
وأشار «ربابعة» إلى أن فكرة إنشاء قوة يهودية مسلحة تعود إلى عام ١٨٧٠ عندما بدأت حركة الغزو الاستيطاني تتجه نحو فلسطين بشكل جدي، وما أن استقر الحال بالغزاة في المستعمرات التي أقاموها حتى أنشأوا في عام ١٩٠٧ أول قوة مسلحة حملت اسم منظمة الحرب اليهودي – هاشومير.
وتعددت المنظمات اليهودية المسلحة قبل قيام إسرائيل حتى وصلت إلى خمس منظمات هي الهاشومير والهاجاناة والبالماخ والأرجون وشتيرن، وكونوا جميعا فيما بعد جيش الاحتلال الإسرائيلي.
الهاشومير
كان اليهود الذين أقاموا مستعمرة بتاح تكفا، يؤلفون الطليعة التي لجأت إلى حمل السلاح لتتمكن من تحقيق خطة الغزو الاستيطاني وكان أبرز قادتهم الصهيوني الهنجاري جشوا ستامير.
وفي مستعمرة الشجرة بالجليل نشط العمل الصهيوني حين انتقل إليها بن جوريون ورفاقه حاملين دعوة الاعتماد على النفس في العمل والدفاع ساعين إلى التخلص من العمال العرب والخفراء الشراكسة.
وتطورت أيديولوجية الهاشومير مع ازدياد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتدارس زعماءها الوضع الجديد وهو المجتمع المسلح، بحيث ينضم جميع اليهود المعنيين في فلسطين والمهاجرين إليها في المستقبل، واستطاعت الهاشومير أن تؤسس بذلك المنظمة الجديدة «الهاجاناة».
الهاجاناة
رفعت الهاجاناة شعار فلسطين لليهود، وكانت مكونة من المشاة، نظرًا لصعوبة تكوين أي قوات أخرى في ظل انتشار القوات البريطانية في فلسطين.
واقتصر قوام الهاجاناة على شبكة واسعة النطاق من المخابرات لجمع المعلومات عن العرب والبريطانيين، واهتموا بشراء السلاح وأحيانا سرقته من المستودعات البريطانية إلى جانب إقامة صناعات صغيرة للأسلحة وبدأت في خلق نواة قوة بحرية وجوية. وتولت الهاجاناة ثلاث مهام هي تنظيم الهجرة وإقامة المستعمرات وشن العمليات العسكرية.
وفي عام ١٩٣٧ وتحت قيادة اسحق ساندوبرج، اتخذت الهاجاناة موقفًا أكثر شدة، حيث وضعت عقيدة ملخصها لا تنتظر الغزاة العرب حتى يأتوا، لا تنتظرهم حتى تدافع عن الكيبوتس، لاحقهم واتخذ موقفًا هجوميًا.
وكانت حكومة الانتداب عينت بعض أعضاء الهاجاناة في الشرطة الفلسطينية، ومنحتهم سلاحًا وفي بداية الحرب العالمية الثانية وصل عدد اليهود المُدربين من جانب الصهاينة ١٥ ألفًا.
وأنشأت الإدارة البريطانية مدرسة تدريب عسكري سرية في حيفا، وساهم الضابط البريطاني أوردي ونيجيت، بالتعاون مع ضباط استخبارات الهاجاناة بتشكيل الفرق الليلية الخاصة، والتي حددت مهمتها في تدمير مراكز المقاومة الغربية وتأسيس نواة الجيش اليهودي.
البالماخ
ومن الهاجاناة إلى البالماخ الذي جاء تكوينها بقرار في مايو من عام ١٩٤١ صادر من المنظمة الصهيونية ومهمتها العمل ضد قوات العرب غير النظامية، إلى جانب العمل مع القوات البريطانية ضد القوات الألمانية.
وكان لـ«بن جوريون» دور رئيسي في تطوير عمل هذه العصابة الصهيونية، بتحديد أهدافها بالتخلي عن الدفاع الثابت والانتقال إلى مواجهة العدو، وتشكيل جيش يكون في مقدوره مواجهة الجيوش العربية النظامية، بالإضافة إلى إقامة صناعة للأسلحة إلى جانب الحصول على أسلحة ثقيلة.
الأرجون
تعتبر الأرجون، هي المنظمة التي تمثل الجانب الإرهابي العسكري لشعب إسرائيل، ويعتبر فلاديمير جابوتنسكي، المؤسس الأول والأب الروحي للإرهاب الصهيوني، ففي عام ١٩٣٥ أعلن انفصاله وأعوانه عن الصهيونية العالمية وأسس الأرجون.
واقتصر عملها في البداية على تهريب اليهود من أوروبا الغربية إلى فلسطين وساعدتها الحكومة البولندية بالمال والسلاح كوسيلة للتخلص من اليهود.
بدأت الأرجون في تنظيم صفوفها بإخضاع المنتسبين إليها بالتدريب لمدة سنة في استخدام الأسلحة والمعدات الحربية، وبعد وفاة جابوتنسكي تولى مناحم بيجن قيادة المنظمة الإرهابية.
تألفت المنظمة من ٣ آلاف شخص قبل قيام إسرائيل، وكونت جهاز استخبارات من اليهود العرب أطلق عليها الفرقة السوداء، لتتمكن من استخدامهم في التجسس على العرب.
وعقدت الأرجون اتفاقية هُدنة مع السلطات البريطانية ما دامت الحرب قائمة ضد ألمانيا، ولكن أحد زعمائهم ويدعي «شتيرن» اشترط أن يفتح باب هجرة اليهود إلى فلسطين طوال مدة الحرب بدون أي قيود ولكن زعماء الأرجون رفضوا هذا الشرط فانفصل شتيرن وكون منظمة بإسمه. عام ١٩٤٠.
شتيرن
اتخذت هذه المنظمة، الإرهاب والعنف سبيلًا وحيدًا لإقامة الدولة اليهودية، وكانت مدعومة من حزب الإصلاح الصهيوني، وأعضاؤها لا يتجاوز عددهم ٥٠٠ فرد قُبيل قرار التقسيم، وارتفع فيما بعد إلى ٢٠٠٠ عضو معظمهم من البولنديين والتشيكو سلوفاكيين والألمان.
القوات اليهودية في الجيش البريطاني
امتدت الجهود الصهيونية في إنشاء التشكيلات العسكرية إلى الجيش البريطاني وتكونت كتائب يهودية لاكتساب الخبرة وكسب تأييد بريطانيا في إقامة وطن قومي لليهود.
وفي مارس ١٩٤٥ أقر مجلس الوزراء البريطاني تشكيل قوة يهودية تحت اسم هابيل، وعلمها نجمة داود على قطعة قماش زرقاء وبيضاء قاتلت بجانب الحلفاء ودخلت معهم إلى برلين بعد سقوط النظام الهتلري.
جيش الاحتلال
بعد صدور قرار التقسيم أخذت المنظمات العسكرية اليهودية العاملة في فلسطين تتصل ببعضها البعض بغية إزالة أسباب الخلاف والاندماج فيما بينها لتشكيل نواة جيش الدولة اليهودية.
وأعلن في ١٤ مايو ١٩٤٨ عن تشكيل الجيش الإسرائيلي، وكان مجموع هذه القوات ٧٠ ألف جندي مجهزين بمختلف الأسلحة.
واستطاعت إسرائيل تدريب ١٨٪ من اليهود قبل قيام الدولة، ولكنها لم تتمكن من الصمود أمام الجيوش العربية لذا سعت إلى الهدنة الأولى التي تمكنت خلالها من الحصول على عون عسكري كبير واتجهت إليها موجات من الفنيين والإخصائيين والمقاتلين من مختلف البلدان الأوروبية.
وكانت تمارس هذه العصابات الصهيونية انتهاكات كثيرة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل فارتكبت مجازر لا حصر لها، حتى قبل قيام إسرائيل، وأشهرها مجزرة بلدة الشيخ قبل حوالى ١٥٠ يوما على النكبة الفلسطينية، حيث ارتكبت العصابات الصهيونية مجزرة فى ٣١ ديسمبر ١٩٤٧ اقتحمت خلالها عصابات الهاجاناه، قرية بلدة الشيخ المسماه حاليا بـ"تل جنان" واستشهد ٦٠٠ إنسان.
وتُعد مذبحة دير ياسين أشهر المذابح فى تاريخ فلسطين، وارتكبت قبل أسابيع قليلة من إعلان إسرائيل فى التاسع من أبريل ١٩٤٨ ونفذتها عصابات الأرجون وشتيرن، واستشهد ما بين ٢٥٠ و٣٦٠ فلسطينيًا.
ولم يمر شهر على إعلان الكيان حتى ارتكبت مذبحة جديدة في ٢٣ مايو ١٩٤٨ والمعروفة بـ«مذبحة الطنطورة»، حيث هاجمت كتيبة ٣٣ التابعة للواء الكسندروني، واستشهد ٩٠ فلسطينيًا دفنوا في حفرة كبيرة.
وفي ١١ يوليو من عام ١٩٤٨ ارتكبت العصابات الصهيونية مذبحة اللد، حيث اقتحمت المدينة وحدة كوماندوز صهيونية بقيادة موشيه ديان، وقت المساء تحت وابل من القذائف المدفعية واستشهد ٤٢٦ فلسطينيًا في مدينة اللد التي احتلتها مع مدينة الرملة.
وكان الهدف من هذه المجازر هو ترحيل سكان فلسطين عن أرضهم كما كان يخطط زعماء الصهيونية، وهو مخطط قديم عادوا لتنفيذه خلال العدوان على غزة، الذي بدأ في السابع من أكتوبر الماضي.
وبعد عشرة أيام من بدء العدوان الإسرائيلي ضد غزة، حذر الرئيس عبدالفتاح السيسي، من أن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر قد يتسبب بحدوث الأمر نفسه للفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن.
وأكد الرئيس السيسي، خلال مؤتمر صحفي في القاهرة مع المستشار الألماني أولاف شولتز، في ١٨ أكتوبر ٢٠٢٣، أن تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة، تصبح بالتالي فكرة الدولة الفلسطينية التي نتحدث عنها غير قابلة للتنفيذ، ويتلاشى بين أيدينا السلام الذي حققناه، في إطار فكرة تصفية القضية الفلسطينية. ويبدو أن إسرائيل تسعى لتكرار التجربة الأمريكية، حينما أجبر المستوطنون الأوائل السكان الأصليين للبلاد على مغادرة المناطق التى استوطنوها، وهو أمر نفذته العصابات الصهيونية بعد تكوينها في فلسطين مع استمرار الهجرة اليهودية، وتسعى حكومة الاحتلال الحالية لتكراره بتهجير الفلسطينيين من شمال غزة ودفعهم جنوبا حيث مدينة رفح الفلسطينية الواقعة على الحدود المصرية.
وبحسب الدراسة المنشورة في مجلة مؤسسة الدراسات الفلسطينية، الصادرة في صيف عام ١٩٩١، بعنوان: «التصور الصهيوني للترحيل: نظرة تاريخية عامة» للأكاديمي والمؤرخ الفلسطيني-البريطاني نور مصالحة، يأسف قادة حزب الليكود لعدم طرد الفلسطينيين والتخلص من المشكلة السكانية المتمثلة في الوجود العربي.
وقال مصالحة في دراسته: «يسود في أوساط الليكود واليمين المتطرف ميل إلى المجاهرة بطلب ترحيل العرب عن الأراضي المحتلة التي صممت هذه الأوساط على استيطانها وضمها إلى إسرائيل».
ويذهب بعض ساسة الليكود، مثل مائير كوهين وميخائيل ديكل وأرييل شارون إلى التأسف الشديد على ازدواجية حزب العمل وريائه، ويرثون لما ارتكب في حرب ١٩٦٧ من خطأ عدم إجلاء الفلسطينيين عن الأراضي المحتلة، مثلما فعل من قبلهم بن جوريون واسحاق رابين وإيجال آلون في ١٩٤٨.
وأورد الكاتب الفلسطيني مصالحة في كتابه «طرد الفلسطينيين – مفهوم الترانسفير في الفكر والتخطيط الصهيونيين» في عام ١٩٣٦ اعتراف بن جوريون بعدما تولى منصب رئيس الوكالة اليهودية، بأن السكان الفلسطينيين الأصليين يحاربون لإبقاء فلسطين بلدًا عربيًا، إنهم يحاربون ضد خسارة كل ما يملكون، فالخوف ليس من فقدان الأرض بل من فقدان وطن الشعب العربي، الذي يسعى آخرون لتحويله وطنا للشعب اليهودي.
وأضاف بن جوريون، أن العربي يحارب حربا لا يمكن تجاهلها، فهو يشارك في الإضراب ويقتل ويقدم التضحيات الجسام.
وبعد عام واحد من حديث بن جوريون، قال موشيه شاريت، الذي كان رئيسًا للدائرة السياسية في الوكالة اليهودية، وأصبح فيما بعد رئيسًا لوزراء إسرائيل، لو كنت أنا عربيًا ذا وعي قومي سياسي، لقمت ثائرًا على هجرة من شأنها بعد مضي زمن ما في المستقبل أن تسلم البلد وأهله أجمعين إلى الحكم اليهودي، مُضيفًا: «من هو العربي الذي لا يعرف الحساب ولا يفهم أن هجرة بمعدل ستين ألفا في العام تعني دولة يهودية في فلسطين بأسرها».
وبحسب مصالحة فقد دون بن جوريون في يومياته بتاريخ ١٢ يوليو ١٩٣٧، ما يلي إن ترحيل العرب قسرًا عن الأودية التابعة للدولة اليهودية المقترحة يمنحنا شيئًا لم يكن لنا قط حتى عندما وقفنا على أقدامنا خلال أيام الهيكل الأول والهيكل الثاني، أي أن يكون الجليل خاليًا من السكان العرب، وعلينا أن نحضر أنفسنا للقيام بالترحيل».
وفي رسالة إلى ابنه عاموس البالغ ١٦ عامًا، كتب بن جوريون في ٥ أكتوبر ١٩٣٧: «علينا أن نطرد العرب ونحتل مكانهم وإذا اضطررنا إلى استخدام القوة لا لاقتلاعهم من الأرض في النقب وشرق الأردن بل لضمان حقنا في استيطان هذه الأماكن فإن مثل هذه القوة هو في تصرفنا».
ويُعلق الكاتب الفلسطيني البريطاني على موقف بن جوريون بالقول إنه من الواضح والمحدد في رسالة ٥ أكتوبر أن الترحل أمسى في ذهن بن جوريون يرتبط بالطرد الكامل ارتباطًا وثيقًا، كما أن هذه الرسالة ترى في مشروع لجنة بيل مجرد مرحلة أولية على طريق إنجاز الأهداف الصهيونية طويلة الأمد، الاستيلاء على فلسطين بأسرها استيلاء تامًا.
الهجرة اليهودية
وقبل زرع دولة الاحتلال الإسرائيلي فوق الأرض العربية في فلسطين، ومحاولات ترحيل السكان العرب، كانت هناك مقدمات متعددة للوصول إلى هذا المصير، وكان أبرزها الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
وبعد شهرين من إعلان قيام إسرائيل أصدرت مجلة الهلال عددًا خاصًا عن فلسطين، تحدثت خلاله عن الهجرة اليهودية قبل ربع قرن من نكبة ١٩٤٨.
وقالت «الهلال» في تقريرها المنشور في يوليو ١٩٤٨، إنه جاء في بيان أصدره مستر تشرشل عن الحكومة البريطانية عام ١٩٢٢ تهدئة لخواطر العرب، وبقصد إيهام الناس بأنه لا خطر من الهجرة اليهودية، ويجب ألا تتعدى الهجرة اليهودية بأي حال من الأحوال مقدرة البلاد الاقتصادية على استيعاب المهاجرين الجدد، كما ينبغي التأكد من أن المهاجرين ليسوا عبئًا على مجموع السكان أو سببًا لحرمان فريق منهم من أعمالهم.
وقبلت الوكالة اليهودية هذا المبدأ وأخذت تدعي منذ ذلك الحين هي والحكومة بأنهما يعملان بموجبه في إدخال المهاجرين، ولكن حركة الهجرة في الواقع كانت تسير طبقًا لرغبات الوكالة اليهودية بغير مراعاة لمصلحة البلاد الحقيقية أو حاجاتها الاقتصادية.
وبينما كانت سيول الهجرة اليهودية تتدفق بالألوف وعشرات الألوف وتقابل بالترحاب كانت الهجرة غير اليهودية وخاصة الهجرة العربية، وهي لا تتخطى غالبا بضع مئات تقابل بأشد أنواع المقاومة.
ولم تكتف الإدارة في فلسطين بمقاومة المهاجرين العرب من رعايا مصر وسوريا والعراق وشرق الأردن، بل أنها قاومت أيضا رجوع العرب الفلسطينيين الذين غادروا البلاد، وأقاموا مؤقتًا في البلاد الشقيقة أو غيرها، ثم أرادوا العودة إلى وطنهم.
لقد قدرت الجمعية الصهيونية عدد اليهود في فلسطين في سنة ١٩١٨ بنحو ٥٥ ألف شخص، فأصبح عددهم في سنة ١٩٤٨ يزيد على ٦٠٠ ألف شخص عدا المهاجرين غير الشرعيين. وارتفعت نسبتهم من ٧٪ في سنة ١٩١٨ من مجموع السكان إلى ٣٧٪ تقريبًا، وهبطت نسبة العرب من ٩٣٪ من مجموع عدد السكان في سنة ١٩١٨ إلى ٦٣٪. ونتيجة لهذه الهجرة، حلت بالبلاد أزمة اقتصادية خانقة يبن ١٩٢٦ و١٩٣٦ وكانت الهجرة اليهودية الكبيرة من أسبابها الهامة.
تشرشل يمكن الصهيونية من فلسطين
وأشار الدكتور جمال محمود حجر، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في كلية الآداب بجامعة الإسكندرية، في موسوعة مصر والقضية الفلسطينية، الصادرة عن المجلس الأعلى للثقافة عام ٢٠١٣ إلى دور تشرشل في ترسيخ الوجود اليهودي في فلسطين.
وقال «حجر» في مقال تحت عنوان «أصول فكرة تقسيم فلسطين وموقف مصر منها»: «إنه مع نهاية عام ١٩٢٠ صار تشرشل وزيرًا للمستعمرات تحمل مسئولية إدارة مناطق الانتداب العربية، ووقعت عليه مسئولية الترتيبات السياسية والمالية التي تقضي بعمل مسح شامل للسياسة البريطانية في المشرق العربي، ولتحقيق هذا الهدف عقد مؤتمرًا بالقاهرة في عام ١٩٢١ كان من بين ما تقرر فيه أن تُدار فلسطين لعدة أسباب كمستعمرة تابعة للتاج البريطاني مع تطعيمها بإدارة صهيونية».
وعلق أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في كلية الآداب بجامعة الإسكندرية، قائلًا: «تكشف العبارة الأخيرة عن عمق قناعة بريطانيا بالشكل الذي ستكون عليه فلسطين في المستقبل، ولم تكن مصر وقتئذ دولة مستقلة تمارس سيادتها في سياستها الخارجية، وإنما كانت القاهرة مقرًا للمكتب العربي الذي تدير منه بريطانيا شؤونها في الشرق الأوسط».
قرارات الأمم المتحدة الرافضة للاستيطان
منذ نكبة ٤٨ أصبحت القضية الفلسطينية الضيف الدائم والأبرز على مائدة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، حيث اتجه العرب إليهما دائما في محاولة لكبح جماح إسرائيل عن الاستيلاء على الأراضي العربية ووقف ممارستها القمعية.
وأصدرت الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي العديد والعديد من القرارات الخاصة بالاستيطان الإسرائيلي نستعرضها في السطور التالية.
في عام ١٩٧٩ أصدر مجلس الأمن الدولي قرار رقم ٤٥٢ وأعلن فيه أن المستوطنات في الأراضي المحتلة لا تحمل أي صفة قانونية، وأن الوضع القانوني للقدس لا يمكن تغييره من جانب واحد.
وفي العام التالي ١٩٨٠ صدر قرار مجلس الأمن رقم ٤٦٥ لعام ١٩٨٠ وطالب فيه المجلس إسرائيل بتفكيك المستوطنات القائمة والتوقف عن تخطيط وبناء المستوطنات في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس.
وفي ٢٨ أكتوبر عام ١٩٨١ صدر القرار رقم ١٥/٣٦ ويعتبر أن أي تغييرات في منطقة القدس غير شرعية، وضد القانون الدولي، وأن مثل هذه الأعمال تعدّ عائقا أمام تحقيق السلام العادل والشامل.
وفي السنوات الأولى من القرن الحالي، بدأت إسرائيل في بناء الجدار العازل في الضفة الغربية، وفي هذا السياق، أصدرت الأمم المتحدة في ديسمبر ٢٠٠٣ القرار رقم ١٠/١٤ وفيه طلبت الجمعية العامة من محكمة العدل الدولية أن تصدر على وجه السرعة فتوى بشأن تشييد الجدار في الأراضي الفلسطينية وحول القدس الشرقية، وتبين قواعد ومبادئ القانون الدولي بهذا الشأن.
وفي العام التالي ٢٠٠٤ صدر القرار رقم ١٢٤/٥٩ وتعلق بممارسات الاحتلال الإسرائيلي التي تمس حقوق الإنسان الفلسطيني في فلسطين المحتلة ومن ضمنها القدس الشرقية، وصوتت الولايات المتحدة ضد القرار. وفي التاسع من ديسمبر عام ٢٠١٥ صدر القرار رقم ٩٨/٧٠، وشجب أنشطة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتوسيع المستوطنات في القدس الشرقية المحتلة وحولها، وشجب مواصلة إسرائيل التشييد غير القانوني للجدار.
وكان قرار مجلس الأمن الدولي رقم ٢٣٣٤ الصادر في ٢٣ ديسمبر عام ٢٠١٦ من أشهر القرارات التي أكدت عدم شرعية إنشاء إسرائيل المستوطنات بالأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام ١٩٦٧ -بما فيها القدس الشرقية– ويطالب تل أبيب بوقف فوري لجميع الأنشطة الاستيطانية وعدم الاعتراف بأي تغيرات في حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧.
الرئيس السيسى حذر من أن تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر قد يتسبب بحدوث الأمر نفسه للفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن.