الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

التغير قادم وبيد المواطن الأمريكي!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لو هناك أشخاص مازالوا يعتقدون بإمكانية تحقيق سلام عادل مع دولة الاحتلال الاسرائيلي فعليهم البدء فورا في علاج أنفسهم. هذا ليس من قبيل السخرية أو المبالغة بل دعوة لإعادة التفكير في هذا الصراع بعد السابع من أكتوبر. الشعب الأمريكي نفسه الذي كان مغيّبًا وغالبيته لا يهتمون بالسياسة أصبحوا بعد أكتوبر واعين بأن الإدارة الأمريكية تأخذ أموال دافعي الضرائب وتدعم بها دولة الاحتلال الاسرائيلي وتمول بها تسليح جيشها لإبادة الفلسطينيين. لقد فهم العالم بشكل واضح ودون حاجة لأدلة إضافية بعد اليوم أن كل ما تقوله الولايات المتحدة الأمريكية عن عالمية حقوق الانسان هي مجرد أكاذيب تغطي نفاقها ومعاييرها المزدوجة؛ حقوق الإنسان ليست للجميع وتلك هي الحقيقة! 

كثيرًا ما كنا نسمع من سياسيين عرب أن العلاقة بين الولايات المتحدة والدولة العبرية وطيدة لدرجة يستحيل تغييرها حتى أصيبت باليأس جميع الشعوب المتضررة من التدخل الأمريكي في شؤونها ومن التدخل السافر لصالح دولة الاحتلال على حساب الحقوق العربية والفلسطينية. لكنْ المستحيل قد أصبح ممكنا. لن يكون ذلك بفضل نضال الشعب الفلسطيني المحتل فقط بل وبشكل أولي بفضل المواطن الأمريكي. 

لقد سعت الولايات المتحدة دائمًا لحماية الدولة العبرية واستماتت لتجنيبها المساءلة عن جرائمها، ودعمت المعتدي باستمرار في سعيه لتقويض الحقوق الفلسطينية. وما تصرفات ومواقف الرئيس جو بايدن حاليًا تجاه الإبادة الجماعية للفلسطينيين إلاَّ امتدادًا للسياسات المجحفة طيلة عقود في حق فلسطين وقضيتها وهو ليس استثناءً في ذلك؛ فعلها رؤساء أمريكا منذ ظهور هذا الكيان على الساحة الدولية. الرئيس نيكسون قالها من قبل وبكل وضوح: "لن يسمح أي رئيس أمريكي، سواء كان ديمقراطيًا أو جمهوريًا، بسقوط إسرائيل!". ودائما ما استخدم الرؤساء والمسؤولون الأمريكيون موقفهم المؤيد لإسرائيل حتى يكون "صك" النجاح لمستقبلهم السياسي. الرئيس السابق أوباما قال: "لدينا روابط صداقة مع إسرائيل غير قابلة للكسر". نعم هذا الوصف للعلاقة حفظه الدبلوماسيون الأمريكيون عن ظهر قلب ويجري تصعيدهم بعد ذلك بسرعة في المناصب. ويقال أكثر من ذلك لدرجة وصف الدعم لإسرائيل بـ"إنه في الجينات". ولا يتصور عاقل أن مثل هذه العبارات جائزة للاستخدام في المجال الدبلوماسي لكن تكرر ذلك وبشكل مستفز! 

والآن وبعد كشف المستور أمام المواطن الأمريكي ونخبه، ترسخ لديهم ضرورة كسر هذا الرباط من خلال التظاهر تنديدا بالدعم الأمريكي للدولة العبرية، وهم في حقيقة الأمر يدافعون أيضًا عن حقوق دافعي الضرائب وأموالهم التي تهدر في مساعدات السلاح للاحتلال الاسرائيلي بينما لا يجد المواطن الأمريكي فرص عمل كافية ولائقة أو خدمات صحية توازي تضحياته. وهكذا، فلا يبدو أن حسم الأزمة سيكون في يد اللوبي الصهيوني مثلما كان من قبل المتحكم الوحيد في الدعم "بلا شروط" للكيان المحتل، وإنما أصبحت الكرة في ملعب المواطن الأميركي وسيكون لاعبا رئيسيا في الحسم.

ليس هذا من قبيل الأحلام بل العديد من مراكز الأبحاث الغربية حللت هذه الظاهرة ووصلت إلى نتيجة مفادها أن المواطن لا يمكن تجاهله بعد اليوم. وما رأيناه من مظاهرات هي مجرد بداية لفرض إصلاح الخلل في السياسة الخارجية، وفي مقدمته الخلل في الشرق الأوسط. وما كان يبدو أمرا عاديا فيما مضى من عقود إزاء الفشل الأمريكي في إدارة الأزمات الخارجية لن يستمر على نفس المنوال. وهناك وعي يزداد مع الأيام لدى الرأي العام الأمريكي الذي استدعى بذاكرته الحروب الفاشلة التي خاضتها إداراته. في أفغانستان، دامت الحرب عقدين كاملين ذهب ضحيتها حوالي 176 ألف شخص بتكلفة حوالي تريليوني دولار، وسيطرت في نهايتها جماعة طالبان على أفغانستان مع هروب النخبة الذين راهنت عليهم. وكان الفشل الذريع أيضًا نتيجة حتمية للحرب على العراق، بحصيلة ضحايا حوالي 200 ألف قتيل، ناهيك عن 2.5 تريليون دولار خسائر مالية بما يساوي أكثر من 6 آلاف دولار من جيب كل دافع للضرائب. ليس ذلك فقط بل إن السيطرة والتأثير شبه كامل على العراق من أنصار إيران. ومازال الفشل يلاحق الإدارة الأمريكية في إدارة الحرب في أوكرانيا حيث أنفقت مع حلفائها الأوروبيين ما يزيد عن 170 مليار دولار على مسرح العمليات ومنيت بهزائم عسكرية إضافة إلى فضائح الفساد الذي يزكم الأنوف جراء بعض صفقات الأسلحة.

ولا يبدو أنها حتى الآن مكترثة بما خلفته من فوضى في الدول العربية جراء دعمها للإخوان خلال الربيع العربي أو دعمها المطلق للكيان المحتل دون إيقاف الخطر الناجم عن محاولات اليمين الإسرائيلي تصفية القضية الفلسطينية. ربما ماتزال لحظة النهاية بعيدة لكن التغير قادم لامحالة وبيد الأمريكيين!