22 فيلمًا تتنافس على جائزة السعفة الذهبية بالمسابقة الرسمية لـ مهرجان كان السينمائي في نسخته الـ77، والذي يقام خلال الفترة من 14 إلى 25 مايو الجاري.
ويستقبل الكروازيت هذا العام، نخبة كبيرة من صناع السينما العالمية بما في ذلك المخرج الأمريكي فرانسيس فورد كوبولا، ومواطنه بول شريدر، وكذلك أحدث أعمال المخرج الإيراني محمد رسولوف «بذرة التين المقدس»، والذي تسبب في سجنه 5 سنوات.
وذلك إلى جانب تكريم اثنين من أقطاب صناعة السينما الأمريكية، هما: النجمة ميريل ستريب، والمخرج والمؤلف جورج لوكاس، ومنحهما جائزة السعفة الذهبية الفخرية لما قدموه خلال مسيرتهم الفنية.
هناك ملاحظتان مثيرتان للاهتمام في الاختيارات الرسمية لمهرجان كان السينمائي هذا العام؛ الأولى: وجود 4 أفلام من أصل 22 فيلمًا تنتمي لنوعية السيرة الذاتية.
والملاحظة الثانية: أن ما يقارب نصف أفلام المسابقة الرسمية تتمحور حول قصص النساء بصورة أساسية، سواء أحلامهم المفقودة أو تطلعاتهم للمستقبل أو حتى معاناتهم مع السلطة الأبوية القاسية.
هنا تجدر الإشارة إلى أن غالبية هذه الأعمال من إنجاز مخرجين، بحيث تقلصت مشاركة المخرجات في هذه الدورة لأربعة أفلام فقط. هذا الغياب الملحوظ نجد أن إدارة المهرجان قد حاولت تصويبه باختيار المخرجة الأمريكية جريتا جيرويج لرئاسة لجنة تحكيم المسابقة الرسمية.
«ترامب» وشبح ماستروياني وآخر صعاليك الأدب
يركز المخرج الإيراني الدنماركي علي عباسي في فيلمه الرابع «The Apprentice»، على علاقة دونالد ترامب بمعلمه السابق، المحامي المكيافيلي والمصلح السياسي روي كوهن، الذي خاض وخسر دعوى قضائية بقيمة 100 مليون دولار نيابة عنه في السبعينيات.
يقوم ببطولة دراما السيرة الذاتية سيباستيان ستان في دور دونالد ترامب، ويوصف الفيلم بأنه قصة مرشد يوثق بداية سلالة أمريكية، ويتناول موضوعات تشمل السلطة والفساد والخداع. إنه يتعمق في العلاقة والصفقة الفاوستية بين ترامب وكوهن، المدعي العام لمدينة نيويورك، والذي كثيرًا ما يُذكر لعمله مع السيناتور جوزيف مكارثي خلال فترة الذعر الأحمر الثاني.
يعتبر علي عباسي، الإيراني المولد والمقيم في الدنمارك حاليًا، واحد من الأصوات البارزة في صناعة السينما، وتعد هذه المشاركة هى الثالثة بمهرجان كان، بعد فيلم «Border» عام 2018، الفائز بجائزة أفضل فيلم في قسم «نظرة ما»، وفيلم «Holy Spider» عام 2022، الفائز بجائزة أفضل ممثلة لبطلته زار أمير إبراهيمي.
أما الكاتب والمخرج الأمريكي بول شريدر، فيوجه نظره إلى الشمال من الحدود ليقوم بدراسته الأخيرة عن الموت والقلق من خلال فيلمه الأحدث «Oh Canada»، المقتبس عن رواية الكاتب الراحل راسل بانكس «Foregone» أو «ضائع».
يتبع الفيلم الأيام الأخيرة للكاتب ليونارد فايف «ريتشارد جير» الذي فر من الولايات المتحدة إلى كندا لتفادي التجنيد الإجباري لحرب فيتنام.
قبل وقت سابق، تحدث «شريدر» عن كون كندا استعارة للموت في الفيلم، وهذا يضيف طبقة جديدة إلى الحبكة الشاملة وشخصية فايف.
يرتبط هذا حتمًا بتجربة المخرج الخاصة، حيث كان «شريدر» يُعاني من مشاكل في الجهاز التنفسي أثناء جائحة كورونا وكان في المستشفى عدة مرات عند كتابة السيناريو، وتحدث أيضًا عن مدى اهتمامه بفكرة صنع فيلم عن الموت في ذلك الوقت.
وبالتزامن مع الذكرى المئوية لميلاد الممثل الإيطالي الشهير مارسيلو ماستروياني، يستكشف المخرج الفرنسي كريستوف أونوريه لحظات مميزة للنجم الإيطالي في فيلمه الجديد «Marcello Mio»، والذي يُعد واحدًا من العناوين المثيرة للاهتمام في كان هذا العام.
تدور أحداث الفيلم في الحد الفاصل ما بين الخيال والواقع والروائي والتسجيلي حول قصة امرأة تدعى كيارا، ابنة مارسيلو ماستروياني والنجمة الفرنسية كاثرين دينوف، والتي قررت في أحد الأعوام – بينما كانت حياتها في حالة اضطراب - أن تعيش حياة والدها. إنها ترتدي مثله، وتتحدث مثله، وتتنفس مثله، بقوة لدرجة أن من حولها يبدأون في تصديق ذلك ويبدأون في تسميتها «مارسيلو».
تأخذ هذه الرحلة كيارا إلى مدينة والدها في روما، حيث تزور الأماكن القديمة والخلفيات الرئيسية لأفلامه، حتى أنها تقفز في نافورة تريفي لتستمتع بلحظة «La Dolce Vita» الخاصة بها، ما دفعها للقول بأنه يبدو الأمر كما لو أنه يطاردني، أو بالأحرى، لقد أصبحت شبح والدي.
ويعود المخرج الروسي الشهير كيريل سيريبرينيكوف إلى الكروازيت بفيلم جديد يحمل اسم «Limonov، the Ballad of Eddi»، مقتبس عن رواية إيمانويل كارير الأكثر مبيعًا «ليمونوف»، والتي تدور حول حياة وعمل الكاتب الفرنسي الروسي والمعارض السياسي إدوارد ليمونوف، والمُلقب بآخر صعاليك الأدب.
كان إدوارد ليمونوف، يلعبه «بن ويشو»، مناضلًا وثوريًا ومتأنقًا ومارقًا ومتشردًا، وهو شاعر غاضب ومولع بالقتال، ومحرض سياسي وروائي استثنائي.
حياة إدوارد ليمونوف، مثل أثر الكبريت، هي رحلة عبر شوارع موسكو المضطربة وناطحات السحاب في نيويورك، من الأزقة الخلفية لباريس إلى قلب سجون سيبيريا خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
وقد روى إيمانويل كاريير المصير الغريب لهذا الرجل الذي بدأ في تحقيق نفسه قبل وأثناء انهيار الإمبراطورية السوفيتية، ووجد نفسه في نيويورك، قبل أن يعود للعيش في روسيا بوتين، حيث لا يزال سياسيًا متطرفًا بشكل غير عادي.
ويعد سيربرينيكوف أحد صناع السينما المولعين بحبهم للشخصيات المشوهة والمضطربة، كما هو الحال في فيلميه السابقين اللذين شاركا بـ كان «Tchaikovsky's Wife» و«Petrov's Flu»؛ الأمر الذي دفع مدير مهرجان كان بالقول بأن أسلوب سيريبر ينيكوف اللامع وإخراجه يصنعان فيلمًا يحتضن هذه الشخصية حتى أدق التفاصيل.
أحلام النساء الغائبة في مهرجان كان
يعتبر شون بيكر، هو أحد أفضل المخرجين في الولايات المتحدة اليوم، وهو صناع أفلام يرضي الجماهير وينجذب إلى حياة الأشخاص الذين يعيشون على هامش المجتمع.
وكما هو الحال في فيلمه السابق «Red Rocket» الذي نافس على السعفة الذهبية عام 2021، واستكشف خلاله حياة الوحدة والتهميش لممثل الأفلام الإباحية ميكي؛ يعود في فيلمه الأحدث «Anora» إلى موضوع مفضل يتتبع خلاله حياة عاملة جنس شابة من بروكلين، تحصل على فرصتها في قصة سندريلا عندما تلتقي بشاب وتتزوجه بشكل متهور، وبمجرد وصول الأخبار إلى روسيا، تتعرض قصتها الخيالية للتهديد بينما ينطلق الوالدان إلى نيويورك لإلغاء الزواج.
ولم يخرج الإيطالي باولو سورينتينو، عن إطار أفلامه المليئة بالشاعرية والملحمية والأثيرية، التي تتجلى في فيلم «The Great Beauty»، وكذلك في فيلمه الجديد «Parthenope»، الذي يُعتبر ملحمة أنثوية تُغازل مدينة نابولي.
ويُعتبر «بارثينوب» ملحمة أنثوية، تبدأ في جالخمسينيات من القرن الماضي وحتى الوقت الراهن، يُضيء خلاله المخرج على حياة «بارثينوب» وعلى مدينته نابولي من خلال قصة فتاة مشكلتها في الحياة أنها شابة وجميلة، تريد أن تُرى لأكثر من مجرد جمالها.
في الأساطير اليونانية، بارثينوب، هو اسم حورية البحر التي فشلت في إغراء أوديسيوس بأغانيها، وألقت بنفسها في البحر وغرقت، ثم جرى غسل جسدها على صخرة حيث تقع نابولي، لدرجة أن النابوليتانيين يُعرفون في إيطاليا باسم البارثينوبيين.
وعن أحدث مشاريعه، قال «سورينتينو»: «تجسد حياتها الطويلة الذخيرة الكاملة للوجود الإنساني: خفة الشباب وزواله، الجمال الكلاسيكي وتبدُلاته العنيدة، الحب الذي لا معنى له والمستحيل، والغزل والعاطفة المذهلة، القبلات الليلية في كابري، ومضات من الفرح والمعاناة المستمرة».
وعلى عكس «بارثينوب»، فإن ليان في فيلم الفرنسية أجاث ريدنجر «Wild Diamond» تبحث عن الجمال وتتطلع إليه لدرجة الهوس. فالفتاة ذات الـ19 عامًا، جريئة ونارية، تعيش مع والدتها وأختها الصغيرة تحت شمس فريجوس المغبرة في جنوب فرنسا، مهووسة بالجمال والحاجة إلى أن تصبح شخصًا ما، وترى في تليفزيون الواقع فرصتها لتكون محبوبة، ليبتسم لها القدر عندما تقوم باختبارات أداء ما يُعرف بـ«جزيرة المعجزة».
وعندما يصف المخرج الصيني جيا تشانع كي فيلمه الجديد «Caught by the Tides» بأنه تركيز 20 عامًا من الخبرة، فهو يعني ذلك بشكل حرفي. فأحدث أعمال تشانغ كي الذي يعيده إلى كان للمرة السادسة هو مشروع مثير للإعجاب جرى تصويره على مدى 20 عامًا، وهو من بطولة زوجته تشاو تاو، التي تلعب دور امرأة عالقة في علاقة غرامية متقطعة تتبع حبيبها إلى مقاطعة بعيدة.
من خلال الاستفادة من مزيجه المميز من تقنيات صناعة الأفلام الخيالية والوثائقية، وجه جيا يده إلى الذكاء الاصطناعي لإضفاء الحيوية على رؤيته، وهو أول فيلم روائي طويل له منذ فيلم «Ash Is Purest White» إنتاج عام 2018.
وتشمل إنجازات جيا السابقة في مهرجان كان الفوز بجائزة أفضل سيناريو عن فيلم «A Touch of Sin» في عام 2013، وهو فيلم ينسج أربع قصص تدور أحداثها في مقاطعات مختلفة بنهايات عنيفة.
ويُشارك المخرج السويدي ماجنوس فون هورن ولاين لانغبيك في كتابة السيناريو لفيلمه الجديد «The Girl with the Needle»، والمستوحى من القصة الحقيقية لـ داجمار أوفرباي التي قتلت عددًا كبيرًا من الأطفال المولودين خارج إطار الزواج في كوبنهاجن بين عامي 1913 و1920.
تدور أحداث الفيلم حول كارولين، عاملة مصنع شابة تكافح من أجل البقاء في كوبنهاجن بعد الحرب العالمية الأولى. عندما تجد نفسها عاطلة عن العمل ومهجورة وحامل، تلتقي بداجما، وهي امرأة جذابة تدير وكالة تبني سرية وتساعد الأمهات في العثور على دور رعاية لأطفالهن غير المرغوب فيهم.
مع عدم وجود مكان آخر تلجأ إليه، تتولى كارولين دورها كممرضة وتتشكل علاقة قوية بين المرأتين، لكن عالم كارولين يتحطم عندما تتعثر على الحقيقة المروعة وراء عملها.
وفي أول فيلم هندي يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان منذ عام 1994، وواحد من أربعة أفلام فقط من إخراج النساء في هذا القسم؛ تستكشف المخرجة بايال كابديا، حياة ممرضتان ورفيقتان في السكن - برابها «كاني كسروتي» وآنو «ديفيا برابها» - تعيشان في مومباي وكلاهما منزعج من علاقاتهما.
يضطرب روتين برابها عندما تتلقى هدية غير متوقعة من زوجها المنفصل عنها. لتنطلقا في رحلة برية إلى بلدة شاطئية حيث تصبح الغابة الغامضة مساحة لتحقيق أحلامهما والعثور على مكان يمكن أن تظهر فيه رغباتهما.
ومن الأعمال المنتظرة في المسابقة الرسمية أيضًا، شريط المخرج الفرنسي جاك أوديار «Emilia Perez» من بطولة زوي سالدانا وسيلينا جوميز. يتتبع الفيلم المقتبس من كتاب لبوريس رازون، بطلته الرئيسية ريتا، التي تتمتع بمؤهلات زائدة ومستغلة بشكل مفرط، وتستغل مواهبها كمحامية في خدمة شركة كبيرة مهتمة بغسل المجرمين أكثر من خدمة العدالة.
ولكن ينفتح لها طريق غير متوقع لمساعدة رئيس الكارتل مانيتاس على التقاعد من العمل وتنفيذ الخطة التي كان يخطط لها سرًا لسنوات، بأن تصبح أخيرًا المرأة التي طالما حلم بأن تكونها.
وفي مشاركتها الرابعة بمهرجان كان السينمائي، تعود المخرجة البريطانية أندريا أرنولد بفيلم جديد يحمل اسم «Bird» من بطولة باري كيوجان، ويتتبع قصة بيلي التي تعيش مع شقيقها هانتر ووالده باغ، الذي يقوم بتربيتهما بمفردهما. ليس لدى باغ الكثير من الوقت لتكريسه لهم. وتبحث بيلي عن الاهتمام والمغامرة في مكان آخر.
وسجلت أرنولد أول ظهور لها في مهرجان كان السينمائي بفيلم «Red Road» عام 2006، و«Fish Tank» عام 2009، و«American Honey» عام 2016، ومن المثير للإعجاب أن الأفلام الثلاثة جميعها فازت بجائزة لجنة التحكيم الخاصة.
قضايا النساء والواقع العربي
وبالحديث عن الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية التي تدور في فلك عالم النساء، يجدر الإشارة إلى عدد من الأفلام العربية التي تبتعد كثيرًا عن ذات الفكرة، فتتضح جلية في شريط المخرج المغربي نبيل عيوش «الجميع يحب تودا» المُشارك في قسم عروض كان الأولى.
وتجسد خلاله الممثلة المغربية نسرين الراضي، دور امرأة تحلم بشيء واحد فقط، هو أن تصبح شيخة، وتؤدي عروضها كل مساء في حانات بلدتها الريفية الصغيرة على أمل ضمان مستقبل أفضل لها ولابنها، لكن بعد تعرضها لسوء المعاملة والإذلال، تقرر ترك كل شيء من أجل أضواء الدار البيضاء.
أما الشريط السعودي الأول في مهرجان كان السينمائي على مدار تاريخه «نورة» للمخرج توفيق الزايدي، والمشارك في قسم نظرة ما، تدور أحداثه في قرية بعيدة في السعودية خلال التسعينيات الميلادية، إذ تقضي نورة معظم وقتها بعيدًا عن عالم القرية.
وبعدئذ يصل نادر، المعلم الجديد، إلى تلك القرية فيلتقي نورة التي تلهمه وتوقظ موهبته وشغفه بالفن، بالمقابل يقدم نادر لنورة عالمًا أوسع من الاحتمالات خارج القرية، وتدرك أنه عليها الآن ترك عالمها بعدما تكتشف أن نادر ليس فقط مدرسا جديدا في القرية.
ومن المثير للاهتمام بمهرجان كان السينمائي هذا العام، مشاركة مخرجتين مصريتين في مسابقتين مختلفتين؛ إذ تشارك المخرجة هالة القوصي بمسابقة نصف شهر المخرجين، بفيلم شرق 12، يدور في إطار من الفانتازيا الساخرة في عالم مغلق خارج الزمن.
حيث يتمرد فيه الموسيقار الشاب عبدو «عمر رزيق» على شوقي البهلوان «أحمد كمال» الذي يُدير المكان بخليط من العبث والعنف وجلالة الحكاءة «منحة البطراوي» التي تخفف عن الناس بحكايات خيالية عن البحر الذي لا يعرفه أحد، ويخطط عبدو، مستعينا بموهبته، مع الشابة منة «فايزة شامة» لكسر قبضة شوقي ونيل الحرية في عالم أرحب.
وتنافس ندى رياض برفقة أيمن الأمير بفيلم رفعت عيني للسما، والمشارك في مسابقة أسبوع النقاد، يجسد حكاية مجموعة فتيات من أهل القرية تقررن تأسيس فرقة مسرحية وعرض مسرحياتهن المستوحاة من الفلكلور الشعبي الصعيدي والتي تحاكي مشاكل واقعية مثل الزواج المبكر والعنف الأسري وتعليم الفتيات.
ويدور الفيلم في فلك قصص ثلاثة مراهقات ومتابعة حلمهن في عالم الفن بين حكاية ماجدة التي تحلم بالسفر للقاهرة لدراسة المسرح وتصبح ممثلة، وحكاية هايدي التي تحلم بأن تصبح راقصة باليه، في حين تحلم مونيكا بأن تصبح مغنية مشهورة.