ما بين مُغرمٍ وكارهٍ، أجلس في نافذتي أسمع "وصيعها" مع طفلها وأسأل صاحبي الذي يُصادقني ولا آراه، عن العصافير!.. فيتمت: "جئنا لوصلة التخريف"..
أبتسم وأقول له: صلٍ يا صديقي على من واسى أبا عمير في موت نغيره..
ألا يخلق لديك يا صاح اختلاف "التوظيف" دافع للبحث؟.. فللتعبير عن الجمال نقول في وصف الٌحسن: "عصفورة".. وفي مقت الواشي نقول "عصفورة"..غريبة تلك العصافير تعيش في الجنة والنار.. تحفظ النوافذ التي تنثر القمح وتلك التي تضع السُم على "حبات الذرة".. تُصادق "درويش في المنفى".. وتكره الجلوس معه لحظة في القصر.. للعصافير يا صاح لغات عٍدة ففي الجليل "شقشقة" وفيما عداها "سقسقة" وفي قلبي "زميم" ومن حولي "صرير"..
تقول لي حبيبتي كلما أعدت عليها: «عيناك آخر ما تبقى من عصافير الجنوب».
أنا لا أحب الشعر.. ولا كلماته الصعبة.. فأواصل: «عيناك.. آخر زفةٍ شعبيةٍ تجري.. وآخر مهرجان»
فيختلط لديها المعنى بين "مهرجان العصفورة" و"عصفورة نزار".. فتضحك.. وأضحك..وأهمس لروحي: ألم تكن كل العصافير في يد أُمي ولكن قلبي كان يُريد الشجرة!.. لا تظهر الاختلافات إلا حينما يُصب الماء من "إبريقه" في "الكاسات الصٌغرى"
وأنا أبحث عن تعارض وتضاد الصفات في إلحاقها بـ"العصفورة" أدركت أن لا ذنب للعصفور، فطباعه من بيئته.. إن كانت جنة كان عصفورًا لها وإن كانت نارًا كان طرحها..
وأنا أركض بذهني في عالم العصافير استوقفني ذلك الحوار بين عصفور وابنه عن جشع الإنسان في كتاب "أرني الله" ولأنني أحاول أن أرى كل ما في الكون حتى أقدم القرابين لأرى الله.. أحببت أن أختم به بعدما تناقشا حول إشكالية الإنسان والجشع.. فأراد العصفور الأب أن يُثبت له فألقى بنفسه بالقرب من الإنسان..
«صاد الرجل العصفور، وضم عليه أصابعه حرصًا منه على الغنيمة... فقال له العصفور وهو في قبضته: ماذا تريد أن تصنع بي؟
فقال الرجل منهومًا: أذبحك وآكلك.
فقال العصفور الماكر: إني لا أشبعك من جوع، ولكنني أستطيع أن أعطيك ما أنفع من أكلي.
ماذا تٌعطيني.
ثلاث حكم، إذا تعلمتها نلت بها خيرًا كثيرا.ً
- اذكرها لی..
- لي شروط: الحكمة الأولى أعلمك إياها وأنا في يدك، والحكمة الثانية أعلمك إياها إذا أطلقتني، والحكمة الثالثة أعلمك إياها إذا صرت على الشجرة.
الرجل: قبلت... هات الأولى..
العصفور: لا تتحسر على ما فاتك.
الرجل: والثانية؟.
العصفور: أطلقني أولا حسب الشرط....
فأطلق الرجل من يده العصفور، ووقف العصفور على ربوة بقربه وقال: الحكمة الثانية: لا تٌصدق ما لايمكن أن يكون.
ثم طار إلى الشجرة وهو يصيح: أيها الإنسان المغفل... لو كنت ذبحني لأخرجت من حوصلتي در تين زنة كل درة عشرون مثقالاَ....
فعض الرجل على شفتيه عضة أدمتهما، وتحسر حسرة شديدة، ونظر إلى العصفور وقد صار على الشجرة، وتذكر شروطه.. فقال به بصوت ينزف منه العذاب والتلهف.. هات الحكمة الثالثة.. فقال العصفور باسما ساخرًا
أيها الإنسان الطماع ! لقد أعماك جشعك فنسيت الاثنتين، فكيف أخبرك بالثالثة؟... ألم أقل لك لا تتحسر على ما فاتك، ولا تُصدق ما لا يمكن أن يكون!.
إن لحمى وعظمی ودهنی وریشى لا يزن عشرين مثقالًا... فكيف تكون في حوصلتي درتان وزن كل واحدة عشرون مثقالًا ؟!....
وكان منظر الرجل مضحكا... لقد استطاع عصفور أن يلعب بإنسان... والتفت الأب إلى ابنه العصفور الصغير قائلا: والآن رأيت بعينيك ؟!...
فقال الصغير وهو يراقب حركات الرجل ويلاحظ ما به: نعم... لست أدرى هل أضحك منه أو أبكي عليه»..