نجحت الورقة المصرية في خلق مشروع هدنة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، ممثلًا في حركة حماس؛ ويبدو أنّ الأخيرة قدمت تنازلت تتعلق بتأجيل وقف دائم لإطلاق النّار للمرحلة الثالثة من الهدنة، حتى أنّ إسرائيل قامت بإستبدال كلمة دائم في إشارة لوقف إطلاق النّار إلى مستدام، على كل الأحوال كل الظواهر تؤكد انهيار هذه الهدنة، وعودة الوفدين إلى بلادهما.
إعلان حركة حماس موافقتها على الورقة المصرية، بعد إجراء بعض التعديلات، انعكس على الشارع الفلسطيني والإسرائيلي على حد سواء؛ فكل منهما كان يرى أنّ المشكلة ليست في موافقة إسرائيل التي تسعى لإتمام الصفقة وتضغط عسكريًا من أجل تحقيقها، ولكن في حماس، فعمت الفرحة فلسطين وإسرائيل بمجرد إبلاغ رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية الوسطاء بالموافقة.
في الحقيقة انهيار الهدنه المقترحه والمتوقعة سوف ينعكس بصورة كبيرة على ظاهرة الإرهاب؛ فهذه الحرب أثرت كثيراً على جهود مكافحة الإرهاب الدولية، فباتت الولايات المتحدة الأمريكية مشغولة بدعم إسرائيل عسكريًا ودبلوماسيًا، وسط انشغالها بالإنتخابات الأمريكية والتي باتت على الأبواب.
وهنا تأثرت جهود واشنطن الدولية في مواجهة الإرهاب، ومنها على سبيل المثال، وليس الحصر، خروج هذه القوات من العراق والتي قامت بدور كبير في مواجهة داعش على مدار 5 سنوات حتى إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، هذا السقوط في 22 مارس من العام 2019، صحيح مازالت هناك مفاوضات ولكنها قائمة وسوف تنتهي بالخروج، سببها الإنحياز الأمريكي لإسرائيل وقيامها بإستهداف بعض الفصائل العراقية على خلفية هذه الحرب.
انهيار الهدنة يُعني استمرار الحرب وبالتالي الحديث هنا عن مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار، وهو ما يُوفر بيئة خصبة لعودة داعش من جديد، فكل التقارير الاستخباراتية تؤكد بأن داعش استعاد قوته من جديد، وأنّ ثمة نشاط ملحوظ للعديد من الجماعات المتطرفة، والتي ترى مبررًا في الإرهاب الإسرائيلي.
فإرهاب هذه التنظيمات يأتي لمجابهة الإرهاب الإسرائيلي والإنحياز الأمريكي والأوروبي، وهذه صورة تُقارب الخطأ الأمريكي بإحتلال العراق في العام 2003، فالدولة الإسلامية في العراق نشأت على خلفية هذا الغزو، ومن رحم هذه الدولة والتي شكلتها جماعات محلية نشأت الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" بعد أنّ دبت الحرب في الداخل السوري.
وتبقى أمريكا عاملاً مشتركاً ما بين نشأة داعش في 29 يونية من العام 2014 وما بين عودتها في العام 2024، والسبب هو الحرب الإسرائيلية على غزة، وانهيار الهدنة الأخيرة، فواشنطن فشلت، على الأقل حتى هذه اللحظة، في الضغط على إسرائيل من أجل احتواء هذه الحرب.
صحيح اقترب الطرفان من التوقيع على الإتفاق والإختلافات ليست جوهرية ولكن الأمور قد تشتعل في أي لحظة وتنتهي بحرب إقليمية، خاصة وأنّ قرار التصعيد فيها مرتبط بأطراف محلية وإقليمية ودولية وآخرون يُقاتلون مع حماس، وبالتالي احتواء هذه الحرب المتوقعة أمر في غاية الأهمية.
تأخر عقد الإتفاق بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي والإسراع بخطوات حل الدولتين سوف تدفع ضريبته واشنطن والعالم؛ فنحن نعيش في مرحلة تدشين وتهيئة لقيام عشرات الجماعات المتطرفة التي وجدت ما تستطيع أنّ تقنع به أتباعها أو جمهورها، وبما أنّ فلسطين قضية العرب والمسلمين العادلة وسلوك إسرائيل وأمريكا غير العادل في التعامل مع هذا الشعب الأعزل، فإن هذه الأسباب سوف تؤدي في النهاية إلى نشأة حركات متطرفة شعاراتها تحرير فلسطين ولكنها سوف تُقاتل القوات الأمريكية والأنظمة السياسية العربية في نفس الوقت.
هناك فلسفة شرعية لدى بعض التنظيمات تُطلق عليها قتال العدو القريب والعدو البعيد، وهي تتحرك ما بينهما وهذا ما قد يدفعها لتنفيذ عمليات إرهابية ضد واشنطن والأنظمة العربية في هذه المساحة، وهنا يكمن الخطر، فضلًا عن تحولات على مستوى الأفكار، صحيح هذه الجماعات ترفع شعار قتال إسرائيل ولكنها تحت هذه اللافتة سوف تنفذ عمليات إرهابية، وتغسل سمعتها، مثلها مثل جماعة أنصار بيت المقدس في مصر.
ظهرت هذه الجماعة التي أطلقت على نفسها أنصار بيت المقدس في سيناء بعد العام 2013، والتي أدعت مواجهة إسرائيل كما يبدو من إسمها، ولكن كل عملياتها كانت ضد القوات المسلحة المصرية والشرطة الداخلية، ثم أعلنت مبايعتها لتنظيم داعش بعد العام 2014؛ هذه الجماعة وجدت أرضية خصبة بسبب إسمها وشعارات مواجهة إسرائيل، ولا شك أنّ الأخيرة تُعطيها مبررًا بممارسة القصف العشوائي على كل الفلسطينين، وهنا تُسأل إسرائيل عن انهيار الهدنة وظهور جماعات العنف والتطرف الفترة القادمة.