تخيل نفسك واقفا على قمة جبل شاهق، تحيط بك الصخور الضخمة من كل جانب، صمت عميق يلف المكان لا يقطعه سوى همس الرياح بين ممرات الجبل، في هذا المشهد المهيب، تقع بقعة مقدسة يلفها الغموض والإيمان، إنه "كهف مريم" في منطقة جبل الطير بواحة الخارجة في الوادي الجديد.
يعود تاريخ جبل الطير إلى القرن الرابع والخامس الميلادي، حيث اتخذه المسيحيون ملاذا لهم هربا من بطش الرومان، ففي تلك الحقبة العصيبة، لجأ الأقباط إلى كهوف الجبل باحثين عن الأمان والسكينة، تاركين وراءهم نقوشا ورسومات على جدران الصخور تحكي قصص إيمانهم وصبرهم.
فيعد كهف مريم أشهر معالم جبل الطير، حيث يعتقد البعض أن العذراء مريم لجأت إليه مع طفلها السيد المسيح هربا من بطش هيرودس، ووجد على جدران الكهف رسومات للسيدة العذراء وهي تحمل رضيعها، إلى جانب نقوش وكتابات قبطية قديمة تخلد ذكرى الرهبان الذين اتخذوا من الكهف مكانا للعبادة والتأمل.
وتحيط بكهف مريم العديد من المغارات والكهوف الصغيرة، والتي كانت بمثابة مأوى للرهبان الذين عاشوا في المنطقة، كما تضم المنطقة آثارا مسيحية أخرى، مثل كنيسة "البجوات" التي تعد ثاني أقدم كنيسة في مصر، ومقابر "البجوات" التي تضم 263 مزارا محفورا في الصخر.
لا تقتصر روعة منطقة جبل الطير على قيمتها الدينية والتاريخية فحسب، بل تتميز أيضا بجمالها الطبيعي الخلاب، حيث تطل قمم الجبال على مناظر خلابة للصحراء الممتدة، بينما تحلق أسراب الحمام في سماء المنطقة في مشهد يبعث على السكينة والهدوء.
وعلى الرغم من أهميتها الدينية والتاريخية، إلا أن منطقة كهف مريم وجبل الطير لا تحظى بالاهتمام الكافي من قبل وزارة الأثار، ونظرا لوعورة المنطقة وصعوبة الوصول إليها، يطالب أهالي الوادي الجديد بضم المنطقة إلى وزارة الآثار وإدراجها ضمن المزارات السياحية، ممّا يساهم في تنشيط السياحة في المنطقة وإبراز قيمتها التاريخية والدينية الفريدة.