أجرى البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، اليوم الأربعاء مقابلته العامة في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان.
وقال: الرجاء هو الفضيلة الإلهية التي بها نرغب في ملكوت السماوات، والحياة الابدية، رغبتنا في سعادتنا، واضعين ثقتنا بمواعيد المسيح، ومستندين لا الى قوانا بل الى عون نعمة الروح القدس.. تؤكد لنا هذه الكلمات أن الرجاء هو الجواب الذي يقدم لقلبنا عندما يولد في داخلنا السؤال المطلق: "ما هو مصيري؟ ما هو هدف الرحلة؟ ما هو مصير العالم؟".
وأضاف البابا فرنسيس حسب ما نشرته الصفحة الرسمية للفاتيكان، "جميعنا ندرك الإجابة السلبية على هذه الأسئلة تولّد الحزن. إذا لم يكن هناك معنى لرحلة الحياة، وإذا كان هناك العدم في البداية والنهاية، نسأل أنفسنا إذًا لماذا يجب علينا أن نسير: من هنا يولد يأس الإنسان، والشعور بعدم منفعة أي شيء. وقد يتمرد كثيرون: "لقد اجتهدت لكي أكون فاضلاً، حكيماً، عادلاً، قوياً، معتدلاً. لقد كنت أيضًا رجل أو امرأة إيمان... فما هو الهدف من معركتي؟". إذا فُقد الرجاء، تتعرّض جميع الفضائل الأخرى لخطر الانحلال وينتهي بها الأمر إلى رماد. إذا لم يكن هناك غد يمكن الاعتماد عليه، ولا أفق مشرق، فلن نستنتج سوى أن الفضيلة هي جهد لا فائدة منه. وفي هذا السياق قال البابا بندكتس السادس عشر: "فقط عندما يكون المستقبل أكيدًا كواقع إيجابي، يصبح الحاضر أيضًا قابلاً للعيش".
وأستطرد البابا فرنسيس "إن المسيحي يتحلى بالرجاء لا لاستحقاقه. إذا كان يؤمن بالمستقبل فذلك لأن المسيح مات وقام وأعطانا روحه. إن الفداء قد قُدِّم لنا بمعنى أننا قد أُعطينا الرجاء، وهو رجاء صادق يمكننا من خلاله أن نواجه حاضرنا. وبهذا المعنى نقول مرة أخرى إن الرجاء هو فضيلة لاهوتية: فهو لا ينبع منا، وليس عنادًا نريد أن نقنع أنفسنا به، بل هو عطية تأتي مباشرة من الله. وللعديد من المسيحيين المُشككين، الذين لم يولدوا مجدّدًا تمامًا للرجاء، يقدم القديس بولس الرسول المنطق الجديد للخبرة المسيحية ويقول: "إذا لم يَكُنِ المسيحُ قد قام، فإِيمانُكم باطِل ولا تَزالونَ بِخَطاياكم، وإِذًا فالَّذينَ ماتوا في المسيحِ قد هَلَكوا. وإِذا كانَ رَجاؤُنا في المسيحِ مَقصورًا على هذهِ الحَياة، فنَحنُ أَحقُّ جَميعِ النَّاسِ بِأَن يُرْثى لَهم". وكأنه يقول: إن كنت تؤمن بقيامة المسيح، فاعلم يقينًا أنه لا هزيمة ولا موت هما إلى الأبد. ولكن إذا كنت لا تؤمن بقيامة المسيح، يصبح كل شيء فارغًا، حتى كرازة الرسل".
واشار البابا فرنسيس إلي ان الرجاء هو الفضيلة التي نخطئ ضدها في كثير من الأحيان: في حنيننا السيئ، في حزننا، عندما نعتقد أن سعادة الماضي قد دُفنت إلى الأبد. نحن نخطئ ضد الرجاء عندما تثبطنا خطايانا، وننسى أن الله هو رحيم وأعظم من قلوبنا. نخطئ ضدّ الرجاء عندما يمحو الخريف الربيع فينا؛ عندما تتوقف محبة الله عن كونها نارًا أبدية، ولا نتحلى بالشجاعة لكي نتّخذ قرارات تلزمنا مدى الحياة.
وأضاف البابا فرنسيس، “إن عالم اليوم هو بحاجة ماسة إلى هذه الفضيلة المسيحية، إنَّ العالم يحتاج للرجاء كما هو بحاجة ماسة أيضًا إلى الصبر، الفضيلة التي تسير في ارتباط وثيق بالرجاء. إن الشخص الصبور هو ناسج خير. وهو يرغب بشدة في السلام، وحتى لو كان البعض في عجلة من أمرهم ويريدون كل شيء على الفور، إلا أن الصبر لديه القدرة على الانتظار. حتى عندما يستسلم الكثيرون من حوله لخيبة الأمل، يبقى الشخص الصبور الذي يحركه الرجاء قادرًا على أن يجتاز أحلك الليالي. إنَّ الرجاء والصبر يسيران معًا”.
وتابع البابا فرنسيس: "الرجاء هو فضيلة أصحاب القلوب الشابة؛ هنا لا يهم العمر الزمني. لأن هناك أيضًا مسنّون بعيون مليئة بالنور، يعيشون في توق دائم نحو المستقبل. لنفكر بهذين المسنَّين العظيمَين في الإنجيل، سمعان وحنة: هما لم يتعبا أبدًا من الانتظار وشاهدا الجزء الأخير من مسيرتهما الأرضية يتبارك باللقاء مع المسيح، الذي تعرفا عليه في يسوع، الذي حمله والداه إلى الهيكل. يا لها من نعمة لو كان الأمر هكذا لنا جميعاً! إذا بعد حج طويل، فيما نضع حقيبتنا وعصانا جانبًا، تمتلئ قلوبنا بفرح لم نختبره من قبل ويمكننا أن نهتف نحن أيضًا: "الآنَ تُطلِقُ، يا سَيِّد، عَبدَكَ بِسَلام، وَفْقاً لِقَوْلِكَ؛ فقَد رَأَت عَينايَ خلاصَكَ الَّذي أَعدَدَته في سبيلِ الشُّعوبِ كُلِّها، نوراً يَتَجَلَّى لِلوَثَنِيِّين ومَجداً لِشَعْبِكَ إِسرائيل".
واختم البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، تعليمه الأسبوعي بالقول: “أيها الإخوة والأخوات، لنسر قدمًا ونطلب نعمة الرجاء، الرجاء مع الصبر. لنتطلّع دائمًا إلى هذا اللقاء النهائي؛ ولننظر دائمًا إلى أن الرب الذي هو قريب منا على الدوام، ولنتذكّر أن الموت لن ينتصر أبدًا لنسر قدمًا ولنطلب من الرب أن يمنحنا فضيلة الرجاء العظيمة هذه، مصحوبة بالصبر”.