السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

رئيس الطائفة الإنجيلية يكتب: أسبوع الانتصار

الدكتور القس أندرية
الدكتور القس أندرية زكي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أسبوع الانتصار

الدكتور القس أندريه زكي

رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر

الدكتور القس أندرية زكي رئيس الطائفة الإنجيلية 

نحتفل هذه الأيام بذكرى قيامة السيد المسيح، هذا الحدث المحوري في حياة البشرية. لكن يسبق قيامة المسيح أسبوع مليء بالأحداث والمعاني، وكان هذا هو الأسبوع الأخير قبل صلب السيد المسيح وقيامته.

قبل بداية هذا الأسبوع كان السيد المسيح قد أشار في كلامه لتلاميذه إلى تفاصيل ما سيحدث في ثلاثة إعلانات مختلفة عن صليبه وقيامته. وفي أول الأسبوع نجد دخول السيد المسيح إلى أورشليم، والذي نسميه أحد السعف، أو أحد الشعانين، وهو حدث ذو دلالات لاهوتية وروحية مهمة وعميقة. وفي هذا اليوم جاء السيد المسيح داخلًا إلى أورشليم، راكبًا على جحش. وهتفت له الجماهير حينها "مبارك الآتي باسم الرب، خلصنا، أوصنَّا"، وكانوا يمسكون بأيديهم أغصان الزيتون وسعف النخيل.

كان مضمون هذا المشهد يوحي بفهم معيَّن لدى الجماهير لهوية السيد المسيح ودوره. حظي السيد المسيح بشهرة في أورشليم واليهودية؛ إذ صنع معجزات عظيمة من شفاء عميان وعاجزين ومرضى بأمراض كثيرة، بل وصلت هذه المعجزات إلى إقامة الموتى. وكانت هذه الجماهير تتطلع لمسيَّا أي ملك، والمسيا هي كلمة عبرية تعني "ممسوح"، وتشير إلى مسح الملك بالزيت، إعلانًا بتقديسه وتكريسه وخضوعه لله. بمعنى أنهم كانوا ينتظرون ملكًا سياسيًّا يكون جيشًا ويحشد الحشود ويحارب الرومان، الإمبراطورية التي سيطرت على أغلب أجزاء العالم القديم آنذاك، وكانت اليهودية إحدى مقاطعاتها.

لكن أراد السيد المسيح في هذا الدخول الانتصاري، وباختيار الجحش للدخول عليه إلى المدينة، أن يؤكد على أنه الملك الذي يصنع السلام؛ "ملك السلام". وليس الذي يسعى إلى الحرب والتدمير والقتل وإراقة الدماء.

في حدث الدخول الانتصاري للمسيح نجد سوء فهم لدى الجماهير، والتي كانت لها توقعات مبنية على فكر قومي وسياسي فقطـ، وظنوا في كل النبوات التي تحدثت على المسيا المخلص أنها تشير إلى خلاص سياسي. والقضية هنا أن الجموع أكثر من مجرَّد اصطفاف أفراد متفردين، بل إنالجموع يخلقون توجهًا جماعيًّا على حساب الإنسانيَّة التيتتميَّز بالتفرُّد.

هتفت الجموع: "أوصنا -أي خلصنا- لابن داود... مبارك الآتي باسم الرب"، ومضمون هذا الهتاف صحيح، فالمسيح هو المخلِّص. لكن لدى الجماهير كان المعنى مختلفًا. إنه سوء الفهم الجماعي. وكم تسبَّب سوء الفهم في الكثير من المآسي!

وفي يوم الخميس، تناول السيد المسيح الفصح مع تلاميذه، وهو عالم أن من بين الجالسين معه على المائدة من سيسلمه لأيدي اليهود، وهو يهوذا، وأن من بين الجالسين معه من سينكر ثلاث مرات أنه يعرفه، وهو بطرس. أعد السيد المسيح تلاميذه للمرحلة القادمة بعد هذا العشاء، والتي كان يعرف أنها ستختلف اختلافًا جذريًّا عن السنوات الثلاث السابقة لهذا العشاء. غسل السيد المسيح أرجل تلاميذه في هذا العشاء لنتعلم جميعًا أن القيادة والسلطة لا تعني التسلط والكبرياء، وأن القائد الحقيقي هو من يستطيع أن يخرج خارج ذاته ويخدم من هم تحت قيادته. وفي لحظة القبض عليه، كان صانع سلام، لم يشأ لأحد من تلاميذه أن يطاله أذى، وتحدث مع الجند ورؤساء الهيكل بكل وداعة؛ إنه صانع السلام.

وقف السيد المسيح أمام محاكم شكلية اكتملت صورتها بشهود زور، استخدمهم القادة الدينيون اليهود آنذاك لإنهاء قصة هذا المعلم، السيد المسيح، الذي وضعهم في مواجهة مع ريائهم وزيف إيمانهم وشرورهم، وعلَّم الناس أن العبادة الحقيقية لله هي عبادة قلبية، وأن سلوك الإنسان يجب أن يكون متوافقًا مع ما يؤمن به. صُلِبَ المسيحُ وانتصر بموته على الخطية، وأعلن في موته عن بداية عهد جديد من المصالحة مع الله.

لكن القصة لا تنتهي هنا، فقيامة المسيح هي إعلان هذا العهد، المؤسس على الانتصار على الخطية، والرجاء، والثقة بقدرة الله وسلطانه غير المحدود. القصة لم تنتهِ أيضًا في القيامة، بل هي قصتنا جميعًا قصة من سبقونا ومن يأتون بعدنا، قصة الانتصار الذي منحه لنا السيد المسيح، والذي نعيش به وفيه.

من يقرأ أحداث هذا الأسبوع العظيم يدرك أنه كان رحلةً انتصاريةً في كل مراحلها، وأن الدخول الانتصاري لم يكن بمفرده بل كان جزءًا من انتصارات كثيرة وصلت إلى ذروتها بقيامة السيد المسيح.

وأخيرًا أصلي أن نتمتع جميعًا بهذه النصرة، فوق كل التحديات والآلام والصعوبات، فوق كل عنف وكراهية، فوق كل ضعف واهتزاز. أصلي لأجل السلام بالعالم، ولأجل بلادي العزيزة وازدهارها.

9b08b0ff-2a50-481c-b058-c4d3eed490d1
9b08b0ff-2a50-481c-b058-c4d3eed490d1