قالت الإعلامية داليا عبدالرحيم، مساعد رئيس قطاع القنوات الإخبارية بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لملف الإسلام السياسي، إنه في الأول من شهر إبريل الماضي استهدفت إسرائيل بغارة جوية القنصلية الإيرانية بدمشق والذي أسفر عن مقتل قادة عسكريين إيرانيين كبّار من الحرس الثوري الإيراني، وعلى رأسهم محمد رضا زاهدي، وبعدها بأسبوعين وفي ليلة 14 إبريل وجهت إيران أكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيرة في اتجاه إسرائيل، مستهدفة مواقع وقواعد عسكرية إسرائيلية في صحراء النقب أوقعت خسائر محدودة، وصاحب تلك الهجمات تصريحات ملتهبة واتهامات متبادلة من كبار المسؤولين في البلدين، وارتفعت مؤشرات التوتر والقلق في العالم كله خشية اتساع رقعة المواجهة بين إيران وإسرائيل؛ ولكن سرعان ما خفت حدة التوتر والقلق، مع تصريحات جديدة تحمل بشكل مباشر أو بالتلميح إن كل طرف قد اكتفى بما فعل، وأنه لا رغبة لديه في مزيد من التصعيد وليستمر كل طرف في توظيف عدائه للأخر بما يُحقق مصالحة في داخل مجتمعه وفي محيطه الإقليمي والدولي.
وكشفت “عبدالرحيم”، خلال تقديمها برنامج “الضفة الأخرى”، المذاع عبر فضائية “القاهرة الإخبارية”، عن محطات الصراع الإسرائيلي الإيراني من عام 1979 حتى 2024؛ موضحة أنه ظل الصراع الإيراني الإسرائيلي عبر الوكلاء والشركاء منذ قيام الثورة الإسلامية بإيران في نهاية السبعينات من القرن الماضي وإعلان قيام دولة إسرائيل في عام 1948 دون أن تكون هناك مواجهة مباشرة محدودة ظهرت شواهدها مع الحرب الإسرائيلية على غزة، وتركزت ملامح المواجهة بين إسرائيل وإيران منذ أكثر من سبعين عامًا على هجمات سيبرانية قام بها الطرفين، فضلًا عن الصراع الدبلوماسي الذي يشنه كل طرف على الطرف الآخر فضلًا عن التحريض الدائم دون أي ملامح لمواجهة عسكرية بينهما.
وتابعت: تطور الصراع بين إسرائيل وإيران، حيث نجحت الأخيرة بالدخول في حرب مع إسرائيل مع وكلائها في المنطقة وتحديدًا في العام 2006 عبر حزب الله "اللبناني" والتي عُرفت بحرب تموز، ومنذ هذا التاريخ وهناك مواجهة عسكرية ولكنها عبر وسطاء إيران في المنطقة، وأقنعت إسرائيل واشنطن بضرورة الإنسحاب من الإتفاق النووي الذي وقعته أمريكا مع إيران وتم ذلك في مايو من عام 2018، وهو ما أدى إلى تصعيد دولي وأمريكي ضد طهران وأفسد الكثير من خططها، وعد السلوك الأمريكي هو ترجمة للصراع الإسرائيلي مع إيران، واستغلت إيران وكلائها في المنطقة في صراعها مع إسرائيل بعد أحداث 7 أكتوبر وتحديدًا الحوثيين في اليمن عبر اعتداءاتهم على السفن في الممر الملاحي في البحر الأحمر وعشرات الهجمات التي شنتها ميلشيات إيرانية في العراق على القوات الأمريكية الداعمة لإسرائيل، وشنت إسرائيل غارة إسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق في 1 إبريل من عام 2024 والذي أسفر عن مقتل قادة عسكريين إيرانيين كبّار، وقد أدى العدوان إلى تدمير مبنى القنصلية بكامله ومقتل وإصابة كل من بداخله، وبعدها كان هناك رد إيراني في منتصف شهر إبريل استهدف قواعد عسكرية إسرائيلية، في مقدمتها قاعدة نفاطيم الجوية، والتي تقع جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة في منطقة صحراء النقب بالقرب من مدينة بئر السبع، حيث تُعد القاعدة الرئيسية لمقاتلات إف35 لدولة الكيان.
وأكدت أن الصراع الإيراني الإسرائيلي لم يكن مباشرًا ولكن حاول الطرفين احتواء تطور الصراع وعدم الدخول في حرب، خاصة وأن إسرائيل مشغولة بحربها في فلسطين، فضلًا على أنّ إيران لا ترغب في تعطيل قدراتها النووية ولا إمكانية الوصول إلى تصنيع القنبلة نووية، ونستطيع أن نستخلص من العرض السابق أن الصراع الإيراني الإسرائيلي دائما ما كان صراعا منضبطا غير منفلت، وآخر محطات ذلك الصراع في إبريل الماضي وهي الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق ورد إيران الصاروخي على قاعدة عسكرية في النقب خير شاهد على جوهر وأبعاد المواجهة بين إسرائيل وإيران؛ حيث سعى الطرفين لضبط إيقاع الصراع واحتوائه وتجنب "الحرب"، خاصة وأن إسرائيل مشغولة بحربها المستعرة في غزة، وإيران لا ترغب في عرقلة مشروعها النووي ولا إمكانية الوصول إلى تصنيع القنبلة النووية، وأنها في واقع الأمر تستخدم ورقة العداء لإسرائيل و"شعار تحرير القدس للتغطية على ما تواجهه في الداخل الإيراني من صعوبات وأزمات اقتصادية ومعارضة سياسية وتستخدم تلك الأوراق في محيطها الإقليمي لتكريس نفوذ وزعامة ومخطط هيمنة توظفه لصالح تحسين وتقوية شروط تفاوضها وعلاقاتها بدول الغرب والولايات المتحدة، ويبقي في الوقت الراهن على الأقل أن الصراع الإسرائيلي الإيراني قابل للاحتواء وعدم الفوران والاندلاع برغبة الطرفين وبضغوط دولية وإقليمية؛ لكن ما يخرج من هذا البركان الخامد نسبيا من حمم وغازات سامة أمر خطير وقابل للتصاعد، وأقصد هنا تيارات وجماعات التطرف والتشدد والإرهاب في المعسكرين.
وأوضحت أن الصراع الإيراني الإسرائيلي له تأثير كبير على الجماعات المتطرفة العاملة في المنطقة والتي تحاول أن تجد لها موضع قدم في مناطق الصراعات ومن بين أهم الجماعات المتطرفة المرشح تناميها مع تطور الصراع في الداخل الإسرائيلي التي يزيد نشاطها مع هذا الصراع جماعة "جباية الثمن"، وأسس هذه الجماعة مستوطنون في مستوطنة "كريات أربع" في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية ومستوطنة "يتسار" قرب نابلس، ويوصف سكان هاتين المستوطنتين بأنهم الأشد تطرفا، كما تنشط جماعة "شبيبة التلال"، وتضم هذه المجموعة التي تسعى لطرد الفلسطينيين طلبة المدارس الدينية في مستوطنات الضفة الغربية وداخل إسرائيل، وتركز هذه الجماعة في هجماتها على المساجد والكنائس.
وتابعت: كما يؤمن أعضاء جماعة "عصابة اليهود" بتهجير كافة الفلسطينيين من أرضهم تطبيقا لعقيدة "أرض إسرائيل النقية"، وتكثف هذه الجماعات هجماتها على الفلسطينيين داخل إسرائيل، أما جماعة "أمناء جبل الهيكل" فتأسست عام 1967، وتسعى هذه الجماعة إلى "إقامة الهيكل" المزعوم، مكان المسجد الأقصى في القدس، وحاولت مرارا وضع حجر الأساس للهيكل المزعوم، لكنها فشلت حتى الآن، وهناك "حركة كاخ" وهي جماعة يهودية متطرفة أخرى، وتعتقد أن السبيل الوحيد لتحقيق أهدافها هو السيف، الذي اختارته شعارا لها، وأسسها الحاخام المتطرف مائير كاهانا عام 1971، وتعتقد هذه الجماعة أن "خلاص اليهود لن يتم إلا بإجلاء جميع أعداء اليهود من أرض فلسطين"، وقد حظرت الحكومة الإسرائيلية نشاط هذه الجماعة إثر مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل عام 1994، إلا أن أعضائها انصهروا في جماعات متطرفة أخرى، وبالنسبة لجماعة "غوش إيمونيم"، فقد أسس هذه الجماعة الحاخام المتطرف موشية ليفنجر عام 1974، وترى الجماعة أن العنف هو السبيل الوحيد لتحقيق هدف الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتدعو إلى هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم.
واستطردت: تزايد نفوذ اليمين المتطرف داخل المجتمع الإسرائيلي أمر واضح جدا والجماعات الدينية المتطرفة أصبح لها حضور ملموس وفعال في صناعة القرار والحكم والتشريع في إسرائيل، وحكومة نتنياهو التي تشن حرب إبادة على الفلسطينيين في غزة تضم وزارات سيادية ومهمة ووزراء ينتمون لتلك الأفكار والجماعات المتطرفة الإرهابية.
ونوهت بأنه لأول مرة يكون هناك مواجهة مباشرة في الصراع السياسي بين إيران وإسرائيل الذي يعود إلى وصول رجال الدين إلى السلطة في طهران عام 1979، بينما تمدد الصراع إلى جبهات عدة ولكن لم تصل إلى مرحلة الصدام المباشر، ولكنها قامت على نهج الحروب بالوكالة عبر توظيف الوكلاء الإقليميين في لبنان والعراق واليمن وسوريا، أو بشكل متبادل وغير مباشر أيضا في نطاق العمليات الاستخباراتية الداخلية والخارجية ضد أهداف أو أفراد ينتمون للجانبين، وتتخذ الجماعات المتطرفة والإرهابية من القضية الفلسطينية مادة ملهمة للدعاية والهاب حماس الشباب وبالتالي تجنيد عناصر جديدة، وقد وفر الصراع الإيراني الإسرائيلي أرضا خصبة تستغلها هذه الجماعات في كسب مؤيدين جدد خصوصا وأن إيران تتزعم ما يُطلق عليه محور المقاومة، ومن ناحية أخرى ترتبط حدودها بعدد من الدول الإسلامية محط اهتمام هذه الجماعات وبها أفرع لتنظيمات كبيرة مثل تنظيمي القاعدة وداعش.
ولفتت: ومن بين المخاوف التي تُهدد إيران، انتقال بعض مقاتلي داعش من سوريا وليبيا والعراق إلى أفغانستان، وتكشف الخلافات بين إيران وطالبان حول وجود عناصر من داعش في أفغانستان، عن مخاوف طهران الأمنية المتزايدة والمتعلقة بالحدود والقيود الأمنية التي يجب أن تفرضها طالبان من أجل القضاء على الجماعات الإرهابية مثل ما يعرف بـ«داعش خراسان»، التي تعمل داخل حدودها، ومن ناحية أخرى هناك جماعات في الداخل الإسرائيلي تتخذ من الصراع مع إيران ذريعة للضغط على المواطنين الفلسطينيين في الداخل مثل جماعة "عصابة اليهود"، وجماعة "أمناء جبل الهيكل"، و"حركة كاخ" وغيرها.
واختتمت أن إيران تحرص على استخدام وتوظيف القضية الفلسطينية على صعيد الداخل الإيراني أو في محيطها الإقليمي وفي مواجهتها مع أمريكا، وبرفع شعار "محور المقاومة" تجتذب دعم وتأييد جماعات وقوى ترفع شعارت دينية متطرفة توظفهم لاستخدامهم في حروب الوكالة التي تخدم مصالح إيران في تقوية نفذها والسعي لفرض هيمنتها وتصدير ثورتها.
من جانبه قال الدكتور أحمد لاشين، أستاذ الدراسات الفارسية بكلية الآداب جامعة عين شمس، إن الضربة الإيرانية لإسرائيل أو العكس لم تكن مؤثرة في كلا البلدين، حيث لم تسقط أي إصابات، ولم تحدث أي خسائر تُذكر، رغم أن كل طرف يدعي تحقيقه خسائر ضخمة في الطرف الآخر.
وأضاف "لاشين"، خلال حواره مع الإعلامية داليا عبدالرحيم، ببرنامج "الضفة الأخرى"، المذاع على فضائية "القاهرة الإخبارية"، أن دولة الاحتلال حصلت على دعم أمريكي يُقدر بـ24 مليار دولار بعد الضربة الإيرانية، وإيران أصبح لديها خطاب قوي في المنطقة، وهذا يعني أن كل طرف حصل على بعض المكاسب السياسية، موضحًا أن إيران تتجاوز الكثير من العقوبات المفروضة عليها من قبل الغرب والولايات المتحدة، وهناك تجاوز أمريكي عن هذا الأمر، خاصة وأن جزءًا كبيرًا من النفط الإيراني يذهب إلى الصين، وليس من مصلحة الولايات المتحدة صُنع أي أزمة مع طهران.
وأوضح أن طهران تحاول أن تُزيد من نفوذها في العديد من المساحات، من خلال التوجه إلى الدول الإفريقية بشكل قوي، مؤكدًا أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى التصعيد مع إيران، حفاظًا على استقرار المنطقة.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تتحدث عن أن طهران قادرة على صنع قنبلة نووية في وقت قليل للغاية وهناك خطابات إيرانية رسمية تؤكد هذا الأمر، وهذا يُعتبر تهديدًا للعديد من دول المنطقة بشكل عام، موضحًا أن إيران تُشكل ضلعًا رئيسيًا في تهديد المنطقة وكذلك دولة الاحتلال، لافتا إلى أن إيران لديها مخطط توسعي إقليمي في المنطقة، أما إسرائيل فتعمل على مد نفوذها في الدولة الفلسطينية، وإرهاب دول المنطقة، والصراع ما بين تل أبيب وطهران هو منافسة جيوسياسية بين البلدين.
وتوقع الدكتور أحمد لاشين، أستاذ الدراسات الفارسية بكلية الآداب جامعة عين شمس، عدم تطور الصراع بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وإيران إلى حرب إقليمية، لأن مصلحة كلا البلدين عدم تصعيد الأمور، موضحًا أن مصر تلعب دور الوساطة ما بين حماس ودولة الاحتلال، وهذه الوساطة هي الفيصل في إنهاء الصراع.
ولفت إلى أن الوساطة المصرية في المفاوضات لوقف إطلاق النار في غزة قد تكون الأخيرة في الضغط الدولي على دولة الاحتلال بسبب المجازر المرتكبة من قبل دولة الاحتلال، مؤكدًا أن خفض التوتر ما بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحماس من شأنه أن يُعيد الاستقرار إلى المنطقة بشكل تدريجي، وتراجع الدور الإيراني بشكل أو بآخر.
ونوه بأن إيران لديها مخطط توسعي إقليمي في المنطقة، أما إسرائيل فتعمل على مد نفوذها في الدولة الفلسطينية، وإرهاب دول المنطقة، والصراع ما بين تل أبيب وطهران هو منافسة جيوسياسية بين البلدين.
وأكد أستاذ الدراسات الفارسية بكلية الآداب جامعة عين شمس، أن تركيا تسعى لعلاقات جيدة مع الدولة المصرية، مع انحسار النفوذ الخاص بكافة الجماعات الدينية في المنطقة.