كان اول درس تعلمه "دافيد روكفلر" بابا البنوك الامريكية وأمير نيويورك بلا منازع ورئيس حكومة الظل هو ان أكبر قدر من النجاح يرتبط بأقل قدر من الكلام...فكلما تكلم اكثر كلما كشف من مواقعه رقعة أوسع وكلما كشف المزيد من مواقعه كلما ضاقت امامه مساحة الحركة وحرية التصرف... ميدان المال فيه كثير من ميدان الحرب خصوصا بالنسبة للسرية والمفاجأة وسرعة الحركة بالفعل أو برد الفعل.
ويثور التساؤل دائما ماهى العلاقة بين المال والسياسة وهل هما وجهان لعملة واحدة ام لا؟
كما يثور التساؤل أيضا عن من يحكم في الولايات المتحدة الأمريكية وما الذي يوجه ويناقش الخيارات ويقرر في سياسه هذا البلد الذي بلغ من القوه مبلغا لم يسبق له مثيل في التاريخ أو قرين في العصر وبالذات في مجال السياسة الخارجية والامن القومي.. وهل الرئيس الامريكي هو الذي يقرر السياسه الخارجيه والامن القومي للولايات المتحدة الامريكية أم أن هناك أطراف أخرى؟.
ومن هنا كانت اهمية ما أشار اليه الأستاذ "هيكل" فى كتابه "زيارة جديدة للتاريخ" بعد أن سرد علاقته برجل المال المشهور "دافيد روكفلر"
ذكر الكاتب أن أسرته كانت تسيطر على أكبر البنوك في امريكا (تشيز مانهاتن) و(ناشيونال سيتي) وعشرات غيرهما وبحقائق القوة المترتبة على ملكية المصالح المالية العظمى في أغنى مجتمع عرفه العالم فان العاصمة السياسية لم يكن لها أن تتصرف بمفردها في القرار الامريكي ولا كانت قادرة على ذلك أو مستعدة حتى لمحاولته!.. هنا تأتي العلاقه الوثيقة بين المال والسياسة.
من خلال هذا التحليل تحدث الاستاذ "هيكل" في كتابه الشيق عن بابا البنوك صديقه الحميم "دافيد" وقال انه قابله أكثر من عشر مرات بين نيويورك واشنطن والقاهره وكلها كانت مقابلات عمل ومناقشات حول قضايا أو أحداث من أجل فهم ما يدور بين المال فى نيويورك والعاصمة السياسية فى واشنطن...
ليس هذا فقط ولكنه ذكر ان له برنامجه السنوى لزيارة عواصم العالم للوقوف على الأحداث وقراءة مفرداتها وتحليل التوجهات السياسية الكبرى فيها..
أشار الكاتب إلى ثلاث رحلات كان يحرص عليها دائما طوال حياته وفى مواعيدها...
الأولى: كان يذهب إلى أوروبا مرة على الأقل كل سنة،وخصوصا لندن وباريس فكلتاهما عاصمة امبراطورية، برغم أن الامبراطورية نفسها قد ذابت وتلاشت ولكن المجد الامبراطوري الفكرى والثقافى والحضارى لازال موجودا فى العاصمتين.
والرحلة الثانية: كانت إلى آسيا أو افريقيا على الأقل مرة كل عامين لتصوره بأن نقطة الارتكاز فى سياسات العالم ستنتقل تدريحيا إلى الشرق.
واما الرحلة الثالثة فهى إلى الولايات المتحدة الأمريكية مرة كل ثلاث أعوام فالولايات المتحدة الأمريكية هى المحرك الأكبر لعالمنا العربي -وفى رأيه- انها سوف تكون كذلك فى المائة سنة القادمة الا إذا حدث ماليس فى الحسبان ومن رأيه أيضا أن هذا مستبعد!.
الأسبوع القادم باذن الله أُحَدِّثُكَ عن قصة أسره "دافيد روكفلر" وكيف استطاعت جمع الثروات الطائلة التى اكتسبوا بها نفوذا واسعا".