ترأّس البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، القداس الإلهي الذي احتفل به الراهب الأفرامي الأب يعقوب حسّو، وذلك في كنيسة مار أفرام بدير مار أفرام الرغم – الشبانية، المتن – لبنان، بحضور ومشاركة عدد من الرهبان الأفراميين، والراهبات الأفراميات، والراهبات الدومينيكيات للقديسة كاترينا السيانية.
في موعظته بعد الإنجيل المقدس، اعتبر البطريرك أنّنا "لا نزال في زمن قيامة الرب، ونحن نتطلّع دوماً إلى فوق، إلى الرب يسوع القائم منتصراً على الخطيئة والموت. وكما نعلم، هذه السنة، إخوتنا الأرثوذكس الذين يتبعون التقويم اليولياني (الشرقي)، يحتفلون اليوم بسبت النور، وغداً بعيد القيامة. نسأل الرب أن يسهّل ويعجّل الوحدة المنظورة بين الكنائس، فالوحدة هي عمل الروح القدس، عمل الرب، كي نستطيع أن نكون شهوداً حقيقيين صادقين لإنجيل الرب وللمخلّص يسوع".
ونوّه غبطته إلى أنّه "في رسالته إلى أهل روما، يذكّر مار بولس المؤمنين بموضوع الناموس، والناموس كلمة يونانية تعني الشريعة، القوانين، فالشريعة اليهودية معروفة، وكثيرون يطبّقونها إلى اليوم في حياتهم. ومار بولس يذكّرنا أنّنا، طالما نحن في هذه الحياة، سنبقى متأرجحين ما بين البِرّ والشرّ، الخطأ والصواب. ويذكّر أنّنا بطبيعتنا ميّالون وللأسف إلى الشرّ، ونعني بالشرّ، بالنسبة لنا، أن نستخفّ بالآخرين ونتكبّر عليهم ولا نقبل أن يختلفوا عنّا وعن نظرتنا ومواقفنا وسلوكيتنا، لذلك يحصل هنا هذا التشنُّج في العلاقات".
ولفت إلى أنّنا "نصلّي اليوم في دير مار أفرام الذي نشكر الله أنّنا استطعنا أن نرمّمه بنعمته تعالى، وبما أنّنا في جوّ رهباني، فمن الواجب أن نتذكّر أنّ الحياة الرهبانية هي دعوة سامية جداً، لكنّها ليست سهلة، إذ في كلّ لحظة وكلّ ساعة وكلّ يوم هناك ما نسمّيه التأرجح بين المواقف والأفكار، وأحياناً سوء أو بالأحرى قلّة التفهُّم بين بعضنا، كما يحدث في العائلة نفسها. لذلك ينهي مار بولس كلامه في هذا النص بالاتّكال على الرب يسوع ونِعَمِه كي يتخلّص من الخطيئة".
وأشار غبطته إلى أنّ "النص الذي تُلِيَ على مسامعنا من الإنجيل المقدس هو تتمّة للنصَّين اللذين سمعناهما سابقاً عن لقاء الرب يسوع مع السامرية على بئر يعقوب، هذا الحوار الرائع بين يسوع وهذه المرأة، وكيف أنّها، وبنعمة إلهية، آمنت به وبشّرت أهل بلدتها أنّها التقت بيسوع المسيح، فأتوا إليه وطلبوا منه أن يبقى عندهم. كم هو أمر جميل جداً أن نطلب من الرب يسوع أن يبقى عندنا! هل يا تُرى حقيقةً نقوم بهذا الطلب للرب يسوع، أن يبقى عندنا، أم نفكّر فقط بتطبيق أفكارنا وتحقيق مواقفنا التي يمكن ألا تكون لخير الجماعة. يطلبون من الرب يسوع أن يبقى عندهم، وهذا الأمر يذكّرنا بتلميذَي عمّاوس اللذين طلبا من يسوع أن يبقى عندهما ويدخل إلى بيتهما، لأنّ النهار قد مال إلى الغروب، بمعنى أنّهما طلبا من يسوع أن يبيت عندهما، وهذا أمر جميل جداً".
وأكّد أنّ "الحياة المكرَّسة دعوة سامية جداً، لكنّنا نعرف الظروف والتجارب الكثيرة التي تمرّ بها الدعوة، وبشكل خاصّ في أيّامنا . في الماضي أيضاً نجد الكثير من الصعوبات، وحتّى بين مؤسّسي الرهبانية الواحدة يظلّ هناك بعض الإختلافات، وقد يذهبون فيما بعد كلُّ واحدٍ في طريقه. أمّا اليوم، فبالإمكان القول إنّ الأزمات في الدعوات، أكانت رهبانية أو كهنوتية، أزمات قوية جداً".
وتكلّم غبطته عن "القديسة كاترينا السيانيّة التي احتفلنا بعيدها منذ بضعة أيّام، والتي عاشت في القرن الرابع عشر في إيطاليا، أمّا القديسة كاترينا السينائيّة، التي لها دير في سيناء بمصر، فقد كانت شهيدة من القرن الرابع. فكاترينا السيانيّة تُعتبَر أيضاً من شفيعات الرهبانية الدومينيكية، وهي أيضاً معلّمة وشفيعة لأوروبا، وقد ماتت بعمر 33 سنة، وتذكرها الكنيسة والعالم حتّى اليوم بأنّها كانت مكرِّسة ذاتها كلّياً للرب يسوع. صحيح أنّها لم تدخل ولم تؤسّس ديراً، لكنّها عاشت حياةً رهبانيةً في العالم، وكان لها تأثير كبير حتّى على البابوات وعلى الأمراء في عصرها، ليس بالكلام الرائع والمفوَّه، بل أيضاً بقداستها وتقواها وإقناعها للبابا أن يعود من فرنسا إلى روما، لأنّها كانت تتكلّم بشكل مؤثّر ومقنع، إذ أنّ تقواها هو الذي كان يعبّر عن شخصيتها".
وذكّر "بأمثلة كثيرة عن الراهبات، فأكثر القديسات اللواتي نعيّد لهُنَّ هُنَّ راهبات، كما نعيّد أيضاً لقديسين رهبان. إذاً الحياة الرهبانية، ولو أنّها اليوم دعوة صعبة وغير سهلة، لكنّها دعوة تجعلنا نتقدّس، لأنّنا من خلالها نكرّس ذواتنا للرب بالصلاة والوداعة والتواضع مع إخوتنا في الرهبانية، كي نكون شهوداً للرب يسوع، رهباناً وراهباتٍ، أينما كنّا".
وتضرّع غبطته "إلى الرب كي يبارككم ويبارك الدعوات الرهبانية ويزيدها، حتّى نستطيع حقيقةً أن نعيش هذه النهضة الروحية، نهضة القداسة، في كنيستنا. فلا ننخدع، إذا كنّا مقتنعين بدعوتنا الرهبانية، فكلّ أمر آخر يبقى ثانوياً. ومهما كنّا أقوياء أو فهماء أو لدينا الإمكانيات المادّية، فهذا كلّه يبقى ثانوياً، طالما كنّا مكرَّسين أو مكرَّسات. وأنتم تعرفون اليوم الأزمات المخيفة التي تمرّ بها كنيستنا مثل باقي الكنائس، حيث نعاني الانسلاخ عن الأرض، فشبّان وشابّات كثيرون يغادرون أرضهم مع أهلهم إلى بلاد الإغتراب، وقليلون حقيقةً يفكّرون أنّ بإمكانهم أن يكرّسوا ذواتهم بحياة رهبانية صالحة".
وختم غبطته موعظته سائلاً "الرب أن يباركنا جميعاً، ويذكِّرَنا أنّنا تتلمَذْنا على أيدي الرسل والكنيسة والألوف من الرهبان والراهبات الذين تبعوه بأمانة، ولا يزالون أمثلة وقدوة لنا، كي نتقرّب من الرب يسوع ونعيش حياتنا وعلاقتنا الحبّية معه".