بات من الواضح أن المظاهرات الطلابية الداعمة لفلسطين، والتي اجتاحت الجامعات الأمريكية، منذ منتصف أبريل امتد صداها إلى فرنسا، حيث شهدت العاصمة الفرنسية باريس في الأيام القليلة الماضية، مظاهرات طلابية وصلت لأعرق جامعات البلاد، وسرعان ما امتدت إلى مدن ومناطق فرنسية أخرى، وذلك للمطالبة بوقف الحرب في قطاع غزة.
واُعتبر امتداد المظاهرات إلى جامعة السوربون العريقة في باريس أحدث دليل على أن الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية ضد الحرب في غزة تمتد إلى أوروبا، وهو سيناريو كانت تخشاه السلطات الفرنسية. فقد بدأ الحشد لمظاهرات مؤيدة لفلسطين يكتسب زخما بين طلاب الجامعات الفرنسية، خاصة بعد أول مظاهرة في معهد العلوم السياسية الشهير بباريس، الأسبوع الماضي.
ودعت العديد من الاتحادات الطلابية إلى توسيع نطاق التظاهرات، وهو ما حدث بالأمس في عدة جامعات في مختلف أنحاء البلاد، منها مدينة "سانت إتيان" في جنوب شرق فرنسا، و"رين" في شمال غرب البلاد، وأيضا في "ليون" (جنوب شرق).
انطلقت هذه الحركة الطلابية، الجمعة الماضية، من أحد مباني معهد العلوم السياسية بباريس، حيث قام عشرات الطلاب باعتصام داخل المبنى التاريخي للعلوم السياسية نظمته لجنة فلسطين بالمعهد. بعد ذلك انضم إليهم آخرون قدر عددهم ما بين 200 و300 شخص وأعلنوا اعتصاما أمام المبنى.
وطالبت لجنة فلسطين خصيصا بإدانة واضحة لتصرفات إسرائيل من قبل معهد العلوم السياسي وإنهاء التعاون مع جميع المؤسسات أو الكيانات المتواطئة في القمع المنهجي للشعب الفلسطيني، ووضع حد لقمع الأصوات المؤيدة للفلسطينيين داخل الحرم الجامعي.
وردد الطلاب هتافات "حتى لو لم يرغب معهد العلوم السياسية، نحن هنا. من أجل فلسطين ومن أجل جميع من يُقتلون"، و"تحيا تحيا فلسطين" رافعين الأعلام الفلسطينية. وقالت إحدى الطالبات بالجامعة "نأمل أن ينتشر ذلك إلى كل الجامعات وخارجها.. لن نستسلم حتى تنتهي الإبادة الجماعية في غزة".
ثم ارتفعت حدة التوتر مع وصول نحو 50 متظاهرا مؤيدا لإسرائيل، إلا أن الشرطة تدخلت لفصل المجموعتين، ثم بدأت في فض الاعتصام دون حدوث عنف، وأعلنت إدارة المعهد، مساء الجمعة، عن اتفاق مع طلابها على أن تتعهد بموجبه بتنظيم نقاش داخلي ووقف الإجراءات التأديبية المتخذة ضد المتظاهرين.
وبعد هذا اليوم، اعتبر مراقبون أن إظهار التضامن مع الفلسطينيين، ورفض الجرائم المرتكبة في غزة "أمر طبيعي"، إلا أنهم حذروا من أن هذه الحركة ستتوسع داخل الحرم الجامعي.. وهو ما حدث، /الاثنين/ الماضي، وامتدت المظاهرات إلى جامعة السوربون العريقة بباريس. فقد ألغت جامعة السوربون المحاضرات والامتحانات التي كان مقررة في هذا اليوم، بسبب مظاهرة داعمة لفلسطين داخل وخارج حرم الجامعة، حيث تجمع عشرات الطلاب داخل المؤسسة العريقة، الواقعة بالدائرة الخامسة وسط باريس، بالخيام والأعلام الفلسطينية، وقام عدد منهم بنصب خيام بالساحة داخل الجامعة، تضامنا مع فلسطين وللمطالبة بـ"وضع حد للإبادة الجماعية" في غزة.
وانضم آخرون إلى هذه التظاهرة وتجمعوا أمام الجامعة ورفعوا علما ضخما لفلسطين مرددين هتافات منها "غزة، غزة، السوربون معكم" وهتافات أخرى "حرروا غزة.. حرروا فلسطين". كما ردد الطلاب: "نحن هنا.. نحن هنا حتى لو ترغب السوربون في ذلك.. فنحن هنا".
وانتقل الاعتصام إلى الشارع أمام الجامعة، حيث تزايد عدد المشاركين فيه بدلا من إخماده وفق ما كان مأمولا. وعبرت إحدى الطالبات عن تضامنها قائلة: "من أمام السوربون.. قررنا الانضمام إلى الحركة الدولية ضد الإبادة الجماعية ومن أجل وقف إطلاق النار في غزة".
لكن سرعان ما تدخلت الشرطة وقامت بإخلاء موقع اعتصام الطلاب داخل الجامعة. ونشرت وسائل إعلام فرنسية ونشطاء مقاطع فيديو توثق فض الشرطة الفرنسية الاعتصام، بعد وقت قصير من إقامة المخيم في حرم الجامعة.
وبعد هذه الاحتجاجات في جامعة السوربون، بدا الأمر أن الحشد والمظاهرات قد بدأت مرحلة جديدة، ومن ثم انتشرت الحركة على نطاق واسع إلى بقية أنحاء البلاد.
وبالأمس، قامت الشرطة بفض اعتصام لطلاب مؤيدين للفلسطينيين كانوا يغلقون مبنى للعلوم السياسية بجامعة سانت إتيان في جنوب شرق فرنسا، كما قامت قوات الأمن بإخلاء موقع اعتصام لطلبة بمعهد العلوم السياسية في مدينة "رين" في شمال غرب البلاد، فضلا عن تجمع عدد كبير من الطلاب المتظاهرين في مدينتي "بوردو" (جنوب غرب) و"ليون" (جنوب شرق)، حيث تظاهر نحو 200 شخص، بحسب وسائل الإعلام الفرنسية، بالإضافة إلى طلاب آخرين في "جرونوبل" (جنوب شرق) و"ديجون" (في وسط شرق البلاد).
وإزاء هذا الحراك الطلابي، نددت وزيرة التعليم العالي والبحث في فرنسا سيلفي ريتايو بهذه الاعتصامات، إلا أن اتحاد الطلاب بالجامعات أعلن أنه من المتوقع أن يستمر الحشد للخميس.
وأكدت المتحدثة باسم "اتحاد الطلاب" وهو اتحاد النقابات والمنظمات الطلابية، أن الحركة ستستمر في معهد العلوم السياسية في جميع أنحاء فرنسا، ومن المقرر إقامة اعتصامات في جامعات في عدة مدن منها "سانت إتيان" و"رين" و"ستراسبورج"، كما أوضحت أن هذه الحركة "بعيدة كل البعد عن كونها أقلية نشطة"، وذلك ردا على تصريحات رئيس وزراء فرنسا غابرييل أتال، الذي ندد بـ "مشهد مفجع وصادم لأقلية سعت إلى التعطيل".
ويكتسب هذا الحراك الطلابي دعما خاصا من حزب "فرنسا الأبية" اليساري المتطرف، فقد أعرب منسق الحزب النائب مانويل بومبارد عن أمله في أن تكتسب هذه التحركات من أجل غزة "زخما" في الجامعات وأماكن أخرى، بحيث تتوقف المأساة الإنسانية التي تحدث في غزة في أسرع وقت ممكن.
وفي الوقت الراهن، تسعى السلطات التنفيذية إلى تجنب تفجر الوضع داخل الجامعات. وتبدأ إدارة معهد العلوم السياسية في إعداد نقاش مع الطلاب سيعقد، غدا الخميس؛ لتهدئة الأمور وتجنب استمرار الاحتجاجات داخل الحرم الجامعي.. إلا أنه يظل السؤال وسط حالة من الترقب ما إذا ستمتد بالفعل نيران الاحتجاجات الطلابية بالجامعات الأمريكية على الحرب في غزة إلى باقي الجامعات الفرنسية أم سيتم إخمادها.
العالم
ترقب في فرنسا بشأن امتداد المظاهرات الطلابية المؤيدة لفلسطين
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق