- “الأطفال تبدو عليهم علامات الفرح، وعيونهم مع حضور الرب تدعو للتمثّلْ بطُهورهم البريء وفى أيديهم يحملون سعف النخل وأغصان الزيتون”
- "مدينة أورشاليم استقبلوا السيد المسيح بالسعف والزيتون المزيّن فارشين ثيابهم وسعف النخيل وأغصان الزيتون أمامه"
تحتفل الكنيسة القبطية الأثوذكسية اليوم بأحد الشعانين أو بما يعرف بـ"أحد الزعف" وتأتى كلمة شعانين من الكلمة العبرية «هو شيعه نان»، وتعنى «يا رب خلص»، ومنها تشتق الكلمة اليونانية «أوصنا» بمعنى خلصنا، وهى الكلمة التى استخدمها أهالي أورشليم عند استقبال المسيح بمدينة القدس وهو راكبا على "جحش" واستقبله أهالي المدينة بالسعف والزيتون المزيَّن فارشًا ثيابه وأغصان الأشجار والنخيل تحته. ويبدأ الاحتفال بأحد السعف مساء السبت الذى تطلق عليه الكنيسة «سبت لعازر» بشراء سعف النخل وأغصان من الزيتون، ويزينوها على شكل صليب. وتتزين أستار هيكل الكنيسة بصلبان السعف ويصنع الأطفال من السعف وجريد النخل أشكالًا وتيجان وأساور ويجدلون السعف على شكل الحمار كرمزا إلى دخول المسيح مدينة أورشليم راكبا على جحش ابن اتان ، ومجدولة القربانة، وفى صباح «أحد السعف» يذهبون مبكرًا إلى الكنيسة، حاملين أشكال السعف.
أسباب احتفال الكنيسة بأحد الشعانين
قال القس يوساب عزت كاهن كنيسة الأنبا بيشوي بالمنيا الجديدة وأستاذ القانون الكنسي والكتاب المقدس بالكلية الإكليريكية، والقانون الكنسي بالمعاهد الدينيّة: لأهمية هذا الحدث الجليل عيد أحد الشعانين رتبت الكنيسة الاحتفال بذكراه كل سنة وجعلته عيدًا عموميًا من أعيادها الكبرى منذ القديم لأسباب منها:
أولًا: لتذكير بنيها بذلك الاحتفال العظيم الذي استقبل به يسوع حتى كلما حضروا يوم الشعانين حاملين بأيديهم سعف النخيل وأغصان الزيتون يمثلون في الحال ذلك الموكب البهيج والاحتفال المهيب وتلك الجماهير المحتشدة احتفاء بقدوم يسوع فترتقي عقولهم إلى تلك الأيام التي تمت فيها أمور خلاصهم.
ثانيًا: لترسم في أذهانهم وجوب الاستعداد القلبي الدائم لاستقبال يسوع في هيكل قلوبهم بمناولة جسده ودمه الأقدسين ببساطة ضمير وطهارة قلب كأطفال أورشليم.
ثالثًا: لكي تعلمهم بهذا الاحتفال مطابقة الحقيقة المثال فإن خروف الفصح كان يجب أن يؤتى به في اليوم العاشر من الهلال ويبقى محفوظًا إلى الرابع عشر منه.. وفي مثل هذا اليوم نفسه (العاشر) داخل يسوع أورشليم بصفته حمل الله الرافع خطايا العالم (يو 1: 44) وفي
الرابع عشر منه ذبح لأجلنا (1كو 5: 7).
طقس صلاة أحد الشعانين
أكد أستاذ القانون الكنسي والكتاب المقدس بالكلية الإكليريكية، والقانون الكنسي بالمعاهد الدينيّة أن الكنيسة تقرأ فصلًا من الإنجيل فى كل زاوية من زوايا الكنسية لسببين، الأول للدلالة على انتشار الإنجيل فى كل أقطار الأرض الأربعة، والثانى لأن كلا من الأناجيل الأربعة روى خبر دخول الرب يسوع أورشليم، فهى تقرأ فى كل جهة فصلًا منها إشارة إلى أن بناء المسيحية يشيد على هذه الأعمدة الأربعة، وبالتالى على يسوع نفسه حجر الزاوية الذى نادى بها الرسل فى كل مكان وتنشد به الكنيسة الآن وإلى نهاية الزمان.
وأضاف "عزت" تختتم الكنيسة بصلاة التجنيز العام، والغرض من عمل التجنيز العام فى هذا اليوم هو خشية أن يموت أحد من الشعب فى أسبوع الآلام فلا يجب رفع بخور إلا فى يومى الخميس والسبت، فهذا التجنيز فى الأربعة أيام التى لا يجب رفع بخور فيها، بل إذا انتقل أحد من الشعب يحضرون به إلى البيعة وتقرأ عليه الفصول التى تناسب التجنيز دون رفع بخور. وأمرت الكنيسة أن تصلى صلاة التجنيز على إناء عادى به ماء ويرش منه على المصلين، غير أن البعض يظن خطأ أن هذه المياه لتكريس السعف، والواقع أنه لا يوجد فى طقس الكنيسة نظام لتكريس السعف برشه بالماء، وقد أوضحت بعض الكتب الطقسية أنه يجب على كل الشعب المسيحى من رجال ونساء وشباب وشابات أن يحضر هذا التجنيز العام. دورة الشعانين فيها يطوفون الكنيسة ويرفعون البخور، ويقرأون أجزاء من المزامير وفصولًا من الأناجيل التى تحوى خبر دخول المسيح أورشليم، وعددها أثنى عشر فصلًا، وبعد كل فصل مرد خاص ثم مرد الشعانين «أوصنّا»، أمَّا أماكن الطواف فتكون أمام باب الهيكل الكبير، أيقونات العذراء، البشارة، الملاك ميخائيل، مار مرقس، وشفيع الكنيسة، الباب البحرى والقبلى للكنيسة.
أيقونة الشعانين
أوضح كاهن كنيسة الأنبا بيشوي بالمنيا الجديدة تتميّز أيقونة الشعانين بطابع الاحتفال والانتصار، فمنظر أورشليم البهيّ غالبًا ما يكون باللون الأحمر أو الأبيض، وألوان الثياب المنثورة على الطريق يضفى على الأيقونة طابع البهجة. وفى الأيقونة يبدو المسيح جالسًا على جحش يحنى رأسه إلى الأرض، ورجليه فى اتجاه واحد، وتهدف إلى توضيح تواضع المسيح ووداعته وهو يُبارك شعبه، ورأسه ملتفت إلى خلف باتّجاه تلاميذه الذين يتبعونه. وأيضًا يرمز الحيوان إلى بهيمية الأمم التى رفعها السيد وجعلها تسمو، بينما فى أكثر الأيقونات الغربية يركب مثل الفارس على حصانه، وهذا يبدو واضحًا فى الكثير من الأيقونات الروسيّة؛ حيث يُستعاض عن الجحش بالحصان، لأنّ الجحش لم يكن حيوانًا معروفًا فى تلك البلاد.
أمَّا الأطفال فتبدو عليهم علامات الفرح، وعيونهم مع حضور الرب تدعو للتمثّلْ بطُهرهم البريء وفى أيديهم يحملون سعف النخل وأغصان الزيتون، فقديمًا كانوا يستقبلون الملوك عند عودتهم من الحرب ظافرين، ولذلك استقبل الشعبُ المسيحَ الراكب على جحش على أبواب أورشليم كغالب للموت، وساحق للخطية ومُحطم للشيطان، وفى أعلى الصورة يوجد سور أورشليم بأبوابه المفتوحة، ورجال أورشليم ونساؤهم، يخرجون منها لاستقبال المخلّص، الرجال والأطفال يحملون سعف النخيل، ويظهر آخرون وهم يطلّون من طاقات السور ونوافذه لمشاهدة الاستقبال، وفوق الموكب تظهر شجرة ترمز إلى شجرة الحياة فى الفردوس وإلى الصليب.
المعاني الروحية في أيقونة الشعانين.
واستطرد أستاذ القانون الكنسي والكتاب المقدس بالكلية الإكليريكية وقال المعنى الانتصاري للعيد في دخول المسيح ليحقق النصرة على الموت وعلى الخطية.. وهذا هو مفهوم الخلاص.. لذلك في التسابيح يذكرون مملكة داود لأنه رمز للسيد المسيح حين انتصر على الشيطان (جليات).
أورشاليم تستقبل السيد المسيح
وتابع القس يوساب وقال أهالي مدينة أورشاليم استقبلوا السيد المسيح بالسعف والزيتون المزيّن فارشين ثيابهم وسعف النخيل وأغصان الزيتون أمامه، لذلك يعاد استخدام السعف والزينة في أغلب الكنائس للاحتفال بهذا اليوم. ويرمز سعف النخيل إلى النصر، أي أنهم استقبلوا يسوع منتصرًا مُحقّقا نبوءة زكريا بصفته المسيح. ودخل المسيح إلى أورشليم راكبًا على حمار تحقيقًا لنبوءة زكريا بن برخيا: «لا تخافي يا ابنة صهيون، فإن ملكك قادمٌ إليك راكبًا على جحشِ ابن أتان» [يو 12:14]، وكان استعمال الحمير مقتصرًا في المجتمع اليهودي على طبقة الملوك وطبقة الكهنة. واستقبله سكان المدينة والوافدين إليها للاحتفال بعيد الفصح بسعف النخل، لتظلله من أشعة الشمس، كما أن سعف النخل علامة الانتصار. وفرشوا ثيابهم على الأرض وأخذوا يهتفون: "مبارك الآتي باسم الرب، هوشعنا في الأعالي"، وتعني هوشعنا حرفيًا خلصنا.
واختتم: يشير باحثو الكتاب المقدس إلى معنى مركب من استخدام "هوشعنا"، فهي في مفهوم اليهود تشير إلى الخلاص من الاحتلال الروماني.