أرجع الأستاذ محمد حسنين هيكل ثقة جواهر لال نهرو رئيس وزراء الهند بنفسه، إلى عدة عوامل وراثية وتعليمية ذكرتها فى المقال السابق ولكن كان هناك سؤالًا وجيهًا بينه وبين نفسه وهو لماذا بعد كل هذه العوامل القوية والهامة يشاهد فيه لمحة القلق وعدم الاستقرار.. لقد بدا له أن صلته بالأفكار وثيقة وأن معرفته بالتاريخ حميمية، فعندما يكون الأمر في الجلسات متعلقًا بالأفكار أو التاريخ يجيء للكلام، لكن تدخلاته في الحوار كانت أحيانًا مشوبة بنوع من نفاذ الصبر خصوصًا إذا قاطعه أحد.
كما لاحظ أن في عرضه للأفكار وللتاريخ - إذا عرض- لا يصل بسامعيه إلى نتيجة محددة انما يظل كل شيء في النهاية معلقًا بعنصر شك.
وقال انه حاول أن يقنع نفسه بان ذلك هو "المثقف" فى شخصية "نهرو" فهو يرى أن المثقف بطبيعته لا يملك جوابًا نهائيًا لسؤال ولا يتصور مثل هذا الجواب النهائي.. فالمثقف يرى السلطة انها وسيلة لتحقيق غايات مرجوة في العمل الإجتماعي والاقتصادي والفكري والسياسي، ولكن التاثير بطيء بحكم الأحوال والأثقال - وربما الأهوال - وهكذا يشعر المثقف الحاكم أكثر من غيره بالفجوة الهائلة بين الفكرة والعمل وبين الحلم وتحقيق الحلم.
وقد بدت ملامح عدم الإستقرار عند "نهرو" حادة الى درجه الحيرة حتى في الطريقة التي يقلب بها أوراقه أو حتى في الطريقة التي يتعامل بها مع زملائه في الجلسات.. وأيضا في الطريقة التي يتردد فيها قبل أن يوجه خطابه لأحد أو يتجه بخطواته في ناحية..
كانت اكثر الكلمات ورودًا على لسانه قوله: "لا أعرف".. "لست متأكدًا".. "ربما".. "لا أظن".. وعبارات من هذا القبيل كثيرة!.
كلها مزيج من الثقة بالنفس والشك فى ذات اللحظة ويرى الكاتب أنها نتيجة لحجم دولة الهند الكبير وتراثها الطويل المعقد والمهام المطالب بها...
كانت هذه هى أهم انطباعات الأستاذ "هيكل" على "نهرو" رئيس وزراء الهند.
"الأسبوع القادم باذن الله أُحَدِّثُكَ عن "دافيد روكفلر" أمير نيويورك فى الستينيات بغير منازع".