الإباضية هي فرقة من فرق الإسلام تُنسب إلى «عبدالله بن إباض التميمي»، وعلى الرغم من هذه التسمية إلا أنه ليس هو المؤسس لهذه الفرقة، أما الشخصية التي أسستها فهي شخصية «جابر بن يزيد» المُكنَى بـ«أبي الشعثاء» الذي كان بمثابة الأب الروحي للمذهب.
لم يركز «أبي الشعثاء» على التسمية أو الدعوة لاسمها
يشهد كاتبوا السيرة حتى من غير الإباضية أن «أبي الشعثاء» كان راسخ القدم في العلم والورع والزهد، حيث قال فيه أبو نعيم الأصفهاني: "كان للعلم عينًا معينًا، وفي العبادة ركنًا مكنيًا، وكان إلى الحق آيبًا، ومن الخلق هاربًا، وهو من قدماء التابعين"، وكانت ولادته بمدينة «نزوى» في عمان سنة 21هـ / 642، ورجحت أغلب الروايات أنه توفى سنة 96هـ / 715م، وسكن البصرة في العراق وانتسب إليها، وأصبح أحد أعلام فقهائها ومحدثيها، حيث دعا إلى العمل بكتاب الله وسنة رسوله، موجهًا نقده إلى الولاة والحكام الذين انحرفوا عن هذا المنهج، وعَرَفَ فضله الصحابي الجليل عبدالله بن عباس «حبر الأمة»، وقد سُأل يومًا من أهل البصرة عن مسألة فقهية فقال: "تسألوني وفيكم زيد".
ورغم مكانته العالية في نشأة المذهب إلا أنه كان لا يركز على التسمية، أو الدعوة إلى اسم المذهب، وهذا ما أوردته رواية أبو نعيم الأصفهاني خلال ترجمته لـ«أبو الشعثاء» فقد جاء فيها قوله عن «هند بنت المهلب»، عندما ذكروه عندها قائلين: "إنه كان إباضيًا"، فقالت: "كان أشد الناس انقطاعًا إليَ وإلى أمي، فما أعلم شيئًا يقربني إلى الله إلا أمرني به، ولا شيئًا يباعدني عن الله إلا نهاني عنه، وما دعاني إلى الإباضية قط"، وجدير بالملاحظة في هذا السياق أنه كان يركز في دعوته على فحوى المذهب لا على التسمية، وكان استاذًا لعبدالله بن إباض الذي يُنسَب المذهب إليه، واستمد كل دعاة الإباضية من بعد «أبو الشعثاء» جزور دعوتهم من فكره وتعاليمه.
يوم أن وُلدت الطائفة من جديد
بعد وفاة «أبو الشعثاء» تولى أمر الفرقة من بعده «أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة»، الذي أصبح مرجع الإباضية وحل محل أستاذه في التدريس بالبصرة ومهاجمة استبداد الحكام وظلمهم، ومارس دعوته مستترًا عن الولاة لكنه لم يسلم من بطش «الحجاج بن يوسف الثقفي» والي العراق، فقد سجنه وأطال به العذاب ولم يخرج من السجن حتي وفاة الوالي عام 95هـ / 714م، ولحسن الطالع هيأت له الظروف السياسية التي أعقبت وفاة الحجاج جوًا مناسبًا لتحقيق مهمته، ذلك أن الذي أصبح واليًا على العراق هو «يزيد ابن المهلب بن أبي صفرة»، وهو ينتمي إلى قبيلة الأزد التي اعتنق عددًا كبيرة من أبنائها فكر الحركة، ومن هنا لم يتعرض الإباضية إلى اضطهاد خلال ولايته على العراق في عهد الخليفة الأموي «سليمان بن عبدالملك» و«عمر بن عبدالعزيز»، ولكن الأوضاع توترت في عهد «يزيد بن عبدالملك» وأخيه «هشام» بين أمويين وعرب الجنوب وخاصةً الأزد وقُتل إثر ذلك «يزيد بن المهلب»، وعادت سياسة المطاردة لأصحاب الدعوات التي يرى فيها الأمويين تهديدًا لسلطانهم، وفَضَل «أبوعبيدة» الكتمان في دعوته وحث أتباعه بذلك، وانتقل مركز الحركة إلى الجنوب في عُمان وانتقل معه عددًا كبيرًا من الأتباع.
خروج الطائفة من رحم الخوارج
أما الشخص الذي انتسبت الإباضية إلى اسمه فهو «عبدالله بن إباض التميمي»، حيث كان من اتباع «نافع ابن الأزرق»، وهو زعيم الأزارقة التي تُعهد من أكثر فرق الخوارج غلوًا وأشدها شططًا في الآراء والمواقف، ولكن «ابن إباض» اعترض على هذا المنطق الفاسد الذي كان يتخذه «ابن الأزرق» في منهاجه، حيث كان يستحل أموال ودماء من يحاربهم من المسلمين ويراهم مشركين، محتجًا بقولة تعالي: "ربي لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرًا كفارًا"، كل هذه الأمور أبعدت «ابن إباض» عن الأزارقة، ورأي في آراء «أبي الشعثاء» الرشد والزهد والتقوى ومن هنا أصبح من أهم اتباعه ومريديه المعاصرين له، ورغم نقد «أبي الشعثاء» للحكام إلا أن كان يفضل عدم المواجهة تجنبًا للاصطدام وإثارة الفتن، مفضلًا الأسلوب السلمي في الدعوة.
لماذا انتسبت الطائفة لهذا الاسم
وعلى عكس «أبي الشعثاء»، فقد اشتهر «ابن إباض» بإخلاصه في الدفاع عن الآراء والمبادئ التي تلاقاها من معلمه، ومن ثم أصبحت لفرط حماسته في الدفاع عنها مرتبطة به أكثر من ارتباطها بمعلمه، ولهذا نسبت الحركة إلى اسمه بسبب دفاعه عن مبادئها رغم أن «أبي الشعثاء» هو مؤسسها وشيخها ورائدها، وتجدر الإشارة إلى أن أتباع الفرقة لم يطلقوا على أنفسهم اسم «الإباضية»، بل أطلقه عليهم مخالفوهم، أما التسمية المفضلة لديهم فكانت: «أهل الاستقامة والحق» أو «أهل الدعوة» أو جماعة المسلمين، ولكن هذه التسميات لم تصمد وبقيت «الإباضية» ولم يجد أتباعها حرجًا من استعمال اسمها لأنها لا تنطوي على ما قدرهم أو قدر دعوتهم.
المراجع:
موسوعة الفرق والمذاهب في العالم الإسلامي
ابن قتيبة – المعارف، تحقيق ثروت عكاشة
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء
الإباضية في موكب التاريخ
الطبري تاريخ الرسل والملوك