إذا كنت من هواة التدقيق في المشهد وليس القراءة العابرة سُتدرك حركة الأقلام وتغير نهج الكلمات في أفواه الإعلام، وخاصة إذا كان أصحاب الأقلام والأفواه سبق لهم التنقل بين خانات المربعات يمينًا أو يسارًا، لتلافي الموت ومن ثم الخروج من اللعبة أو البحث عن ترقية جديدة ولا يهم بمن المغامرة وبماذا يُغامرون!.. المٌهم في عُرف لعبة "عيدان الفارابي" البقاء داخل حيز الأمان.
أُذكرك أولًا بعيدان الفارابي، تلك التي لا تتعدى كونها بعضًا من العٌصي، تُشكلها: «أقلام.. أحلام.. آلات.. حكايات.. أي شئ ترغبه سوى أن تصنع منها بشرًا».
دخل الفارابي على سيف الدولة الحمداني، فقال له سيف الدولة: أُقعد.
فقال: حيث أنا أم حيث أنت؟.
فقال: حيث أنت.
فتخطى رقاب الناس حتى انتهى إلى مسند سيف الدولة، وزاحمه فيه.
كان إتقان الفارابي لصنعته وتمكنه من أدواته وراء جرأة فعلته، إذ أخرج من وسطه خريطة، وفتحها، وأخرج منها عيدانًا، فركبها، ثم ضرب بها، فضحك كل من في المجلس، ثم فكها وغير تركيبها، وضرب بها، فبكى كل من في المجلس، ثم فكها وركبها تركيبًا آخر، وضرب بها فنام من في المجلس حتى البواب، فتركهم نيامًا وخرج.
من أسبوع كتبت إحدى الزميلات: "الحمد لله أن المواقف مُسجلة ولا يمُكن لأحد إدعاء موقف".. وأنا أُعارضها الرأي من واقع خبرات طويلة بهذا الشعب أن "طيابته" لا تجعل له ذاكرة، شعب يتعارك حد الموت ثم يمسح الدماء بُقبلة على الرأس، ويُقسم الأيمانات في "الظُهر" ولا يف بها حتى آذان العصر، شعب تربى على "عفا الله عم سلف" و"المسامح كريم" و"المصارين في البطن بتتخانق" و"يا بخت من بات مظلوم ولا بات ظالم".. شعب بعد 30 سنة من المرار بكى من كلمات صاغها "الفارابي" في خطاب التنحي لـ"سيف الدولة الحمداني".
قبل أن أنتقل بك إلى الفقرة التالية، أود أن أخُبرك أن الفارابي في حكايته كانت جرأته أن معه العيدان وحرية اختيار اللحن، لكن سيف الدولة الحمداني استطاع أن يأخذ "العيدان" ويضع اللحن وأصبح هو من يتحكم في "الضحك" و"البكاء" و"النوم".
لنعود من حيث بدأنا.. ستجد قامات صحفية وإعلامية في مقامات الأولياء وستجد "بروفايلاتهم" عليها أدعية واستدعاء لذكر الله.. وستجد كٌتب عن المدينة الفاضلة وعن النشأة الصوفية وعن كرهم للشيطان والخمر والميسر وأن منهم من هو من نسل الصحابة.. ومن هو دائم الكلام مع الله والعيش على كفه وربما مع الذكاء الاصطناعي وجدت صورًا لـ"بركات" ذلك الطفل الذي تاه من أمه في المولد، وأنه لم يكن سيئًا.. وأما عن تلك المقالات السابقة وتلك اللقاءات التلفزيونية فإنه كان مضطرًا لها لأن "علي الأعرج" الذي رباه مع ابنته "أمارة" والذي أخبره كذبًا أنه "أبوه" ضلله بمعلومات خاطئة فكتبها.. ومع ذلك نحن لا نكره الهداية وتوبة الأقلام بل وتعبئتها بمدد من "الحب والتصوف".. فتكتب وتنطق خيرًا..
لكن.. هل يقع الخير في القلوب بالتوجه!..
ربما..
هل رأيت لص تاب؟
ربما..
..............................؟
ربما..
وأنا أقطع هذا الحوار مع نفسي.. تركت لها سؤالًا دون أن أنتظر الإجابة: ما جدوى الدُمى في الحياة؟.
وحتى لا أٌطيل عليك يا صاح.. أنت بالطبع تُدرك "نزعة حادي القافلة" لذا ستجد الخير ينتصر في المسلسلات "ولا عليك بالواقع".. وستجد الجانب الروحي مُشع في المقالات "لا عليك بالحارات والحانات"،.. وستجد أجواء روحانية في "البلاتوهات" .. فلا تتعجب إن تاب "بركات" بعد موت والده في سقوط العمارة "المغشوشة".. بل لا تتعجب إن سامحته أمه "بركة" فهذه عادتها دائمًا عبر التاريخ.. ولا تنسى لكل مولد "ولي وصاحب".
ويبقى السؤال مطروحًا من أصحاب المقامات لـ"الفارابي" و"بركات".. توبة أم تمويه؟.