الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

الأخبار

«نهج اللامركزية عند تنظيم داعش الإرهابي».. دراسة لوحدة تركي بمرصد الأزهر

.
.
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

هل أصبحت نهاية داعش وشيكة؟ سؤال يدور في الأذهان بعد هزيمة التنظيم عسكريًّا، وتوالي الملاحقات الأمنية التي تعرض لها ولا يزال، وجوهر الإجابة عن هذا السؤال هو البحث في إستراتيجيات التنظيم، تلك التي تمكنه على الدوام من التكيف مع المستجدات ومجابهة التحديات التي تواجهه، ويأتي على رأسها إسترتيجية اللامركزية التي يتبعها التنظيم وتشكل عنصرًا مهمًّا في رسم ملامح مستقبله، وتعزز من فرضية استمراريته، نحاول الاقتراب من تلك الإستراتيجية عند تنظيم داعش، بدءًا من التعريف بها ومرورًا بداوفعها ووصولًا إلى تداعياتها.
ونعرض لها كما يلي: اللا مركزية... الماهية والتعريف اللامركزية مصطلح إداري يعني تفويض الصلاحيات من الهيئات المركزية إلى الهيئات الفرعية، وله تعريفات متعددة، من بينها ما ورد في قاموس المعاني أنّ اللا مركزيّة هي: "توزيع الوظيفة الإداريّة بين جهاز مركزيّ، وإدارات أخرى، وتعني على المستوى العامّ: تحويل السُّلطة إلى الأقاليم، والولايات، وجَعْلها تَتمتَّعُ باستقْلاليَّةٍ في تَسييرِ شُئونها الخاصَّة؛ عكس المركزيَّة"[1]، كما عرفها الباحث "خالد بن فيحان" في أطروحته للماجستير (المقدمة إلى جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالمملكة العربية السعودية، بعنوان: "المركزية واللامركزية في اتخاذ القرار وعلاقتها بالأداء الوظيفي") بأنها: "انتشار صلاحية اتخاذ القرار في أكثر من جهة أو إدارة أو شخص، ويقصد بصلاحيات اتخاذ القرار ممارسة الوظائف الرئيسة للإدارة من تخطيط وتنظيم ورقابة".[2] كما أشار الباحث "رشيد خالد راشد" في أطروحته للماجستير، المقدمة إلى جامعة النجاح الوطنية بفلسطين، إلى أن اللا مركزية هي "تفويض كل أو بعض سلطات المركز إلى الوحدات والوظائف الأدنى في الجهاز الإداري.
وهذا يعني تمتع هذه الوحدات بصلاحيات وسلطة صنع القرار، والتصرف المستقل وفق ما يمليها عليه تقديرها للحالات والمشاكل التي تواجهها".[3] ونخلص من التعريفات السابقة إلى أن مصطلح اللا مركزية ذا صلة بالمركزية، إذ إن كليهما يرتبط بتفويض الصلاحيات، فبينما تتضمن اللا مركزية توزيع السُّلطات على جهات متعددة في المُستويات الدُّنيا من الهيكل الإداريّ وإعطاء صلاحيات اتخاذ القرار والتخطيط للمرؤوسين بما يتيح لهم التحرر من قيود المركزية والعمل وفق آليات أكثر مرونة وصولًا للأهداف المرجوة، فإن المركزية على العكس من ذلك. ومن ثم، يمكن القول: إن اللامركزية تعد أحد الأساليب التي يسهم فيها عدد غير محدد من المرؤوسين في اتخاذ القرارات إثر انتقال سلطة اتخاذ القرارات الى الإدارات الدنيا، كل حسب المهام الموكلة إليه. ومن هنا نرى أن لا مركزية داعش الإرهابي تعني عدم وجود القرارات -لا سيما العسكرية- في يد قيادة التنظيم وحدها، فقد منح التنظيم قياداته الميدانية حرية التصرف التكتيكي وتغيير الأهداف خصوصًا في إستراتيجية التوسع إبان سيطرته المكانية، كما منح ذئابه المنفردة ضوء أخضر لتنفيذ عمليات من تلقاء أنفسهم والإعلان عنها وقت التنفيذ أو بعدها عن طريق مقاطع مرئية تُجهز قبل التنفيذ وتنشر عقبه.
إستراتيجية اللامركزية عند تنظيم داعش على مدار السنوات الماضية ومنذ ظهور داعش، تمكنت قوات مكافحة الإرهاب على المستويين الدولي والمحلي من تحقيق عدد من الانتصارات في مواجهته، بداية من هزيمة التنظيم في الفلوجة عام ٢٠١٦ مرورًا بهزيمته في الموصل والرقة في عام ٢٠١٧، وانتهاءً بسقوط آخر معاقله في "الباغوز" في مارس ٢٠١٩، إضافة إلى مقتل أربعة من رؤوسه في أقل من أربع سنوات، فضلًا عن استهداف القيادات المؤسِسة وأغلب قيادات الصفين الأول والثاني، ما دفع التنظيم إلى مواصلة تبنيه إستراتيجية اللامركزية الإدارية في عمله بغية تحقيق مشروعه التوسعي، فتفويض الصلاحيات المالية والادارية من الخليفة المزعوم إلى الولاة المزعومين ومنهم إلى المستويات الأدنى كانت السمة الأبرز في طرق إدارة التنظيم. فقد فوّض "أبو بكر البغدادي" قيادات التنظيم الأدنى في جانب من سلطاته، وطالبهم بفعل الشيء ذاته مع الكوادر الأدنى منهم، وذلك للحفاظ على بنية التنظيم وقدراته الحركية حال مصرع القيادات. ‌دوافع تبني تنظيم داعش إستراتيجية اللامركزية ‌التكيف مع الهزائم ومقتل القيادات: من الملفت للنظر أن تنظيم داعش الإرهابي من التنظيمات التي تقر بهزائمها بالتوازي مع السعي إلى التكيف معها.
المؤكد أن النهج اللامركزي يسهم بقوة في هذا الأمر، إذ يسهل عملية تطوره وسهولة تحركه وتفاعله مع الهزيمة، وهذا ما كشفت عنه الولايات المتحدة في خلال مؤتمر دولي عقد في "واشنطن" عام ٢٠١٨ من أن تنظيم داعش يتطوّر ويتكيّف مع الهزائم التي مُني بها في كل من العراق وسوريا، محذرة من أن تبنيه إستراتيجية اللا مركزية يجعله أكثر انتشارًا وخطورة. من جانبه قال منسّق الدبلوماسية الأميركية لمكافحة الإرهاب "ناثان سيلز": "إنه مع تحقيقنا الانتصار تلو الآخر على تنظيم داعش في ميدان المعركة فإن التنظيم يتأقلم مع انتصاراتنا... إن المعركة لم تنته على الإطلاق، إنها مجرد مرحلة جديدة. ننتقل من جهد عسكري بالدرجة الأولى إلى جهود مدنية قوية متزايدة... ما نراه هو أن تنظيم داعش آخذ في التحول إلى اللا مركزية... أي إنه آخذ في التطور والتكيف".[4] ‌ إستراتيجية التوسع: ذلك لأن تنظيم داعش ليس صاحب بنية تسلسلية طباقية على الدوام، فتأتي فيه الأوامر عبر تسلسل قيادي من الأعلى إلى الأدنى، أي إذا سقط قائد من السلسلة تتوقف الأمور؛ بل يوجد في التنظيم وحدات قتالية خاصة منحها قادة التنظيم استقلالية في اتخاذ قرارات تكتيكية دون الرجوع إلى القادة.
وهذا من قبيل اللا مركزية والمرونة التكتيكية؛ وسببها الرئيس هو عدم وجود بنية تسلسلية للتنظيم، وهو ما ساعد التنظيم كثيرًا في انتصاراته العسكرية قبل تكوين التحالف الدولي. تفادي سلبيات استهداف القادة: استفاد "داعش" من تجربة تنظيم القاعدة الذي تأثر كثيرًا باستهداف قياداته، وعلى رأسها "أسامة بن لادن" الذي كان لديه مركزية القرار والإعلام، واستهدفته القوات الأميريكية على الأراضي الباكستانية. 
كذلك استفاد التنظيم من مقتل "أبو مصعب الزرقاوي" الذي كان ظهوره في أحد المقاطع من أسباب تحديد مكانه. ومن ثم، حرص تنظيم داعش على اللا مركزية في الإعلام، وأخفى قادته تمامًا عن الظهور الإعلامي، باستثناء ظهور "أبو بكر البغدادي" على منبر مسجد النوري الكبير في عام ٢٠١٤ لإعلان دولته المزعومة ثم ظهوره بعدها بخمس سنوات لإعلان نهايتها المكانية.
وهذا النهج اللا مركزي قد جعل أفراد التنظيم غير متعلقين كليًّا بقائدهم الذي على رأس التنظيم. بذلك لا تكون تصفيته مسوغًا حقيقيًّا لحل تنظيم داعش كما هي الحال في التنظيمات الإرهابية الأخرى التي ارتبط أفرادها بزعيم التنظيم لأسباب تتعلق بشخصيته والكاريزما التي يتمتع بها، ذلك بأن تنظيم القاعدة فقد جزءًا كبيرًا من قوته بسبب موت "بن لادن". ‌

تسهيل عمل الخلايا النائمة: نقلت اعترافات بعض المتطرِّفين من المحكوم عليهم آلية عمل الخلايا النائمة وكيفية تمويلها، فحسب تقرير مصور لقناة الحدث التلفزيونية، قال أحد المسجونين (وقد كان مسئولًا عن أحد خلايا داعش النائمة): إن عدد هذه الخلايا كبيرٌ للغاية، سواء داخل الأراضي التي كان يسيطرُ عليها التنظيم أو خارجها، وأن أفراد كل خلية يتواصلون فيما بينهم بالشفرات من خلال الهواتف، وأن من من يدير الخلية ويصدر لها الأوامر هو الوالي "المزعوم" في منطقة الخلية، وأن الخلايا منتشرة في مناطق مختلفة من "سوريا" مثل: "إدلب"، و"الرقة"، و"منبج"، و"جرابلس"[5] تداعيات تبني تنظيم داعش إستراتيجية اللا مركزية البقاء والتمدد: إن الضربات التي تلقاها التنظيم لم تقض عليه قضاءً مُبرَمًا ، بل استطاع التنظيم البقاء وإعادة تنظيم صفوفه، وشن هجمات إرهابية في بعض الدول بسبب اللا مركزية في نظام الإدارة. 
وقد أشار الدكتور "حسن أبو هنية"، الباحث في شئون الجماعات المتطرفة، إلى أن تبني تنظيم داعش إستراتيجية اللا مركزية مكنته من الانتشار على الرغم من فقده السيطرة المكانية، إذ أصبح موجودًا في أكثر من ٢٨ دولة عبر العالم حسب تقرير وزارة الخارجية الأميركية السنوي بشأن الإرهاب، لافتًا إلى أن التنظيم تمكن بتلك الإستراتيجية من إعادة تنظيم هيكله، لا سيما بعد استهداف قادته[6] القدرة على تنفيذ عمليات إرهابية: فقد أثبتت الشواهد، أن معدل عمليات تنظيم داعش لا تنحسر - على المدى البعيد - باستهداف قياداته، وذلك بسبب إدارته اللامركزية التي مكنته من استمرار نشاطه، وإطلاق الإصدارات بين الحين والآخر، وتنفيذ العمليات التي يتبناها في بلدان مختلفة. 

وهذا النمط الإداري قائم على هذه الإستراتيجية التي تحث كل مؤيد أو متعاطف على تنفيذ أي عمل يلحق ضررًا بالعدو المفترض أو بمصالحه، الأمر الذي لم يغفله "أبو حذيفة الأنصاري" المتحدث باسم داعش الإرهابي في كلمة صوتية له بعنوان:" وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ"، حرض فيه أتباع التنظيم ومؤيديه على تنفيذ عمليات إرهابية ما أمكنهم، قائلًا :"فيا أيها الأسدُ المتأهبةُ للثأر لدينكم وأعراض إخوانكم، أيها الموحدون الغيارى، نستنفرُكم اليومَ لتجديدِ نشاطِكم... أحكموا الخطط ونوّعوا العمليات... ادخُلوا عليهم من كلِ باب، واقتُلوهم شرَّ قِتلة وأحيلوا تَجمعاتِهم واحتِفالاتِهم مجازرَ دامية، لا تُفرقوا بين كافر مدني أو عسكري، فكلُهم كفارٌ وهم في الحكم سواء". 

وختامًا، فاعتماد داعش إستراتيجية اللا مركزية مكنه من التكيف بسرعة مع الهزائم التي تعرض لها، وهذا يمثل أحد أوجه قوته مقارنة بالتنظيمات الإرهابية الأخرى. لذا لا يجب استبعاد خطورة داعش في أي وقت، كما ينبغي في الوقت ذاته مكافحته عسكريًّا وفكريًّا، وعدم الاستهانة بالمكافحة الفكرية، ووضع خطط ومناهج لها، مع تتبّع العائدين من ميادينه السابقة تحسّبًا لتحولهم إلى ذئاب منفردة.