لا يزال حادث موسكو الذي نفذته ولاية "داعش - خراسان" فرع التنظيم الإرهابي في أفغانستان، على قاعة للحفلات الموسيقية، في مارس الماضي، يلقي بظلاله على الدور الذي يمكن أن تلعبه أفغانستان في دعم الإرهاب العالمي، خاصةً في ظل حكم حركة طالبان، المتهمة تاريخيًا بدعمها للتنظيمات الإرهابية، مثل تنظيم القاعدة.
خطورة التهديد المتزايد للعنف المرتبط بأفغانستان
وقد أشار إلى خطورة التهديد المتزايد للعنف المرتبط بأفغانستان الجنرال مايكل كوريلا، رئيس القيادة المركزية الأميركية، قائلًا: "خطر الهجوم المنطلق من أفغانستان يتزايد"، وأضاف: " "يحتفظ تنظيم داعش في خراسان بالقدرة والإرادة لمهاجمة المصالح الأميركية والغربية في الخارج في أقل من ستة أشهر".
وباستدعاء التاريخ نجد أن أفغانستان لعبت دورًا مهمًا ومعقدًا في دعم الإرهاب العالمي، خاصة خلال فترات سيطرة طالبان، فبعد أحداث 11 سبتمبر 2001، التي نفذها تنظيم القاعدة بدعم من حركة طالبان، شنت الولايات المتحدة حربًا عالمية على الإرهاب، كهدف أكبر يندرج منه هدف أصغر هو تفكيك تنظيم القاعدة وإزاحة طالبان من السلطة، مما دفعها لغزو أفغانستان، ثم العراق، مع ما ترتب على ذلك من ظهور العديد من التنظيمات الإرهابية من داخل السجون الأمريكية، مثل تنظيم داعش الإرهابي.
وكانت أفغانستان ملاذًا آمنًا للقاعدة وزعيمها أسامة بن لادن، الذي خطط ونفذ منها عدة هجمات، بما في ذلك أحداث سبتمبر. كما قدمت طالبان حماية وتسهيلات للقاعدة لإعداد وتدريب مقاتليها، وهذا الدعم لم يقتصر على توفير الملاذ الآمن فحسب، بل شمل أيضًا تسهيل نقل الأموال والمعلومات، مما ساهم بشكل كبير في تعزيز قدرات القاعدة على شن هجمات عابرة للحدود وأثر بشكل كبير على مسار الإرهاب العالمي لسنوات.
شكل الموقع الجيوسياسي الاستراتيجي لأفغانستان وتاريخها المضطرب نقطة محورية للصراعات المختلفة، حيث انخرطت أفغانستان في حروب وحركات تمرد دمرت البلاد وتركتها عرضة لصعود المنظمات الإرهابية، مثل ظهور تنظيم القاعدة والتنظيمات الجهادية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، نتيجة الغزو السوفييتي عام 1979.
وبعد وصول حركة طالبان للحكم وسيطرتها على أغلب أنحاء البلاد عام 1996، أصبحت أفغانستان ملاذًا لتنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن، وأدى هذا التحالف بين التنظيمين للتخطيط وتنفيذ العمليات الإرهابية.
استعادت حركة طالبان السلطة في أفغانستان في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي عام 2021، مما أثار مخاوف عديدة بشأن الدور الذي يمكن أن تلعبه أفغانستان في الإرهاب العالمي من جديد، واحتمالية أن تصبح ملاذًا للمنظمات الإرهابية مرةً أخرى، على الرغم من إظهار حركة طالبان صورة أكثر اعتدالًا وتعهدها بعدم السماح باستخدام أراضيها في الأنشطة الإرهابية.
ويقول الدكتور صاحب زادة محمد، الباحث الأفغاني، إن عود طالبان للحكم سيكون له آثار كبيرة على الأمن العالمي، مشيرًا إلى أن بلاده يمكن أن تكون بمثابة أرض خصبة للإرهاب يشكل تهديدًا ليس فقط للمنطقة ولكن أيضًا للعالم كله.
ومن ناحية أخرى أشار إلى أن صعود تنظيم ولاية داعش خراسان يمثل بعدًا جديدًا للتهديد، مما قد يؤدي إلى تفاقم المشهد الإرهابي في أفغانستان وخارجها، لافتًا إلى أن التنافس بين طالبان وولاية خراسان يمكن أن يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار والعنف، مما يعقد جهود مكافحة الإرهاب.
وعن سبل المواجهة طالب "زادة" بضرورة أن تكون الجهود الرامية إلى تخفيف تهديد الإرهاب شاملة، بحيث لا تعالج المخاوف الأمنية فحسب، بل أيضًا العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تغذي التطرف، مثل الفقر، وعدم الاستقرار السياسي، وفشل الحكم، لما تمثله من أهمية كبيرة لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل والحد من جاذبية الجماعات الإرهابية.
وأضاف أن تخفيف الدور الذي تلعبه أفغانستان في الإرهاب العالمي يتطلب توجهًا متعدد الأوجه، مثل المشاركة الدولية مع طالبان، المشروطة بتعاونها في مكافحة الإرهاب ودعم حقوق الإنسان، بالإضافة إلى التعاون الإقليمي، وخاصة مع باكستان وإيران ودول آسيا الوسطى، لضمان أمن الحدود.