تكتسب زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى العراق اهتماما إعلاميا واسعا في كلا البلدين الجارين، إذ أنها الأولى لأردوغان إلى بغداد منذ 13 عاما، كما تأتي في سياق تحسن ملموس في العلاقات الثنائية، مع تزايد التفاعل والتجاوب بين البلدين، لمعالجة المسائل العالقة وتحقيق تقدم نوعي في العلاقات التركية-العراقية التي شهدت تقلبات عديدة خلال العقد الماضي.
وتتصدر قضايا المياه والطاقة، والتعاون في مكافحة الإرهاب ونشاط حزب العمال الكردستاني، ومشروع طريق التنمية، أجندة المباحثات خلال زيارة أردوغان للعراق، إلى جانب تلميحات بزيارته أربيل، في ظل سعي أنقرة لتعزيز علاقاتها مع بغداد وأربيل على حد سواء، ومحاولة تحقيق استقرار في المنطقة وتعزيز مصالحها الاقتصادية والأمنية.
كما أعلن وزير الدفاع التركي يشار غولر، نية الجانبين توقيع اتفاقية إستراتيجية لمواجهة العمال الكردستاني بخطوات أكثر فعالية، مشيدا بوصف العراق للحزب بأنه "تنظيم إرهابي"، وهذ ما أكد عليه سفير العراق لدى أنقرة ماجد اللجماوي، مشيرا إلى أن الزيارة تحقق قفزة نوعية شاملة في علاقات التعاون بين العراق وتركيا، وتشهد توقيع اتفاقيّة إطارية إستراتيجية جرى العمل عليها في الأشهر الأخيرة، تتناول المجالات الأمنية والاقتصادية والتنموية، وإحراز تقدم في ملفي المياه والطاقة، وكذلك عملية استئناف تصدير النفط العراقي عبر تركيا.
وتسعى تركيا لإطلاق عمليات عسكرية جديدة ضد الحزب داخل الأراضي العراقية، بهدف توسيع المناطق الآمنة وإنشاء منطقة سيطرة بعمق 30 إلى 40 كيلومترا على طول الحدود بحلول الصيف القادم، وهو ما أشار إليه الوزير التركي قائلا إن "المنطقة أنشئت فعليا، لكن هناك بعض الأمور يجب إنجازها".
كما تلوح في الأفق مرحلة جديدة، تشمل تأمين الخط الفاصل بين العراق وسوريا، لمنع تنقل مقاتلي حزب العمال الكردستاني بين البلدين، مع إمكانية اتخاذ إجراءات جديدة تجاه مناطق مخمور وأسوس وغارا وقنديل.
بينما أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أنه تم الاتفاق على توقيع 20 اتفاقية مقررة خلال زيارة الرئيس التركي إلى العراق.
وأوضح فيدان أن الهدف هو "تطوير العلاقات مع العراق، بحيث يكون الاستقرار الإقليمي والازدهار والتنمية ممكنا، وإضفاء طابع مؤسسي على علاقاتنا، وبذل ما بوسعنا لتطوير النظام والازدهار في المنطقة"، مشيرا إلى أن أنشطة التعاون مستمرة منذ فترة طويلة بين البلدين في مجالات عديدة، من بينها الأمن والطاقة والزراعة والمياه.
وأكد الخبراء والمراقبون، أن هناك عدد من الملفات المعقدة والعالقة بين العراق وتركيا لم يتم حسمها بعد، ومن بينها توغل القوات التركية في الأراضي العراقية في إطار مطاردة حزب العمال الكردستاني، وهو ملف يكتنفه التعقيد، بالإضافة إلى قضية استمرار القصف اليومي، وإقامة قواعد عسكرية وأبراج مراقبة تركية في شمال العراق.
كما يجب على الجانب العراقي التوصل إلى حلول جذرية وإبرام اتفاقات تخص المناطق الحدودية المتاخمة لتركيا، لمعالجة الملف السياسي، نظرا لأن تركيا تعد مرجعا لبعض السياسيين العراقيين الذين بينهم خلافات.
كما يعد تعزيز "طريق التنمية"، وهو المجال الاقتصادي الذي يحظى بأهمية بالغة بالنسبة لتركيا، أحد المحاور الرئيسية للزيارة، وهو ما يعد فرصة جيدة يجب على الحكومة العراقية استغلالها لتعزيز مصالحها.
وبحسب الخبراء، استعدت الحكومة العراقية، لهذه الزيارة التاريخية بتحديد أولويات واضحة تعكس مصالح العراق، إذ اتخذت خطوات جدية منذ إعلان حظر حزب الكردستاني سياسيا، بعد أن وسع نفوذه على نحو متزايد منذ عام 2014، منتشرا بين جبال قنديل وصولا إلى مناطق مثل مخمور وسنجار وبالقرب من كركوك، حيث تحولت مخيماته إلى معسكرات.
وأدت الإجراءات العراقية الأخيرة، إلى وضع الحزب تحت المراقبة الشديدة، بإشراف الأجهزة الأمنية والعسكرية العراقية في المناطق التي يوجَد فيها.
ومن المنتظر أن يظهر العراق، من خلال الشراكة الإستراتيجية الجديدة مع تركيا وبناء على مصالحه الخاصة، استعدادا أكبر للتحرك ضد حزب العمال الكردستاني، مما يعكس بعدا إستراتيجيا جديدا في التعاطي مع قضايا الأمن الإقليمي.
من جانبه، قال وزير المواصلات والبنى التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو، إن مشروع "طريق التنمية" -المقرر أن يمتد من الخليج عبر أراضي العراق وصولا إلى تركيا وأوروبا- سيكون على رأس جدول أعمال زيارة أردوغان.
وأضاف الوزير التركي في تصريح تلفزيوني، أن المرحلة الأولى من المشروع سيتم تشغيلها العام المقبل، مشيرا إلى أن عمليات شحن البضائع (بين دول الخليج وأوروبا) عبر قناة السويس تستغرق 35 يوما وعبر رأس الرجاء الصالح أكثر من 45 يوما، أما عند اكتمال طريق التنمية فإن المدة تنخفض إلى 25 يوما.
وأوضح أورال أوغلو أن المشروع يشمل 1200 كيلومتر من السكك الحديدية والطرق السريعة، ونقل الطاقة، وخطا للاتصالات.
وأشار إلى أن خط السكة الحديدية يمتد من قرية أوفاكوي التركية على الحدود مع العراق وصولا إلى أوروبا.
وكان الرئيس التركي أردوغان، قال في تصريح له حول زيارة بغداد إن الجانب العراقي يولي أهمية كبيرة بشكل خاص لزيارتنا، وبهذه الزيارة، نضع علاقاتنا كتركيا والعراق على أساس مختلف".
ومن المقرر أن يعقد اجتماعا مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في بغداد، يعقبه التوقيع على الاتفاقيات، كما يلتقي الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد.