يحتفل الأقباط الأرثوذكس يوم الأحد القادم 2 برمودة وفقاً للتقويم القبطي، بأحد المولود أعمي المعروف أيضاً بـ "التناصير"، وهو سادس آحاد الصوم الكبير حيث بدأ الأرثوذكس الصوم في 11 مارس الماضي، ويتبقى من الصوم أسبوعان ليختتم الأقباط صومهم في الأحد الثامن والأخير وذلك في 5 مايو حيث يحتفل الأقباط بأشهر وأقدس أعيادهم خلال العام "عيد القيامة".
وقسمت الكنيسة الصوم الكبير إلى 8 أسابيع يبدأ كل منها يوم الاثنين وينتهي يوم الأحد، وجعلت لأيام كل أسبوع قراءات خاصة ترتبط بعضها البعض ويتألف منها موضوع عام واحد هو موضوع الأسبوع، ونذكر آحاد الصوم الكبير على التوالي، وهم كالآتي: (أحد الكنوز، أحد ابن التجربة، أحد الأبن الضال، أحد السامرية، أحد المخلع، أحد المولود أعمى، أحد الزعف، أحد القيامة).
قصة المولود أعمى
تعود قصة أحد التناصير لمعجزة قام بها السيد المسيح ذكرت بالإصحاح التاسع في إنجيل يوحنا الإنجيلي "أحد البشارات الأربعة بالإنجيل"، وهذا الجزء يُقرأ في الكنيسة مرتين في أحد "التناصير" وفى الأحد التالي لعيد الغطاس أيضاً، وسرد يوحنا الإنجيلي هذه القصة كالآتي:
"وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ مَارّاً، رَأَى رَجُلاً أَعْمَى مُنْذُ وِلادَتِهِ، 2فَسَأَلَهُ تَلامِيذُهُ: «يَا مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ: هَذَا أَمْ وَالِدَاهُ، حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟» 3فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «لا هُوَ أَخْطَأَ وَلا وَالِدَاهُ، وَلكِنْ حَتَّى تَظْهَرَ فِيهِ أَعْمَالُ اللهِ. 4فَعَلَيَّ أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي مَادَامَ الْوَقْتُ نَهَاراً. فَسَيَأْتِي اللَّيْلُ، وَلا أَحَدَ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ. 5وَمَادُمْتُ فِي الْعَالَمِ، فَأَنَا نُورُ الْعَالَمِ». 6قَالَ هَذَا، وَتَفَلَ فِي التُّرَابِ، وَجَبَلَ مِنَ التُّفْلِ طِيناً، ثُمَّ وَضَعَهُ عَلَى عَيْنَيِ الأَعْمَى، 7وَقَالَ لَهُ: «اذْهَبِ اغْتَسِلْ فِي بِرْكَةِ سِلْوَامَ»، أَيِ الْمُرسَلِ. فَذَهَبَ وَاغْتَسَلَ وَعَادَ بَصِيراً".
ويقول القمص أنطونيوس فكري كاهن كنيسة السيدة العذراء بفانكوفر بكندا في كتاب "حياة السيد المسيح والزمان الذي عاش فيه": كان اليهود دائما ينسبون المرض أو الموت المفاجئ لعقوبة هذا الإنسان على خطية فعلها، ودائما ما نجد الربيين حينما يجدون إنسانا قد تعرض لمصيبة يسألونه ماذا فعلت ليحدث لك ذلك. ولكن هذا الإنسان وُلِدَ هكذا - إذًا ممكن أن يكون والديه هما اللذان أخطئا، فهناك اعتقاد يهودي أن الفضائل والعيوب تنعكس على الأطفال. وأن الطفل حتى سن الثالثة عشر مرتبط بوالده فهو جزء منه، لذلك هو يعاني من أخطاء والده، بل أن الأفكار الخاطئة للأم تؤثر على الجنين الذي في بطنها وقد تصيب بالعمى، وهناك اعتقاد كان سائدا بتناسخ الأرواح أو ما يسمى الحيوات المتكررة وهذا فكر أصله هندوسي، وإذا ولد مولود مشوه فهذا عقاب له على خطايا ارتكبها في حياة سابقة له. وهذا يقوله يوسيفوس المؤرخ اليهودي أنه فكر كان موجودا وسط الفريسيين. والكاتب هنا ينفيه عن الفريسيين ولكنه قد يكون سائدا وسط الناس، فمن سأل السؤال كانوا التلاميذ وليس الفريسيين.
وأكمل: والحقيقة أن سبب كل الألآم في العالم هو الخطية، منذ قال الله لآدم "ملعونة الأرض بسببك" وجاء المسيح ليصحح كل هذا وكمثال لذلك شفاء هذا الأعمى، [ولكن المسيح لم يرفع كل ألام البشر بل رأينا في معجزات الشفاء التي صنعها نموذج لإرادة الله في شفاء البشر من كل ألم، وجعل الله الألآم سببا لخلاصنا كما قال القداس الغريغوري "حوَّلت لي العقوبة خلاصا"]. المسيح جاء ليزيل كل أثار الشر الذي لحق بنا نحن البشر فهو ببساطة مخلصنا من الخطية وأثارها.
المولود أعمى
يسمى هذا الأحد المبارك بأحد التناصير لأن الكنيسة الأولى اعتادت أن تمنح لمعتنقي الإيمان المسيحي سر المعمودية المقدسة قبل عيد القيامة. وكانوا يلقبون بـ"جماعة الموعوظين"، وأنهم كانوا ينفردوا من بداية هذا الصوم بالصلاة والتسبيح، حتي ينضموا إلي باقي المسيحين في أسبوع الألم. واختارت الكنيسة لهذا اليوم فصلا من إنجيل معلمنا يوحنا البشير وهو الإصحاح التاسع بأكمله الذي يروى هذه الفريدة الأولي من نوعها التي لم يذكر في أي عهد أن هناك شخصا قد استطاع القيام بهذة المعجزة من قبل.
التعميد
لأن الكنيسة الأولى اعتادت أن تُعمد –أحد أسرار الكنيسة- الراغبين في الدخول للمسيحية قبل عيد القيامة الذى سيحل بعده بأسبوعين واختارت الكنيسة هذا اليوم حيث يصف حالة المعتمد قبل نوال سر المعمودية وبعدها، فحسب إيمان الكنيسة الأرثوذكسية فإن من يتقدم للمعمودية يعتبر مولودا أعمى بالخطية الأصلية وبقدرة المسيح يغتسل في جرن المعمودية (الذي يشير إلى بركة سلوام) فيخرج منها وقد تطهر من خطاياه وانفتحت عيون قلبه ونال بصيرة روحية يعاين بها أمجاد الحياة مع المسيح على الأرض وأمجاد الملكوت بعد أن يكمل أيامه على الأرض.
ومنذ ذلك الوقت اعتادت العديد من الأسر المسيحية أن تقوم بتعميد أبنائها في يوم "أحد التناصير" كعادة متوارثة من الكنيسة الأولي، علما بأن الكنيسة تسمح بمعمودية الأطفال بعد 40 يومًا من ميلاد الطفل.
البابا يتأمل
قال البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية في عظته الأسبوعية في الصوم الكبير العام الماضي متأملاً هذه المعجزة بقوله: "توجد صور للعمي الروحي مثل إنسان أعمى عن المسكين بكل صور المسكنة والكتاب يقول “طوبي لم يتعطف علي المسكين في يوم الشر ينجيه الرب” هو مبصر ولكن لا يري المسيح وهذا صاحب القلب القاسي لا يهمه شيء سوى راحته الشخصية فقط، وآخر أعمى عن الناس رغم وجوده في مجتمع إلا أنه لا يري أحد له عين وأذن ولكنه لا يسمع ولا يري ويتخيل أنه صح مثل الفريسين، وإنسان أعمي عن الموت".
وتابع، الموت هو الحقيقة الوحيدة الثابتة ولكن كثيرين لا يدركون هذا وأقرب مثال لهذا ”الغني الغبي“، وإنسان أعمي عن الحق لا يتكلم كلمة حق كلامه فاسد غير نقي، وإنسان أعمى عن الواجب وهذا نوع منتشر جدا هو ما لا يقم بمسئولياته وهذا يؤخر سير الحياة ويوجد من يتحدث دون أفعال فهل تنتبه لدورك ومسئوليتك؟، وإنسان أعمى عن الاعتذار لا يقدر أن يعتذر عن الخطأ في أديرتنا القبطية نتعلم أننا في كل مرة نرى بعض نقول لبعضنا “أخطيت سامحني”، وإنسان أعمى عن السماء والأبدية كل أفكاره في الأرض وأهدافه تراب هذه بعض الصور التي تكون أمام الناس مبصر لكنه أعمي".
وأضاف: ”أن الفريسين لا يقدروا أن يسمعوا أو يبصروا لو لم يكن هذا من الله لم يقدر أحد أن يفعل شيئا هذه الخطية صعبة أن تكون لدينا عيون وأذن ولا نبصر أو نرى ويأتي آخر يوم صيام في سبت الفرح نسمع” من له أذنان للسمع فليسمع” ممكن يكون لك أذن ولا تسمع مثل الفريسين .اذا أردت أن تبصر المسيح تراه في الفقراء والمعوزين والذين في ألم وتجربة وفي الأبرار والقديسين وهم يمجدون اسم الله وتراهم في خدمة الخدام وضع أمامك الخدمات الجيدة واتخذها قدوة قديما عندما أراد الرهبان أن يروا المسيح ذهبوا وفي طريقهم وجدوا رجل عجوز فتركوه فأتي الأنبا بيشوي وحمله وكان هذا هو السيد المسيح“.
وفي ختام العظة قال البابا:” السؤال هنا متي تقول إني كنت أعمي والآن أبصر؟ يعطينا مسيحنا استنارة وتكون حياتنا بصورة مجيد تمجد اسم الله على الدوام يباركنا مسيحنا بكل بركة روحية".