"ألا حــلـلــتَ عــن الأسـيــر وثــاقــه.. إن الــوثـــاق عـلـى الأسُــود ثــقــيــل".. بهذه الكلمات طالب أمير الشعراء أحمد شوقي بالإفراج عن بطل قصتنا التي نرويها في السطور القليلة القادمة، إنه عزيز باشا المصري، الرجل الذي كان له باع كبير في السياسة والحياة العسكرية معًا، بل وأطلق عليه العديد من الألقاب والتي كان من أبرزها "أبو الثوار".
وعبد العزيز علي المصري أو الفريق عزيز المصري، يعد أحد رواد حركات التحرر في الشرق الأوسط في أواخر القرن الـ 19 وأوائل القرن الـ 20، حيث ساهم في تأسيس العديد من الحركات الوطنية في مصر وتركيا أو الدولة العثمانية آنذاك.
ولد عزيز المصري عام 1880، لعائلة شركسية عريقة ترجع أصولها إلى القفقاس تعرف بعائلة ِشلبي، سكنت العراق لفترة ثم انتقلت إلى مصر، ووالده هو زكريا أفندي علي، وهو جركسي الأصل، وقد توفي حينما كان عزيز في العاشرة من عمره، فكفلته أمه التي توفيت بعد ٥ سنوات، فكفلته أخته لأمه.
تلقى عزيز المصري تعليمه في المدارس المصرية، حيث حصل عزيز علي البكالوريا من المدرسة التوفيقية عام ١٨٩٦، والتحق بمدرسة الحقوق، علي غير رغبته ونزعته إلي العسكرية تلبية لرغبة علي باشا ذو الفقار، وتعلم التركية في الإجازة وسافر إلي الآستانة، ودرس في المدرسة الحربية وتخرج منها عام ١٩٠٤، ليعمل في الجيش الثالث التابع للدولة العثمانية وخدم في مقدونيا ثم في ألبانيا، لتبدأ رحلته مع الحياة العسكرية.
حركات التحرر والحياة العسكرية لـ "عزيز باشا المصري"
وأثناء دراسته في المدارس العسكرية تتسم بظهور الدعوة للحركات الإصلاحية، وفي كلية أركان الحرب التقي عزيز المصري، مصطفي كمال الذي عرفناه بعد ذلك باسم مصطفي كمال أتاتورك (حاكم تركيا فيما بعد) الذي تولي بعد تخرجه منصبًا عسكريًا في دمشق واجتمع حوله عدد من الساخطين علي السلطان عبدالحميد، فكون في أكتوبر ١٩٠٦ جمعية "الوطن" التي نقلت مركزها إلي "سالونيك" وفي أوائل ١٩٠٧ تعاونت "الوطن" مع جمعية الاتحاد والترقي، والتي انضم اليها عزيز المصري فيما بعد عندما رفعت شعار اقامة دولة عثمانية ديمقراطية وشارك في انقلابها العسكري في العاشر من يوليو عام 1908، واضطر السلطان لأن يعلن في ٢٤ يوليو إعادة العمل بدستور ١٨٧٦، ولكن في أبريل ١٩٠٩ حدث نوع من التراجع والنكوص فزحفت قوات الاتحادين من سالونيك في ٢٣ أبريل ١٩٠٩ وكان عزيز المصري علي رأس إحدي فصائلها، وكان عزيز في مقدمة العناصر العربية في الجيش العثماني التي انحازت إلي الدستوريين إلي أن تم عزل السلطان في ١٩٠٩.
ثم ترك عزيز المصري الاتحاد والترقي بعدما تبدى له معاداتها للعرب، وأسس مع الشهيد سليم الجزائري الجمعية القحطانية، التي نادت بمملكة ذات تاجين العرب والترك.
وخلال حياته العسكرية، خاض العديد من المعارك ضابطًا ضمن القوات العثمانية في ألبانيا وليبيا واليمن وأبلى فيها بلاءً حسنًا، كما شارك في خلع السلطان عبد الحميد الثاني عن العرش، وعمل على إيقاف الحرب في اليمن عام 1910، حارب ببسالة وبطولة في ليبيا ضد الغزو الإيطالي. عاد إلى الأستانة عام 1913، وأسس جمعية العهد وهي جمعية عسكرية سياسية سريّة عربية في 28 أكتوبر 1913، اعتقل في 9 فبراير 1914، وحوكم في أول أبريل من العام ذاته بتهمة إنشاء دولة عربية مستقلة وصدر حكم ضده بالإعدام فلما ثارت ثائرة العرب في تركيا وخارجها وتصدي الأزهر لحملة الدفاع عنه وصدر عفو بشأنه، وأطلق سراحه في 21 أبريل 1914 ونُفي إلى مصر.
وحكم عليه بالإعدام، إلا أن حكم الإعدام قد أسقط عنه
ساهم في تأسيس وتنظيم الجيش النظامي للثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين بن علي، إذْ عُيّن رئيسا لأركان جيش الثورة العربية الكبرى ووزيرًا للدفاع في حكومة الشريف الحسين بن علي قائد الثورة العربية الكبرى، ولكنه أُعفي من منصبه بعد ستة أشهر في المنصب، وغادر الحجاز بعد أن اختلف مع الشريف حسين لعدة أسباب أهمها عدم ثقة عزيز المصري بالإنجليز والفرنسيين حلفاء الشريف حسين، فلكل من البلدين مخططات استعمارية تتصادم مع مبادئ وطموحات وأهداف جمعيته، جمعية العهد، وقد علم كبقية الضباط العرب وسياسيي الأحزاب العربية بالاتفاقات السرية التي عقدت بين الطرفين لاقتسام بلاد الشام والعراق. مما حدا به أن يتصل بالفريق فخري باشا قائد الجيش العثماني المحاصر في المدينة المنورة مع قواته، ويعرض عليه تحالفًا ضد القوات الأوروبية، مقابل أن يوافق الترك على منح العرب استقلالًا ذاتيًا. وحين علم الشريف حسين بهذا الاتصال، أعطى المصري إجازة إجبارية لمصر، وبدون عودة.
عينه الملك فاروق رئيس أركان الجيش المصري للمشاركة في محاولة تحديثه بعد معاهدة 1936 وقد اعتبره عبد الناصر والعديد من الضباط الأحرار أباهم الروحي. وقد ساعدوه (عبد المنعم عبد الرؤوف وكمال الدين حسين) في المحاولة الفاشلة للاتصال بالقوات الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية بالهروب بطائرة.
اعتُقل وسُجن ونُفي وحُدِّدت إقامته في مصر من قِبل سلطات الاحتلال الإنجليزي لمرات عديدة، ساهم في إعداد وتنظيم وتوجيه عمليات المجاهدين المصريين في فلسطين عام 1948 م كما اقترح خطة (توحيد الجبهة) لردِّ العدوان الثلاثي الغاشم عن منطقة قناة السويس عام 1956م.
رحل الفريق عزيز المصري وحيدا في منزله بمنطقة الزمالك في القاهرة في ٢٥ يوليو ١٩٦٥، وتكريما له أطلق اسمه على أحد شوارع القاهرة وهو شارع سكة حديد السويس أو المعروف بـ"جسر السويس" حاليًا ليحمل اسم شارع الفريق عزيز المصري، وفي آخر عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك تم تغيير اسم الشارع من الفريق عزيز المصري ليعود إلى التسمية السابقة "جسر السويس".