دفع تحول روسيا نحو الصين واندماجها المحتمل فى "السلام الصيني" أو ما يطلق عليه باللاتينية "باكس سينيكا"، الولايات المتحدة إلى مطالبة الأوروبيين بالضغط على بكين لوقف مساعدة موسكو فى حربها فى أوكرانيا، حسبما كتبت سيلفى كوفمان، بصحيفة "لوموند" الفرنسية.
ومؤخرا، حظرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واردات المعادن الروسية، إلا أنه فى الوقت نفسه، تحايلت موسكو على العقوبات الأوروبية من خلال تأمين الدعم من بكين لعملياتها العسكرية فى أوكرانيا، ما يسلط الضوء على العلاقات الروسية الصينية القوية فى ظل الحرب الدائرة، فقد شكّلت الحرب فى أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا تبعًا لذلك منفذا لتطور حجم العلاقات الاقتصادية بين موسكو وبكين، لا سيما بعد أن اتجهت روسيا إلى الصين على نحو واسع، هربا من الضغوطات المفروضة عليها فى ظل تلك العقوبات.
رسالة أمريكية لأوروبا
وقبل زيارة المستشار الألمانى أولاف شولتز إلى الصين، والتى انتهت يوم الأربعاء ١٧ أبريل، والرحلة المقبلة للرئيس الصينى شى جين بينج إلى أوروبا، حيث يستقبله الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون فى باريس فى ٦ مايو المقبل، أعلنت الولايات المتحدة عن عزمها إرسال هذه الرسالة إلى أوروبا: "بما أن لديكم علاقات مستمرة رفيعة المستوى مع بكين، استخدموها بشكل جيد للضغط على الصين لوقف مساعدة روسيا فى حربها فى أوكرانيا".
هذه الرسالة، التى رددها وزير الخارجية الفرنسى ستيفان سيجورنيه فى بكين بشكل مكثف خلال الأسابيع الأخيرة، والأمريكيون أنفسهم، والمستشار الألمانى أولاف شولتز، الذى فعل ذلك يوم الثلاثاء، تعكس قلق واشنطن بشأن أحد التأثيرات الجيوسياسية الأكثر إثارة فى الحرب بأوكرانيا، وهى تعزيز العلاقات الصينية الروسية.
ولإقناع أولئك الذين ربما شككوا فى أن هذا التعزيز كان له تأثير ملموس على مسار الحرب، وأنه يفسر جزئيًا مرونة الاقتصاد الروسي، أصدرت واشنطن بيانات سرية مسبقًا فى ١٢ أبريل، قالت إنه فى الربع الأخير من عام ٢٠٢٣، على سبيل المثال، زودت الصين روسيا بأكثر من ٧٠٪ من وارداتها من الأدوات الآلية المستخدمة فى إنتاج الصواريخ الباليستية.
علاوة على ذلك، على مدار عام ٢٠٢٣ بأكمله، جاءت ٩٠٪ من واردات روسيا من الإلكترونيات الدقيقة، والتى تعتبر ضرورية لتصنيع الصواريخ والدبابات، من الصين.
سبب الإصرار الأمريكي
لماذا هذا الإصرار الأمريكى المفاجئ على العامل الصيني؟ ربما تفاجأت واشنطن بالسرعة التى تمكن بها القطاع الصناعى الروسي، على الرغم من العقوبات الغربية، من التعافى وإنتاج ترسانة ضخمة من الأسلحة التى أحدثت فرقا على الأرض ضد القوات الأوكرانية المتعثرة، والتى أبطأت حركتها بسبب الحرب رغم تباطؤ وتيرة الإمدادات الغربية.
والدخل الكبير الذى يحصل عليه الكرملين من واردات النفط الروسية من الصين والهند معروف جيدا، وقد عوض هذا بالفعل خسارة موسكو للسوق الأوروبية. ومع ذلك، يبدو أن المساعدات المادية التى قدمتها الصين، والتى تم تقييم نطاقها بشكل سيء حتى الآن، لعبت دورا مهما، حتى لو لم تتجاوز الخط الأحمر المتمثل فى توريد الأسلحة الفتاكة. وهناك تفسير آخر يتلخص فى تعزيز المحور الروسى الصيني، وهو اتجاه رئيسى فى توازن القوى المتغير بين القوى العظمى.
وبالنسبة للولايات المتحدة، التى تقيس كل شيء فيما يتعلق بصعود القوة الصينية، فإن هذا لا يشكل اتجاها ينبغى إغفاله: ذلك أن العنصر الذى يعزز العلاقات بين الصين وروسيا هو المعارضة المشتركة للهيمنة الأمريكية.
هذا التقارب ليس جديدا تماما: فقد تحولت موسكو إلى الصين فى عام ٢٠١٤، عندما فترت العلاقات بين روسيا والدول الغربية بعد ضم شبه جزيرة القرم، مع الموجة الأولى من العقوبات، ومنذ ذلك الحين، زادت التجارة بين الصين وروسيا بشكل ملحوظ، ومع ذلك، ظل الاتحاد الأوروبى شريكا اقتصاديا مهما لموسكو حتى عام ٢٠٢٢. وبمجرد اندلاع الحرب الشاملة ضد أوكرانيا، كان على روسيا أن تتجه بالكامل نحو الصين.
لكن حسب مراقبين، ما هذا التوافق فى الواقع سوى "ذر للرماد فى الأعين" على حد وصفهم، حيث إن العلاقات الثنائية بين العملاقين العالميين "روسيا والصين" تتسم بالتباين فى عدة ملفات، من مصالحهما الاقتصادية إلى صراع النفوذ فى منطقة آسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتى سابقا وأيضا فى القارة الأفريقية.