الخميس 26 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

سياسة

"روسيا واليمين المتطرف".. كتاب يكشف اختراق الدب الروسي لـ10 دول أوروبية بدون سلاح

كلمة السر "موسكو"

روسيا واليمين المتطرف..
"روسيا واليمين المتطرف".. كتاب يكشف اختراق الدب الروسي لـ10
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كلمة السر "موسكو"

"روسيا واليمين المتطرف".. كتاب يكشف اختراق الدب الروسي لـ10 دول أوروبية بدون سلاح

»» "اليمين المتطرف" رأس حربة "بوتين" في مواجهة القارة العجوز

»» كيف نجح رئيس روسيا في كسب تأييد المتطرفين في الغرب؟!

»» المال والسياسة والدبلوماسية.. أسلحة روسية للسيطرة على المجتمعات الغربية

عرض ومناقشة: مصطفى حمزة

تناول كتاب "روسيا واليمين المتطرف: رؤى من عشر دول أوروبية" الاستراتيجية الروسية لتوظيف واستغلال اليمين المتطرف في 10 دول أوروبية، خلال العقد الماضي، متضمنًا أشكال الدعم ودرجة التأثير، سواء مع كيانات أو جماعات أو أفراد، ويبين كيف جمعت المصالح المشتركة بين الجانبين لمواجهة هدف واحد وهو: القتال من أجل "عالم متعدد الأقطاب"، وفي هذا السياق، ينظر اليمين المتطرف لبوتين على أنه نموذج لزعيم محافظ قوي قادر على الدفاع عن التقاليد ومعارضة الغرب، وشملت قائمة الدول التي تناولها الكتاب: النمسا - ألمانيا - صربيا - المجر – فرنسا - إيطاليا - سلوفاكيا – جمهورية التشيك - السويد - بولندا.

يكشف الكتاب الذي صدر حديثًا 2024 عن المركز الدولي لمكافحة الإرهاب "ICCT" عن علاقة روسيا باليمين المتطرف في أوروبا، وكيف توظفه لأغراضها السياسية وتحقيق مصالحة، مستخدمة تكتيكات أقل من الحرب من الناحية الفعلية، من خلال الاتصال بالأحزاب اليمينية المتطرفة المناهضة للأنظمة السياسية بغرض إعادة رسم الخريطة السياسية لمختلف الدول الغربية ودعمها، وتقوم بتبني استراتيجية الحرب السياسية لمواجهة هذا الوضع دون الإعلان عنها بشكل صريح.

وتعتبر روسيا اليمين المتطرف والمتطرفين في أوروبا والغرب جزءًا من هذه الاستراتيجية، وشريكًا في الحرب السياسية، حيث يتم استخدامهم كوسيلة لمواجهة القوى الغربية وتحقيق الأهداف الروسية من جهة، وفرصة لتوسيع نفوذها الجيوسياسي من ناحية أخرى، كما يتم تعزيز التحالفات والعلاقات مع هذه الجماعات لتحقيق أهداف مشتركة.

من ناحية أخرى يرى اليمين المتطرف أن روسيا شريك استراتيجي يمكن التحالف معه لمواجهة العولمة العالمية التي يفرضها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، إذ تهدد العولمة القيم اليمينية التي يسعى المتطرفون للحفاظ عليها، والتي من أهمها الحفاظ على الهوية الوطنية التي أوشكت على الذوبان بفعل هذه العولمة؛ لذا يسعى اليمين المتطرف إلى إقامة علاقة وثيقة مع روسيا لتحقيق انفصال تدريجي لبلدانهم عن مجال النفوذ الأوروبي الأطلسي والمؤسسات التي تمثله.

وتشير المقدمة إلى أن هذه الاستراتيجية تعتمد على توجيه اليمين المتطرف نحو تبني ودعم قضايا تتماشى مع مصالح روسيا، وذلك من خلال تشجيع الأفكار المضادة للغرب والتأكيد على العلاقات الإيجابية مع موسكو. ويتم تحقيق ذلك من خلال توجيه الجهود نحو تشجيع التواصل والتعاون بين روسيا واليمين المتطرف في أوروبا والغرب.

1 – النمسا.. التجسس لصالح الدب الروسي

قدمت روسيا دعمًا ماليًا ولوجستيًا للأحزاب اليمينية المتطرفة في النمسا، مما يمكنها من تعزيز نشاطها وتوسيع نطاق تأثيرها في البلاد، بالإضافة إلى تبادل الأفكار والتكتيكات؛ لتعزيز قدرات المنظمات اليمينية وتأثيرها السياسي، بما يؤدي إلى تغييرات في السياسة الداخلية للبلاد، بسبب تعزيز أفكار معينة أو تقديم دعم لسياسات محددة تتناسب مع أجندة روسيا. فضلًا عن التأثير في السياسة الخارجية للدولة بما يضطرها لتبني مواقف تجاه قضايا دولية تخدم مصالح روسيا.

ووصلت هذه العلاقات لحد التجسس على مكتب الحماية الدستورية ومكافحة الإرهاب (BVT) في النمسا لصالح روسيا من خلال عمليات استخباراتية تهدف إلى الحصول على معلومات سرية وحساسة. يُعتقد أن وكلاء استخبارات روسية قاموا بتجنيد أشخاص داخل BVT لتقديم المعلومات والوثائق السرية لصالح روسيا، مستغلين الضعف الأمني داخل المؤسسة، وتقديم الحوافز المالية أو السياسية للأفراد المجندين، واستخدام تقنيات الهندسة الاجتماعية للحصول على المعلومات المطلوبة.

وثبت تورط النمساوي جان مارساليك، المدير السابق لشركة الخدمات المالية الألمانية Wirecard، التي أفلست بعد التلاعب في الميزانية العمومية، في يونيو 2020، حيث عُرض عليه طريقة للتأثير على المكتب الاتحادي لحماية الدستور ومكافحة الإرهاب في النمسا BVT، الذي تم حله في عام 2021، وتم استبداله بمديرية حماية الدولة وخدمة المعلومات (DSN). 

قبل 2019 وقع حزب الحرية النمساوي "اتفاقية صداقة" مع حزب روسيا الموحدة –الحزب الحاكم في روسيا– للمشاركة في حكومة تُذكر بسياساتها الموالية لروسيا، خاصة أن حزب الحرية النمساوي مسؤول عن دفع الأحزاب الأكثر شعبية في النمسا نحو المواقف الموالية لروسيا، كما لعب معهد سوفوروف دورًا في تعبئة الجهات الفاعلة السياسية الأكثر راديكالية، مثل حركة الهوية، لصالح موسكو. 

2 – ألمانيا.. السيطرة على الإعلام

وفي ألمانيا، أقامت روسيا علاقات ودية مع حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي يبدى التيار المحافظ بداخله تعاطفه مع روسيا، مما انعكس على توجهات السياسة الخارجية للحزب عند التصويت في البرلمان الأوروبي. حينما امتنعت مجموعة من أعضائه عن التصويت على القرارات التي انتقدت عدوان روسيا على أوكرانيا.

كما تم ربط الدولة الروسية ببعض الحوادث العنيفة التي وقعت على يد اليمين المتطرف، مثل الانقلاب الذي قادته حركة Reichsburger اليمينية في ألمانيا. بالإضافة إلى مشاركة روسيا في حملات نشر معلومات زائفة، كما استفادت بعض الجماعات اليمينية المتطرفة في ألمانيا من علاقاتها مع روسيا، سواء من خلال دعم موسكو أو استخدام هذه العلاقات لجذب المزيد من المؤيدين. خاصةً أن روسيا تستخدم صورتها العسكرية القوية لجذب بعض الجماعات الألمانية المتطرفة ودفعهم نحو التعاون معها.

وكشف المكتب الاتحادي لحماية الدستور في تقريره السنوي لعام 2018 أن الدولة الروسية تقوم بتوسيع وجودها الإعلامي في ألمانيا من خلال امتلاك وسائل إعلام تنكر ملكيتها للدولة الروسية وتزعم أنها مستقلة من أجل إخفاء ارتباطها بالدولة من ناحية والتأثير بمهارة على الجمهور من ناحية أخرى، ومن أهمها موقع RT Deutsch عبر الإنترنت ووكالة الأنباء سبوتنيك Sputnik DE.

3 – صربيا.. تعاون استخباراتي

مع صعود الحزب التقدمي الصربي إلى السلطة في عام 2012. لم يشهد العقد الماضي تعاون الحزب مع حزب روسيا الموحدة (UR United Russia) -الحزب الحاكم في في روسيا- فحسب، بل شهد أيضًا تعزيز العلاقات بين مؤسسات الدفاع والاستخبارات والأمن الصربية والروسية.

ساهمت السمات المشتركة للأنظمة الصربية والروسية، وقربها الأيديولوجي، وإرث الحروب اليوغوسلافية في التسعينيات، والتي كانت موسكو خلالها متجذرة بشكل فعال في صربيا وعارضت بشدة حرب الناتو على بلجراد عام 1999، في تعزيز هذا التعاون بين العاصمتين.

وظل النفوذ الروسي في صربيا حاضرًا في المجتمع من خلال الأحزاب السياسية (بشكل أساسي حزب شيشيلي)، والكنيسة الأرثوذكسية، والجماعات اليمينية المتطرفة، والمثقفين. والسبب الرئيسي في ذلك هو أن روسيا دعمت موقف صربيا بشأن قضية كوسوفو، التي أصبحت أكثر أهمية بعد أن أعلنت الأخيرة استقلالها عن صربيا في عام 2008، واعترفت بها معظم الدول الغربية. 

وبصفتها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، منعت روسيا كوسوفو من الانضمام إلى الأمم المتحدة ووكالاتها ودعمت صربيا في هذا الموضوع على الساحة الدولية. وفي العام نفسه، باعت الحكومة الصربية صناعة النفط الصربية إلى شركة غازبروم نفط الروسية مقابل 400 مليون يورو، أي أقل بكثير من القيمة السوقية المقدرة.

كما تم الاتفاق على إدراج صربيا في مشروع خط أنابيب الغاز الروسي ساوث ستريم وبناء مرفق لتخزين الغاز تحت الأرض. وبهذه الطريقة، منحت صربيا روسيا كل أمن الطاقة تقريبًا.

تولت صحف ووسائل إعلام ومحطات فضائية صربية موالية للحكومة دعاية موالية لروسيا مثل إنفورمر، بوليتيكا، فيشرني نوفوستي، كورير، وبليك، وكانت رسائلهم مشحونة عاطفيًا أكثر بكثير من وسائل الإعلام الروسية! حيث ذكرت أن الجيش الروسي لن يتوقف في أوكرانيا، بل سيتدخل بعد ذلك في البلقان، لتحرير حلفائه من الحكم الليبرالي المفروض وتصحيح المظالم التاريخية التي تكبدها الغرب.

4 - المجر .. "وطننا" يدعم "موسكو"

وفي المجر تعمل أبرز الجماعات اليمينية المتطرفة (شبه العسكرية) تحت شكل من أشكال النفوذ الروسي، حيث تتمحور هذه المنظمات حاليًا حول حزب "وطننا"، وهو حزب يميني متطرف يدعم علنًا الجهود الجيوسياسية الروسية في الجمعية الوطنية المجرية، ويدين العقوبات المفروضة على روسيا بسبب غزو أوكرانيا.

وإلى جانب حزب "وطننا" تحظى روسيا بتأييد حركة الدفاع عن الضحايا أو جيش الخارجين عن القانون، كما يحتفظ فيكتور أوربان، رئيس الوزراء المجري، بعلاقات مغلقة مع القوى السياسية المتطرفة إلى يمينه، مثل حزب Jobbik (المعروف الآن باسم Mi Hazánk)، الذي يُعتبر أكثر تطرفًا وأشد تأييدًا لروسيا من حزب Fidesz الذي يدير الحكومة، وهذا التعاون يسمح لحكومة أوربان بتقديم وجه أكثر اعتدالًا للاتحاد الأوروبي، في حين يُمكنها استخدام اليمين المتطرف المحلي لتحريك المياه السياسية، من خلال الإدلاء بتصريحات معادية لأوكرانيا ومحاولة تحقيق تحسين العلاقات مع موسكو. 

وعلى الرغم من أن الحكومة تقمع أعمال التطرف اليميني، إلا أنها واجهت مفاجأة عندما طور بعض المتطرفين علاقات مع خدمات الأمن الروسية، مما يشير إلى تدخل روسيا في الشؤون الداخلية للمجر ودعمها للعناصر المتطرفة بهدف تعزيز تأثيرها في المنطقة.

5 – فرنسا .. الهروب إلى الكرملين

تدعم روسيا اليمين المتطرف في فرنسا من خلال استضافة شخصيات فردية من اليمين المتطرف الأوروبي ورفض تسليمهم إلى بلدانهم الأصلية، وتستضيفهم كـ"لاجئين" يهربون من السلطات في بلادهم، هربًا من الملاحقة والسجن بسبب آرائهم، حيث ترفض روسيا تسليمهم، مما يعزز صورتها كحامية وموفرة للقوى المناهضة للنظام في العالم، وبعضهم ينشرون رسائل معادية للغرب وموالية لروسيا عبر الإنترنت، مثل الفرنسي جويل سامبويس، ويمكن أن يكون لهؤلاء الأفراد فائدة للكرملين إذا قرر استخدامهم كوكلاء لتأثيره في الغرب.

ومن ضمن الشخصيات الفرنسية المقيمة في روسيا، رينالدو نازارو، الذي كان زعيمًا سابقًا لمنظمة "The Base"، التي تم تصنيفها كمنظمة إرهابية في كندا والمملكة المتحدة، وربما يمثل قيمة لروسيا كوسيلة لتعزيز تأثيرها في البيئة السياسية اليمينية المتطرفة في الغرب.

وينقسم اليمين المتطرف في فرنسا –حسب الكتاب- لأربع مجموعات، اليمين المتطرف الفرنسي يمكن تقسيمه إلى أربع مجموعات رئيسية الأولى: تتألف من اليمين المتطرف التقليدي، وتشمل الأحزاب والجماعات التي تتبنى أفكارًا قومية متطرفة وتعارض الهجرة والعولمة، والثانية: تضم اليمين المتطرف الجديد، وهي تشمل الحركات الشعبوية والمتطرفة التي تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي وتنظيم الاحتجاجات للتعبير عن آرائها، والثالثة: تتكون من اليمين المتطرف المسيحي، وتشمل الجماعات التي تجمع بين القومية والدين وتعارض الإسلام والهجرة، أما الرابعة: فتضم اليمين المتطرف المؤيد لروسيا، وتشمل الجماعات التي تروج لأفكار موالاة لروسيا وتعارض الاتحاد الأوروبي والناتو.

6 – إيطاليا.. هجمات سيبرانية

يتمثل التوظيف الروسي لليمين المتطرف في إيطاليا في التأثير السيبراني الذي يمكن أن تمارسه روسيا بشكل غير مباشر من خلال الهجمات السيبرانية ذات الدوافع الأيديولوجية لشبكة لا مركزية من الجهات الفاعلة الخبيثة عبر الإنترنت، بسلسلة من الهجمات الإلكترونية التي نفذتها جماعات نشطاء القرصنة الموالية لروسيا ضد مواقع المؤسسات الإيطالية بسبب معارضتها لغزو أوكرانيا، مما يؤدي لزعزعة الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد.

في مايو 2022، شنت مجموعة القرصنة كيلنت الموالية لروسيا سلسلة من هجمات حجب الخدمة الموزعة ضد مواقع العديد من المؤسسات الإيطالية، مثل مجلس الشيوخ والمعهد الوطني للصحة ووزارة الدفاع، مما جعلها غير قابلة للوصول مؤقتًا؛ معاقبةً لإيطاليا بسبب معارضتها للغزو العسكري الروسي لأوكرانيا. 

وعلى الرغم من أن هذه الهجمات لم تجلب أي تداعيات خطيرة، حيث كانت المواقع غير متصلة بالإنترنت لبضع ساعات، إلا أن نجاح كيلنت كان يتمثل في وضع رواية شرسة حول الحرب في أوكرانيا وتضخيمها من خلال هجماتها الإلكترونية. والإعلان صراحة عن دعمها الهجوم الروسي عندما بدأت الحرب. 

كان هدف المجموعة هو إلحاق الضرر بالحكومات الغربية بسبب دعمها المطلق لأوكرانيا والمشاعر المعادية لروسيا. من خلال مزيج من مهاراتهم التكنولوجية ومعتقداتهم الأيديولوجية، يتماشى هذا مع استراتيجية روسيا السيبرانية المتمثلة في الاستفادة من الهجمات السيبرانية من الجهات الفاعلة غير الحكومية التي تعمل بالوكالة نيابةً عنها، في حين أن الكرملين لا يتعارض مع هذه الادعاءات ولا يتدخل لوقف مثل هذه الهجمات السيبرانية.

يشترك كل من اليمين المتطرف في إيطاليا ومجتمع القرصنة الموالي لروسيا في صلات أيديولوجية، لا سيما فيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية، ويؤثران بشكل غير مباشر على بعضهما البعض من خلال تضخيم الأخبار المؤيدة للغزو الروسي. بالإضافة إلى ذلك، قد تكون هذه المجتمعات عبر الإنترنت أرضًا خصبة للمجموعات اليمينية المتطرفة أو الأفراد ذوي المهارات السيبرانية المنخفضة، حيث يمكنهم تعلم كيفية شن هجمات إلكترونية من جماعات القرصنة الموالية لروسيا.

بالإضافة إلى تورط عدد من أعضاء الجبهة الوطنية الإيطالية المؤيدة لروسيا علنًا، في القتال على الجانب الروسي في أوكرانيا، بين عامي 2014 و2016، حيث كان هناك ما يقرب من 50 إلى 60 مقاتلًا أجنبيًا إيطاليًا في أوكرانيا، بينما انخفض العدد حاليًا إلى أربعة عشر.

7 – سلوفاكيا.. "عندما تأتي الحرب" 

يجب تصور التأثير الروسي على اليمين المتطرف والمتطرفين اليمينيين في سلوفاكيا في سياق أوسع للعلاقات والتاريخ الروسي السلوفاكي، وعلى وجه التحديد، تصور روسيا وبصمتها في سلوفاكيا. حيث تؤثر هذه العوامل بشكل كبير على قدرة الجهات الفاعلة الروسية على الاستفادة من عناصر معينة من الوسط اليميني المتطرف لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، خاصة أن سلوفاكيا هي الدولة الأكثر تأييدًا لروسيا في منطقة أوروبا الوسطى والشرقية.

وتناول الكتاب حالتين، الأولى تتعلق بالحزب السياسي اليميني المتطرف حزب الشعب – سلوفاكيا وحركة الجمهورية التي خلفته، وتم اختياره كمثال نموذجي للمتطرفين اليمينيين الذين تحولوا إلى سياسيين، واعتنقوا مواقف وروايات مؤيدة لروسيا ومعادية للغرب، والتي تتماشى مع الأهداف الاستراتيجية الروسية. كان النفوذ الروسي في هذه الحالة، غير مباشر في الغالب. 

أما الحالة الثانية فتشمل مجموعة شبه عسكرية من المجندين السلوفاكيين، والتي توضح كيف حاولت روسيا -وإلى حد ما فشلت- في إنشاء منظمة شبه عسكرية عنيفة في الاتحاد الأوروبي والدولة العضو في الناتو. وأوضحت هذه الحالة بشكل جيد الأساليب والمناهج والأدوات التي طبقتها روسيا في ممارسة نفوذها في الوسط الوطني شبه العسكري. كما أنه يمثل أقرب مثال على جماعة عنيفة، لأن الجماعة شبه العسكرية كانت تستعد بوضوح لنزاع مسلح وكان ولاؤها للقوات المسلحة السلوفاكية الرسمية مشكوكًا فيه للغاية. اكتسبت هذه المجموعة أيضًا اهتمامًا دوليًا بسبب فيلم وثائقي من شبكة "إتش بي أو" بعنوان: "عندما تأتي الحرب" يقدم منظورًا داخليًا حول العمل الداخلي للمجموعة وأيديولوجيتها.

8 – التشيك.. الاحتجاج بالعلم الروسي

يبدو أن الاحتجاجات التي شهدتها جمهورية التشيك والتي كانت تحمل طابعًا شعبويًا يمينيًا متطرفًا تأثرت بشكل كبير بالتضليل الروسي وتأثيراته في الاتحاد الأوروبي، حيث تظهر الاحتجاجات تنوعًا كبيرًا في الجماهير المشاركة، وتعكس مستويات عالية من عدم الرضا والقلق الاقتصادي بين السكان، واللافت للنظر هو تتنوع ملامح المشاركين في هذه الاحتجاجات بين أولئك الذين يحملون رموزًا للحقبة الشيوعية بما في ذلك رموز الحزب الشيوعي والحزب الوطني الاجتماعي التشيكي، وكذلك رموز اليمين المتطرف مثل حزب العمال للعدالة الاجتماعية "DSSS"، وكان من بينهم أولئك الذين يرفعون الأعلام الروسية ويرددون الشعارات الروسية أيضًا!.

ويعكس وجود هذه الرموز والشعارات الروسية بين المشاركين التأثير الروسي المحتمل والمثير للقلق، داخل جمهورية التشيك، بما في ذلك الدعوات إلى ضرورة التعامل مع العوامل المحلية لعدم الرضا والتأثيرات الخارجية على الأراضي التشيكية.

ولم يلاحظ وجود صلة واضحة بين اليمين التشيكي المتطرف والناشطين الموالين لروسيا في جمهورية التشيك إلا حوالي عام 2015. كان مرتبطًا بالأنشطة الدولية للاتحاد الروسي في الأراضي الأوكرانية في عام 2014. 

في عام 2014، أعرب الحزب الديمقراطي الاجتماعي في جمهورية التشيك عن دعمه للنظام الروسي ولفلاديمير بوتين من خلال رسالة إلى السفير الروسي، حيث أعرب عن دعمه لروسيا في جهودها لضمان النظام والأمان والاستقرار في أوكرانيا. وأشار الحزب في الرسالة إلى أن الصراع بين الغرب وروسيا يعود إلى الكراهية العميقة للبلد القوي الروسي، الذي لم يتنازل عن دوره الهام في السياسة العالمية.

هذا التصريح يعكس دعم الحزب الديمقراطي الاجتماعي لروسيا ولفلاديمير بوتين في الصراعات الدولية والقضايا السياسية، ويعكس توجه الحزب نحو تعزيز العلاقات مع روسيا ودعم سياساتها.

ويقول التقرير السنوي لدائرة المعلومات الأمنية التشيكية (BIS) لعام 2015: قدم جزء من اليمين المتطرف نفسه بشكل بارز مع المواقف الموالية لروسيا، وخاصة المقالات على الإنترنت وتنظيم العديد من الأحداث التي أراد من خلالها أن يجعل نفسه مرئيًا في وسائل الإعلام. كما بدأت بعض الكيانات، التي لم تفعل ذلك في السنوات السابقة، في التعبير عن نفسها بأنها موالية لروسيا.

وساهمت أنشطة اليمين المتطرف التشيكي والجهات الفاعلة الموالية لروسيا بشكل كبير في تطرف جزء من المجتمع التشيكي. في السنوات الأخيرة، شهدت الجمهورية التشيكية ارتفاعًا في حالات السلوك المعادي للنظام بين المواطنين الذين لا تربطهم صلات سابقة أو واضحة بالتطرف.

9 – السويد.. حياة أو موت

كان التأثير الروسي على اليمين المتطرف في السويد بمثابة حياة أو موت. ففي الشتاء من عام 2016، تعرضت مدينة جوتنبرج السويدية لسلسلة من الهجمات الإرهابية بعد قيام مهاجمين مجهولين بتفجير قنابل محلية الصنع ثلاث مرات على مدى ثلاثة أشهر، استهدفوا بها طالبي لجوء ويساريين. ولحسن الحظ، فشلت هذه القنابل البدائية في قتل أي شخص، على الرغم من أن رجلًا اكتشف بالصدفة إحدى القنابل وتعرض لانفجار وأصيب بشكل دائم. 

واتضح أن وراء هذه الهجمات ثلاثة أعضاء ناشطين في حركة المقاومة النوردية النازية، وأن اثنين منهم تلقوا تدريبًا عسكريًا من قبل حلفائهم الروس في معسكر خارج سانت بطرسبرج قبل أشهر قليلة من تنفيذ الهجمات الإرهابية في السويد. وقد أدت هذه الحادثة مباشرة إلى تصنيف حركة المقاومة الإمبراطورية الروسية كمجموعة إرهابية من قبل وزارة الخارجية الأمريكية.

 

ويفضح الكتاب تناقض الدولة الروسية في التعامل مع اليمين المتطرف، ففي الوقت الذي تمنحه فيه بعض الحرية داخل بلادها، لمهاجمة ممثلي الأقليات المسلمة أو النشطاء، أو الصحفيين الذين يعتنقون وجهات نظر ليبرالية وينتقدون الكرملين.

10 – بولندا.. إنسى يا "بوتين"!

يصعب على روسيا تأسيس حزب مؤيد لها في بولندا بسبب عدة عوامل تاريخية وسياسية، منها:

1. التاريخ الطويل للصراع: بولندا كانت تحت الاحتلال الروسي لمدة 123 عامًا، وكانت تعاني من التأثير السوفيتي خلال الفترة الاشتراكية بعد الحرب العالمية الثانية. هذه الفترة الطويلة من التاريخ تجعل من الصعب على الروس تأسيس حزب مؤيد لها في بولندا.

2. التوجه السياسي الحالي: بولندا اتخذت موقفًا واضحًا نحو الغرب والتحالف مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو). وتدعم الأحزاب الرئيسية في بولندا عضويتها في الاتحاد الأوروبي والناتو، وتعارض الغزو الروسي لأوكرانيا.

3. الرفض الشعبي: تظهر استطلاعات الرأي أن الغالبية العظمى من البولنديين يدعمون عضويتهم في الاتحاد الأوروبي والناتو، ويعارضون السياسات الروسية. 

4. القوانين والتنظيمات: بولندا تفرض قوانين صارمة على الأحزاب السياسية وتنظيماتها، وقد تكون هناك عقبات قانونية وإدارية تجعل من الصعب لحزب مؤيد لروسيا تأسيس نفسه بشكل قانوني وناجح في بولندا.

وعلى الرغم من ذلك فإن اليمين المتطرف البولندي لا يزال منقسمًا بشأن القضية الأوكرانية، ففي الوقت الذي تتخذ الجماعات الفاشية الجديدة والنازية عمومًا موقفًا مؤيدًا لأوكرانيا، فإن الحزب الكونفدرالي اليميني المتطرف والجماعات الوطنية البلشفية موالية لروسيا إلى حد كبير. 

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاتحاد هو تشكيل أكبر بكثير وله وزن سياسي أكبر بكثير من الجماعات الفاشية الجديدة، والنائب غريغورز براون نفسه هو النائب الأكثر بروزًا في الاتحاد، والناشط في الأنشطة المناهضة لأوكرانيا، والضيف المتكرر لوسائل الإعلام الروسية. حوله الكثير من الأشخاص الذين يعبرون عن وجهات نظرهم المؤيدة لروسيا والمناهضة لأوكرانيا، وهم مرتبطون بشكل مكثف بسياسيين أوروبيين آخرين من المعسكر الموالي لروسيا.