ترأس البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، صباح اليوم الأربعاء، المقابلة العامة في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان ، وتحدث اعن فضيلة الاعتدال.
وقال البابا فرنسيس، حسب ما نشرته الصفحة الرسمية للفاتيكان، إن الاعتدال هو الفضيلة الأخلاقية التي تكبح جماح شهوة الملذات وتمنح الاتزان في استعمال الخيرات المخلوقة"، كما تؤمِّن سيطرة الإرادة على الغرائز، وتحفظ الرغائب في حدود الاستقامة، والرجل القنوع يوجه نحو الخير شهواته الحسية، ويحافظ على اعتدال مقدس، و"لا يتتبع هواه ليسير في شهوات قلبه".
وتابع بابا الفاتبكان: لذلك فإن الاعتدال، كما تقول الكلمة الإيطالية، هو فضيلة التدبير الصحيح. فهو يتصرف بحكمة في كل موقف، لأن الأشخاص الذين يحركهم الاندفاع أو الافراط لا يمكن الاعتماد عليهم في نهاية المطاف. وفي عالم يفتخر فيه الكثير من الأشخاص بأنهم يقولون ما يفكرون فيه، يفضّل الشخص المعتدل أن يفكر فيما يقوله. فهو لا يقدم وعوداً فارغة، بل يأخذ على عاتقه التزامات بالقدر الذي يمكنه أن يتمّمها.
واستطرد البابا فرنسيس: حتى مع الملذات، يتصرف الشخص المعتدل بحكمة، إن التعبير الحرّ للنزوات ومنح الترخيص الكامل للمتع والملذات ينتهي به الأمر بالانقلاب علينا ويجعلنا ننزلق في حالة من الملل. كم من الأشخاص أرادوا بشراهة أن يجرِّبوا كل شيء، ووجدوا أنفسهم يفقدون اللذة في كل شيء، ومن الأفضل إذًا أن نبحث عن المعيار الصحيح: وعلى سبيل المثال، لكي نستطيب نبيذًا جيد، أن نتلذّذ به في رشفات صغيرة أفضل من تناوله في جرعة واحدة. والشخص المعتدل يعرف كيف يزن ويقيس الكلمات جيدًا. ولا يسمح للحظة غضب بأن تدمر العلاقات والصداقات التي لا يمكن إعادة بنائها إلا بصعوبة. لاسيما في الحياة العائلية، حيث تنخفض الموانع، ونحن نتعرّض جميعًا لخطر عدم السيطرة على التوترات والانزعاج والغضب. وهناك وقت لكي نتكلّم ووقت لكي نصمت، ولكن كلاهما يتطلبان المعيار الصحيح.
وتابع البابا فرنسيس: إذا كان الشخص المعتدل يعرف كيف يتحكم في أعصابه، فهذا لا يعني أننا سنراه دائمًا بوجه مسالم ومبتسم. في الواقع، من الضروري أحيانًا أن نغضب ونسخط، ولكن دائمًا بالطريقة الصحيحة. أحيانًا قد تكون كلمة عتاب سليمة أكثر من الصمت اللاذع والمُمتعض. إن الشخص المعتدل يعرف أنه لا يوجد شيء أكثر إزعاجًا من إصلاح الآخر، لكنه يعلم أيضًا أن ذلك ضروري: وإلا فسيُطلَق العنان للشر. في بعض الحالات، ينجح الشخص المعتدل في الحفاظ على الطرفين معًا: فهو يؤكد على المبادئ المطلقة، ويطالب بقيم غير قابلة للتفاوض، ولكنه يعرف أيضًا كيف يفهم الأشخاص ويظهر التعاطف معهم.
وأضاف البابا فرنسيس إن عطيّة الشخص المعتدل هي التوازن، وهي صفة ثمينة بقدر ما هي نادرة، كل شيء في عالمنا في الواقع، يدفعنا نحو الإفراط، أما الاعتدال فيتناسب بشكل جيد مع المواقف الإنجيلية مثل الصغر، والتكتم، والعيش في الخفية، والوداعة، إن المعتدل يقدِّر احترام الآخرين، ولكنه لا يجعل منه المعيار الوحيد لكل فعل وكل كلمة، هو شخص حساس، يعرف كيف يبكي ولا يخجل من ذلك، لكنه لا يشعر بالأسف على نفسه، وإذا هُزم ينهض من جديد؛ وإذا انتصر هو قادر على أن يعود إلى حياته الخفية المعتادة، فهو لا يبحث عن التصفيق، ولكنه يعرف أنه يحتاج للآخرين.
وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول: “ليس صحيحًا أن الاعتدال يجعل المرء رماديًا وكئيبًا، لا بل هو يجعله يستمتع بشكل أفضل بخيور الحياة: الجلوس معًا إلى المائدة، وحنان بعض الصداقات، والثقة بالحكماء، والاندهاش بجمال الخليقة. إنَّ السعادة مع الاعتدال هي الفرح الذي يزهر في قلوب الذين يعرفون ويقدرون ما هو أكثر أهمية في الحياة”.