حاولت إيران إنشاء قاعدة بحرية دائمة على ساحل البحر الأحمر فى السودان، وقوبل طلبها بالرفض، مما يسلط الضوء على ديناميكيات القوة المعقدة فى الدولة الواقعة فى شرق أفريقيا التى مزقتها الحرب، حسبما كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال"، فى ٣ مارس ٢٠٢٤، فى مقال بعنوان: "إيران حاولت إقناع السودان بالسماح بإقامة قاعدة بحرية على ساحل البحر الأحمر".
وجاء هذا الرفض رغم أن طهران وعدت الخرطوم بإرسال سفينة حربية لمساعدتها فى حربها ضد قوات الدعم السريع المتمردة، مقابل السماح لها بالوصول إلى ساحل البحر الأحمر.
وقال مصدر استخباراتى سودانى للصحيفة الأمريكية إن "الإيرانيين أشاروا إلى أنهم يريدون استخدام هذه القاعدة لجمع المعلومات الاستخبارية وتمركز السفن الحربية هناك"، مشيرًا إلى أن رفض السودان كان مدفوعًا بالرغبة فى الحفاظ على علاقاته المتوازنة.
كما وعدت إيران بتقديم طائرات هليكوبتر للبلاد فى حالة التوصل إلى اتفاق لإقامة القاعدة فى البحر الأحمر.
وبحسب المسئول الاستخباراتى السودانى الكبير أحمد حسن محمد، عرضت إيران على السودان أسلحة متطورة، بما فى ذلك سفينة حربية قادرة على حمل طائرات هليكوبتر، مقابل الإذن ببناء القاعدة الشهيرة.
وقال المسئول إن القاعدة كانت ستسمح لإيران "بجمع معلومات استخباراتية" و"تمركز سفن حربية" بالقرب من مواقع وممرات حيوية بالمنطقة.
لكن السودان حسم الموقف ورفض العرض، وعلى الرغم من رفض طلب إيران، إلا أنه يسلط الضوء على الأهمية الاستراتيجية للسودان، وخاصة ساحله على البحر الأحمر، بالنسبة للقوى الإقليمية.
وبغض النظر عن ذلك، فقد انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين السودان وإيران منذ عام ٢٠١٦. ومع ذلك، فى يوليو ٢٠٢٣، التقى وزيرا خارجية البلدين، وأعربا عن رغبتهما فى استعادة العلاقات. وتبدى طهران اهتماما خاصا بتجديد التعاون مع الخرطوم، حليفتها السابقة، بهدف توسيع نفوذها تجاه هذا البلد الاستراتيجي، مستفيدة من موقعها المميز على البحر الأحمر.
ومن المؤكد أن تطلعات إيران إلى توسيع نفوذها العسكرى فى المنطقة كانت متوقعة.
وفى الواقع، فإن نشر المدمرة الإيرانية ألبرز عبر مضيق باب المندب باتجاه البحر الأحمر يشير بوضوح إلى النية الإيرانية لتعزيز وجودها فى الممرات البحرية ذات الأهمية الاستراتيجية للغاية.
وارتبطت هذه الخطوة ارتباطًا وثيقًا بدعم طهران للمتمردين الحوثيين، ودفعت الولايات المتحدة إلى إنشاء قوة بحرية تهدف إلى حماية خطوط الشحن من الهجمات المحتملة من قبل الميليشيات الموالية لإيران.
ويجد السودان نفسه فى موقف دقيق، للحفاظ على مصداقيته على الساحة الدولية. وكان عرض إيران تعزيز القدرات العسكرية للسودان مغريًا، لكنه تضمن مخاطر جيوسياسية. وشدد أحمد حسن محمد، كبير مستشارى المخابرات للقائد العسكرى السوداني، على مدى تعقيد هذه القضايا.
التداعيات على الأمن الإقليمي
إن قرار السودان بعدم استضافة قاعدة بحرية إيرانية على ساحل البحر الأحمر لا يمنع تصعيدًا فوريًا للتوترات الإقليمية، لكنه يسلط الضوء على الصراع المستمر من أجل النفوذ فى هذه الممرات البحرية الحيوية.
إن محاولة إيران إقامة وجود عسكرى دائم فى البحر الأحمر تعكس تطلعاتها الأوسع نطاقًا لتوسيع قوتها خارج حدودها، وبالتالى تحدى النماذج الأمنية القائمة والمطالبة باستجابات يقظة من القوى العالمية الكبرى والجهات الفاعلة الإقليمية.
أوليفييه دوزون: مستشار قانونى للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والبنك الدولى. من أهم مؤلفاته: «القرصنة البحرية اليوم»، و«ماذا لو كانت أوراسيا تمثل الحدود الجديدة؟» و«الهند تواجه مصيرها».. يتناول فى مقاله، محاولة دولة الملالى توسيع نفوذها العسكرى، بطلبها من السودان إنشاء قاعدة بحرية على سواحله بالبحر الأحمر إلا أن القيادة السياسية فى الخرطوم رفضت الطلب نهائيًا.