من منّا ينسى الحوار الشهير الذي دار بين سي السيد والست أمنية في مشهد رائع بفيلم «بين القصرين» للأديب العالمي نجيب محفوظ، عندما كُسرت ساقها حين ناداها سيدنا الحسين، “السوارس صدمني ياسي السيد”، جملة ترددت على مسامعنا لم ندرك معناها، فماذا تقصد أمنية؟ أهي تقصد الأتومبيل مثلا، لا، فالسوارس وسيلة نقل مبتكرة في هذا العصر ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
والسوارس هى وسيلة لنقل الركاب بشكل مبتكر وجديد وقتها، فقديمًا كان الناس يستخدمون البغال والحمير بشكل فردي للتنقل بين الأحياء، وكان هذا حافز لمجموعة من الناس لابتكار وسيلة نقل جماعية لنقل عدد ركاب أكبر، فتم استخدام عربة خشبية تجرها الخيول والحمير وسُميت «إمنيبوس»، ولكن اسم سوارس جاء نسبة إلى عائلة صاحبها وهى عائلة يهودية تعيش بمصر هاجرت من أسبانيا في ذلك الوقت وقد احتكرت هذا النوع من وسائل النقل إلى جانب عائلات يهودية أخرى.
وكانت هناك قواعد ولوائح تحكم سائق السوارس، فهى لم تكن مجرد عربة تجرها الخيول فحسب، ولكن تخضع لترخيص البلاد بأرقام ورخصة تعطى للسائق، فقد صدر قرار عام 1901م، ينص على أن يجب على كل صاحب عربة المعدة للأجرة في المواقف والعربخانات عند الطلب وعربات الأومنيبوس المعدة للأجرة الخاصة بالفنادق" الأوتيلات" أو بالمدارس أو بأي محل آخر لابد أن يقدم اسمه أو لقبه للسلطة المختصة، وكذلك سكنه ومحل إقامته ويبين عدد العربات التي يريد تشغيلها وكذلك المحافظة أو المديرية التي يعمل بها، ثم تعطى له رخصة عن كل عربة باسم صاحبها بثمن قدره 5 قروش، بالإضافة إلى أن العربة يجب أن تكون متينة ونظيفة وذات حجم مناسب لضمان سلامة الركاب، وحتى الخيول والحمير يشترط أن تكون سليمة وخالية من الأمراض، وكان يتم الفحص من خلال مندوب من البوليس لإعطاء صاحب السوارس الترخيص.
وتعتبر السوارس هى وسيلة المواصلات العامة للشعب في شوارع القاهرة، حيث كان يعمل بها حوالي 1739 عاملا، فكانت حرفة الحمارة من أكثر الحرف تعدادًا بالقاهرة.
وكانت السوارس محل اهتمام الدولة بشكل مستمر، نظرًا لأنها تخدم قطاع عريض من الشعب، ففي عام 1918 صدر قرار أنه لا يجوز تشغيل عربة ما لم تكن عليها نمرتها وهذه النمرة ترسم على مؤخرة العربة وعلى ألواح زجاج الفوانيس بحسب الرسم الذي تقرره المحافظة أو المديرية، وتكون النمرة باللون الأحمر على عربات المواقف وباللون الأسود على عربات الطلب "الخصوصي" أما عربات الإمنيبوس المعدة للأجرة فتكون نمرتها على جانبيها وعلى مؤخرتها واضحة وكل عربة تشتغل ليلا تكون نمرتها على الفانوس، كما لا يجوز للعربجية قبول أشخاص بعينهم ويجب الإعلان عن عدد الأشخاص، ويجب على البوليس ضبط أي عربة غير حائزة للشروط وإحضارها للقسم وكل حيوان يراه البوليس غير متوفر شروط الصحة يمنع البوليس تشغيله بعد الكشف عليه من خلال طبيب بيطري ولا يجوز إعادته للعمل إلا بأخذ تصريح من الطبيب البيطري، ويجب ان يكون عمر المتقدم لهذه الوظيفة لا يقل عن 18 عام، وسليم النظر وغير محكوم عليه بأي عقوبة أو جناية.
وكان هناك عدد من الحوادث جراء هذا النوع من وسائل النقل، فلتفادي حوادث العربات التي كانت تسير بالحمير، كان المكاري أو صبيه يجرى بجانب الحمار أو خلفه ليطلق نداءات لأبعاد المارة في الشوارع الضيقة المزدحمة.
كما عينت المحافظة والمديرية خطوط السير ويجب على العربجية الوقوف بمجرد تنبيه رجال البوليس لهم، أما عام 1928م فقد تم وضع قانون يلزم بأن يوضع على الجانبين الأماميين من العربة مصباحان أبيض وأحمر وتضاء هذه المصابيح مادامت العربة في الطريق العمومي بين غروب الشمس وشروقها،ولا يجوز أن تستعمل في العربة أجهزة تنبيه خلاف الجرس، كما لا يجوز للعربجية أن يسيروا في الشوارع بحثا عن الركاب ولا أن يقفوا أمام الأبواب إلا إذا أمرهم الراكب بالانتظار.
وبرغم ظهور الترام عام 1896م، إلا أنه تم استقباله استقبالًا سيئًا، فقد رأى أصحاب السوارس تهديدًا لمصدر دخلهم، ولذا فقد روجوا لعدة شائعات حتى يجنبوا الناس ركوبه، ومن ضمن هذه الشائعات أنه يصيب وخاصة النساء بالعقم وأطلقوا عليه لقب العفريت واستمرت هذه الشائعات وقت طويل من الزمن بين الناس، حتى مع مرور الوقت تناسى الناس ذلك وبدأوا في استخدامه دون خوف، ومع مرور الزمن اندثرت مهنة السوارس ولم تعد قادرة على مجريات العصر بعد ظهور عربات الأجرة ((التاكسي)) وغيرها.