توقفت فى المقال السابق عندما ذكر رئيس وزراء الهند للأستاذ محمد حسنين هيكل بانه لم يكن يعرف من أحزاب مصر غير حزب الوفد ولا يعرف من زعماء هذا الحزب غير "النحاس" باشا و"مكرم عبيد" باشا وقال إنه قابلهما حينما زار مصر بدعوة من "النحاس" باشا لمدة يوم واحد عام ١٩٣٨ عندما كان في طريقه إلى أوروبا وعرف "النحاس "باشا بانه سوف يعبر قناة السويس على باخرة من الهند إلى فرنسا فبعث له بخطاب يدعوه لزيارته وبالفعل ترك الباخرة في السويس وتوجه إلى القاهرة ثم إلى الاسكندرية وقابله ثم ركب نفس الباخرة من الاسكندرية عائدا إلى أوروبا وقال رئيس وزراء الهند إنه لاحظ أن "النحاس" باشا كان مغرما بالتفاصيل الصغيرة وأن "مكرم عبيد" "باشا كان شديد الذكاء ثم سأل رئيس الوزراء الهندي الكاتب عن موقف كل منهما بعد قيام ثورة يوليو ١٩٥٢ كما سأله عن علاقتهما بهذه الثورة وهل هى علاقة صداقة أم عداوة وقال إن الأمر ليس واضحا أمامه رغم أن مصر تهم الهند بالقطع...وذكر للكاتب أن بعض الأخبار تسميها "انقلابا" وبعضها يسميها "حركة" وهناك من يقول إنها "ثورة " وقال لكنه لا يرى مؤشرات ثورة مع تسليمه بأن مصر كانت في حالة ثورية...!
ولم ينتظر رئيس الوزراء الهندي إجابة من الكاتب لكنه وجه له سؤالا قال له ما الذي تريد أن تعرفه عن الهند في ربع الساعة الباقية...!
وقد وصف الكاتب شعوره بالضيق فلم تكن الربع ساعة كافيه لحوار حقيقي وخرج من مكتبه مع شعوره بانه أحب الهند ولكن لم يستطع أن يحب زعيمها "نهرو" رغم كل ما سمع عنه وقرأ... وتحدث الكاتب عن لقائه الثاني مع "جواهر لال نهرو "رئيس وزراء الهند في القاهره عام ١٩٥٤.
قال إنه خرج بنتيجة أحسن من لقائه معه في دلهى حيث كان مدعوًا معه على الغداء في القناطر الخيرية صحبة الرئيس جمال عبد الناصر على الباخرة النيلية "محاسن" وذكرالكاتب أن الباخرة في طريق الذهاب إلى القناطر كانت الجلسات فيها بين اثنين فقط الرئيس جمال عبد الناصر ورئيس وزراء الهند مباشرة.
وكان من المقرر أن ينضم الكاتب إلى الباخرة على الغداء اثناء رسوها في القناطر ومعه آخرون ثم يعودون على ظهرها في صحبة الرئيس "جمال عبد الناصر " و"جواهر لال نهرو" وحين جلس الجميع بعد الغداء وبدأت الباخرة تتحرك في طريق العودة كان الرئيس "جمال عبد الناصر" ما زال يسأل "نهرو" عن مشكلة التخطيط وكيف استطاعوا حلها في الهند... من أين بدأوا التفكير في التخطيط وكيف أعدوا له وماذا أعدوا له ثم كيف حددوا ورتبوا الأوليات وكيف وضعوا الأطر ثم كيف تحولت أهداف الخطة إلى مشروعات ثم من ينفذ هذه المشروعات ومن يتابع تنفيذها ومن يُقيم النتائج... إلى آخره...
وفي البداية كان "نهرو " يتكلم ولم يكن في كلامه ما يلفت النظر،ثم بدا كما لو أن الملل أصابه أو كما لو أنه كان نجمًا مشهورًا يلح عليه المعجبون ليغني وهو يتدلل ويتمنع ويقول كلمة ويسكت أو يقتضب مقطعًا دون ان يكمله تكاسلًا وتعاجبًا...!
ثم أعتذر" نهرو" بأنه يريد أن ينام ولو لعشر دقائق،وفتحوا له باب مقصورة دخل اليها لينام...
وقال الكاتب بانه أبدى للرئيس "جمال عبد الناصر" ملاحظة عن انطباعاته عن "نهرو" لكن الرئيس جمال عبد الناصر دافع عنه بشدة...
أَكْمَلُ لك الأسبوع القادم باذن الله ما قاله الرئيس جمال عبد الناصر للأستاذ " محمد حسنين هيكل" دفاعا عن "نهرو" رئيس وزراء الهند وعن اللقاءات التى تكررت معه والتى ذكرها فى كتابه الشيق والممتع " زيارة جديدة للتاريخ ".