الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

سياسة

أكاديمي مغربي يفند أشهر 3 مغالطات للجماعات المتطرفة حول مفهوم الخلافة

د. سعيد ناشيد
د. سعيد ناشيد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أكد الدكتور سعيد ناشيد، أستاذ الفلسفة المغربي، ومدير مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة، أن جماعات الإسلام السياسي مارست عبر خطابها خداعا للالتفاف على الشعوب، مستغلة تأثيرها الوجداني في الشعوب، واختراقها لمؤسسات الدولة والمجتمع المدني، في أكثر من بلد عربي.
وأضاف الأكاديمي المغربي، في سلسلة من التدوينات حول طرق خداع جماعات الإسلام السياسي للشعوب في عدة قضايا، مثل الخلافة، وانهيار الغرب، ونشر ثقافة استهلاكية كاذبة، عبر صفحته الشخصية بفيسبوك، أنه من خدائع الإسلاميين ادعاء أن المسلمين تخلفوا بعد أن تخلوا عن الخلافة، واستوردوا نظما غربية تندرج ضمن مسمى "الطاغوت"، أي الحكم بغير ما أنزل الله! في ذات السياق نجحوا في الترويج لأسطورة خليفة "آخر الزمان" الذي يوزع الأموال بلا حساب، ويفرق الغنائم بلا عدد، بعد أن يكون قد خرج من البلاط أو من أوساط الشعب ! وذلك فق نبوءة خطرة حاولت ملء فراغ انهيار اليوتوبيات اليسارية في أواخر القرن الماضي.
وقال "ناشيد"، إنه في مستوى البناء المنطقي تستند خديعة عودة الخلافة إلى ثلاث مغالطات: أوّلًا، تخلف المسلمين بعد أن تخلوا عن الخلافة! ثانيا، الخلافة هي دولة الإسلام! ثالثا، يجب أن تقوم السياسة على مرجعية دينية! 
وفنَّد أستاذ الفلسفة، المغالطات الثلاثة على النحو التالي:
المغالطة الأولى، تخلف المسلمين بعد تخليهم عن الخلافة . ويبدو فعلا كما لو أن المسلمين كانوا أعزاء تحت لواء الخلافة، حيث امتدّ حكمهم من جنوب شرق آسيا إلى المغرب الأقصى، وكان يكفي أن تصرخ امرأة، وامعتصماه، حتى تصهل خيول الفتح ! لكن، ما أن ألغى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة حتى أصبح حال المجتمعات المسلمة من سيئ إلى أسوأ، فمن نكبة 48، إلى هزيمة 67، إلى احتلال ودمار العراق في 2003، ثم اشتعال الفتن مؤخرا، وإلى أن يشاء الله !ظاهريا تبدو المعادلة كما لو أنها صحيحة. بعد أن فرط المسلمون في لواء الخلافة أصابهم الوهن، وتداعت عليهم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، وفق حديث استعمله الإسلاميون في الدعاية لأنفسهم إبان سنوات الدعاية. لكن يكفي أن نتنازل عن الحماسة المفرطة حتى نكتشف بأنّ المعادلة خاطئة ومضللة.
أولا، منذ انهيار الخلافة وإلى غاية اليوم، لم تصبح تركيا نفسها دولة ضعيفة، بل عقب إلغاء الخلافة تحولت في ظرف وجيز إلى دولة صناعية حديثة. والمؤكد أيضا أنّ سياسة "صفر عدو" التي استثمرتها حكومة "حزب العدالة والتنمية" في بداية عهدها، كانت ثمرة العلمانية التركية نفسها والتي طوت صفحة "الفتوحات العثمانية"، ومنعت الجيش من التورط في أي حرب إقليمية جديدة. 
ثانيا، إندونيسيا، وهي أكبر بلد ذي غالبية مسلمة، لم تعد اليوم بلدا قرويا متخلفا كما كانت في الماضي القريب والبعيد على حد سواء. بل إلى حدود 100 عام مضت أو يزيد عنها قليلا، كانت إندونيسيا عبارة عن أرخبيل من الشعوب والقبائل القروية والبدائية. وبفضل القيم الوطنية والعلمانية ومبادئ الدستور الحديثة التي تم إرساؤها في عهد الرئيس المؤسس أحمد سوكارنو، نجحت في بناء دولة صناعية حديثة، مع الحفاظ على التنوع الديني والثقافي واللغوي الذي تتمتع به. جاكرتا التي كانت في عصور الخلافة مجرد أكواخ، تضم اليوم ما يقارب 100 ناطحة سحاب بمهابط للطائرات. إنّ مصطلح "العصر الذهبي" للإسلام لا يعني شيئا بالنسبة إلى أكبر بلد ذي غالبية مسلمة، أندونيسيا.
ثالثا، بدأ دخول العالم الإسلامي إلى عصور الانحطاط قبل قرون طويلة عن إلغاء الخلافة. بل كانت فترة الخلافة العثمانية نفسها تندرج ضمن عصور الانحطاط في الفكر والعلم والأدب، وهو ما يفسر مقاومة سائر الشعوب المسلمة للاحتلال العثماني، بنحو ساهم في انهيار إمبراطورية الجيش الانكشاري.
رابعا، نجحت إسبانيا في استعادة منطقة الأندلس في الوقت الذي كانت فيه الخلافة الإسلامية لا تزال قائمة. لكن عندما سقطت الخلافة في المشرق كانت الأندلس الإسبانية تتفوق حضاريا على كل مناطق العالم الإسلامي. 
أما المغالطة الثانية، التخلي عن الخلافة يعني التخلي عن حكم الإسلام. فمن بداهات الإسلام السني أنّ الخلافة لم ترد بالنص ولا بالوصية، لكنها اجتهاد بشري قام به صحابة النبي عقب وفاته. وليس يخفى أنّ المصطلح نفسه قد تم التوافق عليه في سياق اجتهاد تاريخي طويل الأمد. إذ سمي أبو بكر "خليفة رسول الله"، ولما مات قالوا، لا يمكننا أن نقول "خليفة خليفة رسول الله"، فأطلقوا على عمر بن الخطاب لقب أمير المؤمنين. وهو اللقب الذي استمر إلى غاية فترة ولاية علي بن أبي طالب. ثم عاد مصطلح الخليفة مع معاوية لكي يعني بادئ الأمر "خليفة المسلمين''، ثم لكي يعني في الأخير "خليفة الله". وهي الدلالة التي استمرت إلى غاية آخر خلفاء بني عثمان في القرن العشرين.
أما المغالطة الثالثة، وهي يجب أن تقوم السياسة على مرجعية دينية، وذلك لعدة دعاوى، من بينها أنّ الأحزاب الدينية كسائر الأحزاب يحقّ لها أن تقدم نفسها بمرجعية إسلامية كما تقدم باقي الأحزاب نفسها بمرجعيات أخرى (قومية، ماركسية، ليبرالية، إلخ)، ومن بين الدعاوى كذلك أنّ بعض الدول الأوروبية تضم أحزابا تسمي نفسها بالأحزاب المسيحية. فهل الأمر حلال عليهم حرام علينا؟!
إجمالًا نقول، إنّ الذي يتعارض مع العصر ليس الإسلام باعتباره عقيدة ربانية وقيما روحانية تفيد في بناء الإنسان في كل زمان ومكان، بل الذي يتعارض مع العصر منظومة الاجتهاد الفقهي والتشريع القانوني التي تعكس عصر التوسعات الإمبراطورية.