مر 10 سنوات ما بين نشأة تنظيم داعش الذي أعلن عن دولته في 29 يونيو من العام 2014 وسقوطه في 22 مارس من العام 2019؛ عقد كامل من النشأة والمواجهة الدولية وما زال يمثل خطرًا على أمن العالم، بل زادت وتيرة التحذيرات الدولية من نجاح التنظيم من تنفيذ عمليات نوعية خلال الفترة القادمة.
هذه التحذيرات ظهرت بشكل واضح من طلب الاستخبارات الفرنسية منذ أيام تأجيل عقد دورة الألعاب الأولمبية المقرر لها في شهر أغسطس القادم، فضلًا عن العملية النوعية التي نجح فرع التنظيم في تنفيذها بأكبر مسارح روسيا في 22 مارس الماضي، ولعل هذا التاريخ يحمل دلالة مهمة مرتبطة بنفس اليوم الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، سقوط دولة التنظيم قبل 5 سنوات من الآن.
سقطت دولة التنظيم ولم يسقط التنظيم؛ فما زال يمثل خطرًا على أمن وسلامة العالم، الذي فشل في رسم خطة مواجهة تثمر عن نتائج؛ فالتحالف الدولي لمواجهة هذا التنظيم والذي تشكل من أكثر من ثمانين دولة اقتصر دورة على مواجهة التنظيم من خلال الضربات الجوية، وافتقد المواجهة على الأرض التي ما زال التنظيم يحتلها حتى الآن، حتى القوات الأمريكية بات التفاوض على خروجها من العراق ومن ثم انتهاء عمل هذا التحالف!
نجح داعش في إعادة إنتاج نفسه من جديد، فلم يحصر نفسه في دولة ذات حدود جغرافية ولكنه ظهر هذه المرة من خلال خلايا نشطة وبعضها خامل، يتحرك في التوقيت الذي يراه التنظيم مناسبًا ومؤثرًا في نفس الوقت؛ وهنا تبدو خطورة التنظيم ومواجهته.
فشل المجتمع الدولي في مواجهة داعش، وربما وضع عبئا هذه المواجهة على كاهل الدول التي يتواجد فيها التنظيم، وهنا باتت هذه المواجهة منقوصة، صحيح لها نتائج ولكنها غير ملموسة؛ فالتنظيم ما زال يطل برأسه، وخطره وصل إلى قلب أوروبا، رغم أنه نشأ في منطقة الشرق الأوسط؛ ولكن المجتمع الدولي يتحمل عبء المواجهة الضعيفة، فهو يدفع ذلك من أمنه وأمن حلفائه.
لا بد من رسم خطوط مواجهة جديدة ليس فقط لتنظيم داعش وإنما لكل التنظيمات المتطرفة؛ ونحن هنا أمام تحديين أولهما وضع ملامح هذه المواجهة ثم التبشير بها، وهما خطوتين مهمتين وقد يستهلكان وقتًا طويلًا، يليهما الخطوة الأهم هو احتضان الاستراتيجية المقترحة من قبل المؤسسات الدولية والزام المجتمع الدولي بها.
لا يمكن القضاء على داعش والتنظيمات عابرة الحدود والقارات بدون وضع هذه الإستراتيجية؛ هذه التنظيمات لها امتدادات خارجية تستلزم تعاون وتنسيق خارجي، ليس على المستوى الاستخباراتي ولكن على مستوى مفردات المواجهة المختلفة؛ فلا معنى لمواجهة فرع التنظيم في دولة ما بينما رأسه يتمتع بحماية في دولة أخرى أو على الأقل لا يلقى مواجهة بنفس القوة التي يلقاها في دولة أخرى.
لا معنى للمواجهة المجتزءة ولن تثمر عن نتائج حقيقية، وسوف يظل التنظيم يُمثل تهديدًا لأمن العالم، إنّ لم يكن هناك تصور واقعي ومنطقي للتنظيم، هذا التصور لا بد أنّ توضع ملامحه، ويكون مبني عن فهم دقيق للتنظيم؛ لا بد أنّ تُشارك كل الدول في وضع ملامحه، ولا بد أنّ تُشرك الدول الباحثين والعسكريين وقادة الرأي في وضع التصورات المرتبطة بالمواجهة، لا بد من فتح الباب واسعًا أمام أي أفكار من شأنها تُساعد في هذه المواجهة.
لا بد من البدء في هذا المشروع، ثم يتلوه مرحله التبشير بالإستراتيجية بعد وضعها والاستفادة من كل الإسهامات التي شارك فيها الباحثين والعسكريين وقادة الرأي من كل دول العالم في كل القارات؛ هذه الخطوة رغم أهميتها لا أحد يأخذ خطوة في اتجاهها؛ وواشنطن ما زالت مشغولة بصراعاتها ولا يلتفت المجتمع الدولي إلى أهمية المواجهة التي تُشارك فيها دول ربما نشأ التنظيم فيها أو يملك قوة داخل حدودها.
ملامح المواجهة المؤجلة لا بد أنّ تكون شاغل العالم في الأيام القادمة، ولا بد للدول التي تضع على كاهلها فكرة مواجهة الإرهاب عابر الحدود والقارات دور في وضع هذه الإستراتيجية، والتي سوف نفصل فيها القول في مقالات أخرى؛ فمرور 10 سنوات على نشأة تنظيم داعش ومائة عام على وجود الإخوان المسلمين تحديًا مهمًا يحتاج إلى مزيد من الدراسة والتحليل، بحيث يتم ترجمته في الإستراتيجية المشار إليها.
اعتقد الدول العربية المهيئة لاحتضان هذه الإستراتيجية والتبشير بها كل من مصر والإمارات والمملكة العربية السعودية؛ فكل منهم يملك الرؤى والتصورات والإرادة على المواجهة، كما أنّ الدول الثلاث تملك العقول القادرة على إنتاج وصياغة واحتضان هذه الإستراتيجية حتى ترى النور، البداية تعني القضاء على هذه التنظيمات وبخاصة داعش ربما في العقد الجديد من النشأة الذي بدأ منذ أيام قليلة.