تصحبكم «البوابة نيوز» خلال شهر رمضان الكريم، في رحلة للقراءة، وحلقات جديدة من حلقات "كتاب في سطور"، وفى كل يوم نقدم قراءة فى رواية أو عمل أدبى أو سيرة لأحد المشاهير، أو بعض الكتب الفكرية التي تناقش الأحداث التاريخية.
في هذا الكتاب "أفيون وبنادق سيرة سياسية واجتماعية لخط الصعيد الذي دوخ ثلاث حكومات" للكاتب الكبير صلاح عيسى والصادر عن دار نشر المحروسة، يأخذنا الكاتب الكبير صلاح عيسى في رحلة بحث عبر صفحات الجرائد والمجلات المصرية والأجنبية ورحلة مع خط الصعيد وأولاد الليل والجبل، في كتاب يعد فريدا من نوعه.
استطاع الكاتب الكبير صلاح عيسى أن يمزج وبأسلوب أدبي بالغ الروعة في سرد سيرته الذاتية من خلال البحث الدقيق واللافت في كيف تناولت الصحافة قصة خط الصعيد وكيف تصدرت صورته الصفحات الأولى للجرائد والمجلات ليصبح حديث القاهرة وما حولها، وحكاياته وغرامياته وتحولاته الإنسانية فهل هو بطل مثل القصص الشعبي الذي تناول سيرة أدهم الشرقاوي؟ أم هو مجرم وقاتل وسارق، أم أنه مناضل وثوري حارب ضد الاحتلال؟ أم أنه بطل شعبي تناولت الجماعة الشعبية سيرته بالحكايات والروايات التي اقتربت من أصحاب الكرامات.
إنها سيرة محمد محمود منصور الشهير بـ"الخط" أحد أبطال عالم أولاد الليل، بل هو زعيمهم، ويقول "عيسي" في مقدمة الكتاب: "الظاهرة التي ترصدها هذه الحكاية واحدة من تلك الظواهر الهامشية للتاريخ المصري. لم تفز بأي محاولة لفهمها أو تفسيرها، وقد كونت فكرتي الأولى عنها عندما لاحظت، وأنا أراجع الأوامر الرسمية التي صدرت في عهد الوالي محمد سعيد باشا أن كثيرا منها يتعلق بمن وصفته تلك الأوامر بـ"الشقي الشهير عمر المصري" فبعضها يطلب القبض عليه، والآخر يرصد مكافأة لذلك، وثالث يحذر من معاونته.... وانتهت الأوامر فجأة في عصر الخديو إسماعيل (خليفة سعيد) بأمر يعفو عن "الشقي الشهير عمر المصري".
ولعدة شهور أصبح هذا "الشقي الشهير" هو همي الوحيد، إلى أن اتضح لي أنه كان واحدًا من أشهر زعماء البدو في منطقة الفيوم بصعيد مصر، وقد قادهم في ثورة تمرد على الوالي محمد سعيد المردا مسلحا: انتصارا لمطالبهم آنذاك، وهي ثورة كادت تنتهي باستقلال الفيوم عن مصر.
وفي فترة مبكرة من عمري، اكتشفت أن أدهم الشرقاوي شخصية حقيقية، وبينما يقدمه الموال الشعبي رمزا للتمرد على الظلم والقهر الطبقي، فإنه كما وصفته مجلة "اللطائف المصورة"، التي نشرت صورته وخبر مصرعه في 31 اكتوبر (تشرين الأول) - 1921 "شقي. وقاطع طريق، ومُجرم أكبر، وطاغية، طارده رجال الضبط والبوليس واصطادوه فأراحوا البلاد من شره وجرائمه".
الوجدان الشعبي
وقد تعمد الوجدان الشعبي الذي صاغ الموال أن يُحدث تبديلا بسيطا، يُوهِمُ أن الواقعة حدثت في العصر التركي المملوكي فيها "باش أغا" (حاكم لكين جبار)، في حين أن حاكم مصر وقتها كان عظمة السلطان فؤاد الأول وتعكس فصول أفيون وبنادق" محاولة للاهتمام بهذا الجانب من تاريخنا الاجتماعي، فقد عثرتُ على الخطوط الأولى لهذا الكتاب وأنا أحاول أن أرصد ملامح موجة العنف السياسي التي خَضَّبَت بالدم تاريخ العقد السابق على قيام ثورة 23 يوليو مباشرة، فقد لاحظت أن حياة أولاد الليل أبطال موجة العنف الجنائي) هي الوجه المكمل لهذه الظاهرة. وقد أدركتُ على الفور الارتباط بين وجهي هذه الموجة؛ ومن هنا كان اهتمامي بسرد وتحليل قصة زعيم أولاد الليل محمد محمود منصور الشهير بـ "الخط"!
وقد حاولت في حدود الوثائق المتوفرة أن أقدم رؤية أكثر شمولية لظاهرة أولاد الليل، ومن المؤسف أن ما عثرت عليه كان قليلا، وبرغم ذلك فقد كفاني لاكتشاف الخطوط الرئيسية التي تضيء الظاهرة وتحلها، وتنفي عنها تلك المعالجات الضيقة الأفق التي تنظر للحياة بمنظار أخلاقي مُجرد فقط، ولا تفهم الأخلاق بمقياس اجتماعي؛ فالخير والشر - في مفهومهما الصحيح - أسيران للسؤال العلمي الذي يقول "خير من؟ لصالح مَن؟ وشَر مَن ضِدَّ مَن؟".