في شهر رمضان المبارك يتنافس المسلمون على فعل الخيرات والتقرب الي الله، كل على قدر استطاعتهم، بالتصدق علي المحتاجين واليتامي وإطعام الفقراء والمساكين، من خلال مائدة الرحمن، وهو الاسم الذي عرفت به مائدة الإفطار المجانية في أيام صيام شهر رمضان الكريم.
وتعد موائد الرحمن من أهم مظاهر الخير والتراحم فيما بين الناس، والذي يميز هذا الشهر عن أغلب شهور العام، وتختلف الأطباق والأكلات حسب المكان من حي راقي أو شعبي وحسب الإمكانيات المادية لصاحب المائدة.
وسبب إطلاق اسم مائدة الرحمن، يعود إلى قصة شهيرة متداولة عن رجل يدعي عبد الرحمن كان يحب عمل الخير ومساعدة الفقراء والغلابة، وقرر هذا الرجل إقامة مائدة خارج بيته لعابري الطريق والمحتاجين للإفطار عليها، ومنذ ذلك الوقت أطلق علي الموائد اسم مائدة الرحمن، كما أنشئ سبيل باسمه في شارع المعز ومسجد في ميدان الأوبرا.
أصل موائد الرحمن علي مر العصور والأزمنة
البداية في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، أقام مائدة لأهل الطائف عند زيارتهم له في شهر رمضان، فكان صلي الله عليه وسلم يرسل طعام الإفطار والسحور مع سيدنا بلال بن رباح، وتوالت هذه العادة المباركة في عهد الصحابة والخلفاء الراشدين، يذكر أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أقام دارا للضيافة في عهده لإفطار الصائمين.
وفي عصر هارون الرشيد أقيمت موائد الرحمن في حديقة قصره في بغداد، وكان يحب تفقد الصائمين متنكرا بين الموائد للسؤال عن رأيهم في الطعام ومدي احتياجهم له وعن الطعام المفضل لهم.
أول مائدة رحمن في مصر
ولموائد الرحمن في مصر تاريخ عظيم ممتد علي مر العصور والأزمنة، ومنها اعتياد أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية، على العطف على المحتاجين والفقراء، وإقامة الولائم لهم على مدار العام، خاصة في شهر رمضان، حيث أمر في عام 880 بإقامة موائد الإفطار للصائمين في رمضان، ويقدم فيها أفخر الأكلات لسنوات، وكان بعد توليه البلاد أقام وليمة كبيرة للأمراء ومسئولي الدولة في بداية شهر الصيام، وفي السنة الرابعة طلب حضور الأعيان والتجار والأثرياء إلى وليمة كبيرة فاخرة تشمل كل ما لذ وطاب من الطعام والشراب فلما انتهوا منها ، خطب فيهم وقال : "جمعتكم لأعلمكم طريق البر بالناس وأخبرهم بأنه يعلم جيدا أنهم ليسوا في حاجة إلى هذا الطعام والشراب".
وأضاف: “ولكن آمركم من الآن أن تفتحوا بيوتكم ، وتمدوا موائدكم للسائل والمحروم ، ومن لا ينفذ هذا الأمر يتعرض لأشد العقاب"
في عهد الفاطميين
توقفت موائد الرحمن لفترة من الزمن، ثم بدأت مرة أخري في الظهور في عهد الخليفة المعز لدين الفاطمي، وكانت تسمي بموائد الرحمن "دار الفطرة"، وكان المعز لدين الله الفاطمي يخرج عدد كبير من انواع الطعام من قصره، لتوزيعها على الفقراء، ولكن اختفت الموائد للمرة الثانية بسبب الحروب في عصر المماليك والعثمانيين.
في عهد المماليك
في عهد المماليك أقيمت موائد الرحمن ، وعمل السلاطين علي تخصيص أموالهم للإنفاق على هذه الموائد، وكان من بينهم السلطان"حسن بن قلاوون"، الذي كان يقوم كل يوم في رمضان بذبح أكثر من 117 ذبيحة بالاضافة للمأكولات المتنوعة طوال شهر رمضان.
وكان الحكام والأمراء يداومون علي إقامة موائد الرحمن فى حديقة قصورهم، حتى وإن كانت تتغير مساحة المائدة وعدد الصائمين عليها .
أول مائدة إفطار قبطية
في العصر الحديث أقام أحد الأقباط أول مائدة إفطار قبطية في رمضان من أجل الإفطار في ميدان الأفضل بحي شبرا عام 1969م، والتي أقامها ونظمها القمص صليب متى ساويرس، راعي كنيسة مار جرجس، وكانت مائدة إفطار تضم المسلمين والمسيحيين في شهر رمضان، ومنذ ذلك الوقت بدأت موائد الرحمن في الظهور حتى انتشرت في كل الميادين والشوارع المصرية
ومن أشهر الموائد الرمضانية، مائدة جامع الأزهر الشريف تخدم عددا كبيرا من الصائمين، وتقدم أكثر من 5 آلاف وجبة ساخنة يوميا ويشرف عليها مسؤولين من الأزهر، كما تستقبل الطلاب المبعوثين من جميع البلاد.
ثم تأتي مائدة ميدان المطرية، والتي تقام خلف قسم المطرية بمنطقة شرق القاهرة، وهي الأشهر والأهم حتي الآن وتناقلتها وكالات الأنباء العالمية وحضرها سفير كوريا الجنوبية وهي تخدم أكثر من 7 آلاف صائم ويساهم فيها رجال الأعمال وعدد من الفنانين حيث لفتت انتباه أنظار العالم.
مائدة فيفي عبده
حرصت الفنانة فيفي عبده على إعداد مائدة الرحمن الخاصة بها، منذ سنوات عديدة بشارع جامعة الدول العربية، وتقول عنها: «ده أمر بين العبد وربه ومحبش حد يتدخل فيه يا رب كل السنة تبقي رمضان وكل سنة ومصر بخير».
مائدة شيرين عبد الوهاب
اهتمت الفنانة شيرين عبد الوهاب، بإعداد مائدة الرحمن الخاصة بها بحي البساتين، فيقوم والدها بالإشراف عليها بنفسه، كما حرصت على أن تقدم فيها أشهي أنواع المأكولات.