ولاية جديدة للرئيس عبد الفتاح السيسي يقود خلالها مصر في توقيت بالغ الأهمية؛ بالنظر إلى الأزمات والحروب التي تحيط بالبلاد من كافة اتجاهاتها الاستراتيجية، لتبدأ تلك الفترة الرئاسية محملةً بآمال عربية وإفريقية بل وأورومتوسطية في إعادة الهدوء والاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط وإحلال السلام المفقود منذ عقود طويلة وتسوية الأزمات بدول الجوار المباشر، للتفرغ إلى مسيرة التنمية المستدامة المنشودة واللحاق بركب التقدم.
وفي هذا الإطار، يؤكد خبراء سياسيون ودبلوماسيون، في تصريحات خاصة لوكالة أنباء الشرق الأوسط، اليوم /الثلاثاء/ أن الرئيس السيسي تسلم قيادة مصر عام 2014 وسط تحديات غير مسبوقة في تاريخ البلاد واضطرابات داخلية نتيجة الثورات ومحاولات قوى الظلام اختطاف مصر علاوة على الإرهاب الذي استهدف تفتيت الدولة، إلا أن الرئيس استطاع دحر التكفيريين وإعادة الأمن والأمان لربوع الوطن، مضيفين أن الولاية الجديدة تبدأ وسط تحديات وقضايا جديدة تتمثل في صراعات مشتعلة بالجوار تؤثر على الأمن القومي المصري وكذلك السلم والأمن في المنطقة.
يقول نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، اللواء محمد إبراهيم الدويري، إن القيادة السياسية حرصت خلال الفترات الماضية على أن يكون لها دور مؤثر في حل المشكلات الإقليمية سواء في قطاع غزة والقضية الفلسطينية أو السودان وليبيا ومنطقة البحر الأحمر، مرجحًا أن تشهد الولاية الجديدة مزيدًا من الانخراط المصري لحل تلك القضايا حتى تصل المنطقة إلى مرحلة الأمن والاستقرار المنشود.
وتابع اللواء الدويري أن الدور المصري في التعامل مع المشكلات المثارة على المستويين الإقليمي والدولي أصبح دورًا مهمًا للغاية بل ومطلوبًا ولا يمكن الاستغناء عنه، إذ تشير كافة التطورات في المنطقة إلى أن هذا الدور سوف يتواصل في ضوء فاعليته والاعتماد الدولي عليه من أجل أن يساهم في إعادة الاستقرار للمنطقة.
وشدد على أن القضية الفلسطينية سوف تظل إحدى أهم أولويات القيادة السياسية في الولاية الجديدة، ولاسيما السعي لإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة كمقدمة نحو توفير الظروف المناسبة من أجل استئناف عملية السلام، مشيرًا إلى أن الشارع الفلسطيني الذي يثق في الدور المصري يتمنى ويأمل أن تواصل القاهرة تحركها الإيجابي حتى نصل إلى مرحلة بدء التنفيذ الفعلي لحل الدولتين.
وأكد أن المجتمع الدولي بأكمله يعلم علم اليقين أن كافة المواقف المصرية التي تستند إلى مجموعة من المبادئ الواضحة في كافة القضايا المثارة هي مواقف رئيسية وواقعية وعملية، ومن ثم لا بد أن تكون مصر عنصرًا مهمًا في المنظومة الإقليمية والدولية التي تهدف إلى إيجاد حلول لهذه المشكلات، حيث إن هذه هي صورة مصر في العالم وهذا هو قدر دولة كبيرة بحجم مصر وهذه هي وضعية رئيس مصر.
وجدد نائب المدير العام للمركز المصري للفكر التأكيد على أن مصر تتعامل مع القضايا التي تؤثر على أمنها القومي بكل الجدية ولن تترك أو تتخلى عن أي من هذه القضايا إلا وسوف تشتبك معها من أجل أن يتم حلها بالطرق السلمية، حيث إن التجارب أثبتت أن أية صراعات لن تحسمها العمليات العسكرية مهما بلغت حدة عنفها بل يتم حسمها بالطرق السلمية التي تنتهجها مصر وتحظى بتقدير من العالم كله.
ورأى أن الولاية الجديدة للرئيس السيسي تحمل كافة طموحات المصريين تجاه زعيم وطني كبير اختاره الشعب عن قناعة وبإرادة حرة وسارع بشكل غير مسبوق إلى صناديق الاقتراع في "الانتخابات الرئاسية ٢٠٢٤" ليعلن على الملأ انحيازه لاستكمال مسيرة الاستقرار والبناء والتنمية مع قائد مسيرتها خلال السنوات العشر السابقة.
من جانبه، أبرز رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية السفير محمد العرابي أن الولاية الجديدة تبدأ وسط تحديات إقليمية غير مسبوقة، منبهًا بأننا لم نقترب بعد من حلول سياسية للمشاكل في الجوار الجغرافي، ما يؤدي إلى استمرار العبء على الدبلوماسية المصرية خلال المستقبل القريب.
ونوه بأن الرئيس السيسي نجح في صيانة الأمن القومي وتعامل بحرص ورصانة مع المشاكل المزمنة التي تسود في الجوار الجغرافي، مسلطًا الضوء على أن هذا المنهج سيظل سائدًا خلال الفترة القادمة، ما يعزز من نظرة المجتمع الدولي واهتمامه بالدور المصري الذي يعتبر الركيزة للتعامل مع قضايا الإقليم.
وبالنسبة للقضية الفلسطينية، لفت إلى أن الرئيس السيسي -الذي نبه من مخطط تصفية القضية الفلسطينية عبر الإبادة الجماعية والتهجير- نجح في حشد موقف دولي رافض لهذا السيناريو، كما حرص على إنفاذ المساعدات برًا وجوًا، مثمنًا دعوة الرئيس إلى الاعتراف المباشر بالدولة الفلسطينية بعد أن أُهدرت فرص السلام وتجمدت المفاوضات.
وأكد وزير الخارجية الأسبق أن مصر ستظل خلال ولاية الرئيس السيسي الجديدة كما كانت دائما وأبدا تحرص على الأرض الفلسطينية وعلى حق الشعب الفلسطيني في تحقيق مصيره وإقامة دولته المستقلة.
وشدد على أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يملك مقومات الخبرة والثقة في سياساته وتعامله مع الأزمات والقضايا الدولية، إذ إن مختلف دول العالم تراعي وتقدر دوره كعنصر أساسي للاستقرار بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة المتوسط.
بدورها، توقعت مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفيرة منى عمر، أن تشهد الفترة الرئاسية الجديدة استمرارًا للتركيز حول أفريقيا، كما حدث خلال الفترتين السابقتين، إذ وضع الرئيس السيسي قارتنا وقضاياها على رأس الأولويات وعزز من التوجه المصري نحو الدول الأفريقية.
وذكرت بأن مصر عملت خلال الفترات الماضية على محور التنمية والبيئة، وكل ما يهم المواطن الأفريقي، ويساعد على تحسين مستوى معيشته، مرجحة إضافة الرئيس السيسي محور تحقيق السلم والأمن في أفريقيا لأجندة ولايته الجديدة مع دعم وإحياء "مبادرة إسكات البنادق" التي سبق أن طرحها الاتحاد الأفريقي منذ سنوات.
ورأت خبيرة الشئون الأفريقية أن الدولة المصرية تحت قيادة الرئيس السيسي ستركز على جهود تحقيق السلام الداخلي في عدد كبير من الدول الأفريقية التي تعاني حاليًا من أزمات واضطرابات من بينها السودان التي توليها مصر اهتمامًا بالغًا من منطلق مسئوليتها الجغرافية والتاريخية تجاه هذا البلد الجار الشقيق.
ونوهت إلى ضرورة التركيز أيضًا -بجانب دول الجوار الجغرافي- خلال السنوات المقبلة على عدد من الدول الأفريقية مثل تشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وأثيوبيا وأوغندا وكينيا خاصة أن تلك الدول معنية بما يحدث في السودان.
وأوضحت أن السودان يمثل أهمية قصوى للقاهرة إذ إن الأوضاع هناك تؤثر بشكل كبير على مصر، مستشهدة في هذا الصدد بأعداد الوافدين إلينا من الأشقاء السودانيين ما مثّل ضغطًا على البلاد خاصة فيما يتعلق من الناحية الاقتصادية، معتبرة أن المساعدة في إعادة الهدوء والاستقرار للخرطوم يخدم الأمن القومي للبلاد.
وتابعت أن مصر تولي كذلك الأوضاع في الصومال والكونغو الديمقراطية، أهمية كبيرة في ضوء العلاقات التاريخية التي تربطنا بهذين البلدين، مشيرة إلى أن القاهرة ستعمل على تقديم مزيد من المساندة لهما من أجل تحقيق السلام الداخلي في هاتين الدولتين.
وأكملت أن مصر بذلت في هذا الشأن جهودًا حثيثة إلا أنها ستستمر في تلك المساعي خلال الفترة القليلة القادمة، علاوة على جهودها المضنية والمتواصلة لإعادة الهدوء للبحر الأحمر ووقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وكذلك إحلال السلام في الشرق الأوسط عبر الدفع نحو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
وقالت إن مصر ستركز كذلك على منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للحوكمة والقدرة التنافسة من أجل التنمية، والتي ستساعد العديد من الشعوب خاصة المتشاطئة للبحر الأحمر ما يعزز من أمن منطقة قناة السويس.
ولفتت إلى أن الولاية الرئاسية الجديدة ستهتم كذلك بمنطقة الساحل الأفريقي والتي تعد مصدرًا للكثير من عمليات التهريب، سواء للبشر أو للمقدرات والأموال وكذا الحركات الإرهابية، موضحة أن الرئيس السيسي عمل على استقرار وأمن مصر التي باتت مثالًا ونموذجًا يحتذى في العالم، وأن الاهتمام بفرض الأمن في منطقة الساحل يساعد في دحر الإرهاب ومكافحة تهريب المخدرات التي توثر على شبابنا، وهو في حد ذاته يصب في مصلحة الاقتصاد المصري.
ونوهت السفيرة منى عمر بأن ولاية الرئيس السيسي ستواصل جهودها من أجل مساعدة ليبيا على تحقيق الاستقرار، إذ إنها ستصبح مصدرًا لحركة رجال الأعمال والقطاع الخاص ما يساعد الاقتصاد المصري على التقاط أنفاسه بفتح منافذ أخرى لتحقيق مكاسب وزيادة العملة الصعبة.
واختتمت مساعد وزير الخارجية الأسبق بالإعراب عن ثقتها في أن مصر تحت قيادة الرئيس السيسي ستواصل عملها وجهودها الاستثنائية لإقرار السلام في إقليمها ولاسيما بليبيا والسودان وفلسطين.
أستاذ العلوم السياسية الدكتور طارق فهمي، اعتبر، من ناحيته، أن إعادة الاستقرار إلى الإقليم سيبقى هدفًا رئيسيًا للدولة المصرية وللرئيس السيسي خلال ولايته الجديدة.
وذكر بأن مصر تشهد استقرارًا سياسيًا منذ تولي الرئيس السيسي مقاليد الحكم بالبلاد، حيث عمل الرئيس على تفعيل دور المؤسسات مثل البرلمان بغرفتيه (النواب والشيوخ)، فضلًا عن المحليات والمجالس الشعبية.
وأشار إلى أن الرئيس يعمل على إعادة استقرار ما يعرف "بالنطاقات الإستراتيجية للدولة المصرية" وليس فقط بالنسبة لدول الجوار( ليبيا والسودان وفلسطين)، وكذلك البحر الأحمر، الذي يشهد اضطرابات تتداخل فيها دول عديدة.
وأوضح أن مصر بقيادة الرئيس السيسي تخوض مهمة في هذا الصدد لعودة الهدوء، وحل تلك الأزمات، الأمر الذي يتطلب بناء توافقات إقليمية ودولية، لإرساء ركائز الاستقرار في ذلك الإقليم المشتعل.
وفيما يتعلق بالتوقعات حول تعامل مصر مع القضية الفلسطينية في ظل الولاية الجديدة للرئيس السيسي، نوه الدكتور طارق فهمي إلى أن القاهرة حريصة على حماية القضية الفلسطينية، وحمل لواء الدفاع عنها في كافة المحافل الإقليمية والدولية، مشددًا على أن تلك القضية ترتبط ارتباطًا مباشرًا بأمن مصر القومي.
وأبرز أن القضية الفلسطينية تحتل المرتبة العليا في قضايا السياسة الخارجية المصرية، حيث تسعى القاهرة لحشد موقف دولي يرفع شعار (حل الدولتين) باعتباره الطريقة المثلى لتسوية ذلك النزاع الممتد والمتواصل منذ عقود بهدف قيام الدولة الفلسطينية طبقًا لقرارات الشرعية الدولية، مثمنًا دعوة الرئيس للاعتراف المباشر بالدولة الفلسطينية حال مماطلة بعض القوى لاستنفاد فكرة حل الدولتين.
وأكد أن "مصر السيسي" ستظل الداعم الأكبر والمؤيد والسند والظهير الآمن للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني حتى يحصل على حقوقه المشروعة ويرى دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
وقال إن الرئيس السيسي يحظى بثقة المجتمع الدولي لما يمتلكه من شخصية قوية حكيمة تسعى إلى تحقيق السلام والاستقرار في المحيط الإقليمي، وإن مصر تحت قيادته أصبحت نموذجًا للاستقرار بالمنطقة.
ولفت إلى أن هناك ترحيبًا دوليًا بإعادة انتخاب الرئيس السيسي لما يمثله هذا الاختيار من استقرار سياسي وأمني في إقليم مشتعل، مبرزًا أن الرئيس ينبه دائما إلى أن الشرق الأوسط إقليم مضطرب لا سيما في ظل عدم حل القضية الفلسطينية بشكل عادل.
واختتم الدكتور طارق فهمي بالتأكيد على أن الولاية الثالثة للرئيس السيسي ستحمل الخير والرخاء للإقليم وليس فقط لمصر تحت قيادة زعيم دولي وليس فقط مصريا أو عربيًا.