بمجرد انتهاء عملية مجمع الشفاء بالصامدة غزة، وإعلان الفضائح عن أعداد القتلى وصورة المجمع المحروق وكأننا عدنا إلى ما خلفته الحرب العالمية من دمار، انتقلت إسرائيل على الفور وتوجهت لتنفيذ عملية نوعية في دمشق بضرب القنصلية الإيرانية في دمشق.
السفير الإيراني في سوريا، حسين أكبري قال في تصريحات رسمية إن ما بين 5 إلى 7 أشخاص قتلوا في الهجوم الإسرائيلي ثم تصاعد الرقم إلى 11 ولا نعرف نهاية الأرقام، السفير أوضح أن الهجمات تم تنفيذها بستة صواريخ.
العاصمة طهران أكدت مقتل محمد رضا زاهدي، أحد كبار قادة الحرس الثوري، ومساعده "الحاج رحيمي".
هذه العملية النوعية تفوقت على عملية اغتيال قاسم سليماني لأنها جاءت على أرض إيرانية يمثلها مقر القنصلية وهي محصنة بحكم القانون الدولي، لذلك لا يمكن اعتبار تلك العملية أنها عملية إغتيال عابرة ولكنها إعلان صريح للحرب.
الجانب الإسرائيلي لم يعترف بالعملية ومازال صامتا حتى كتابة المقال ولكن إسرائيل تعرف جيدا دور محمد رضا زاهدي، القائد الكبير في فيلق القدس التابع للحرس الثوري وتقول عنه انه "كان ممثل النظام الإيراني في دعم حزب الله وحماس والميليشيات العراقية، وأن مقتله يشكل صفعة مؤلمة بالنسبة لإيران".
لم يتعجب المراقبون من رد إيران الذي قال بعد الهجوم أن ردها سوف يكون قاسيا، هذا الرد القاسي المنتظر لن يخرج عن سياق مدرسة الصبر الاستراتيجي التي تلوكها إيران عقب كل صفعة إسرائيلية لها، حيث شهدنا خلال الأشهر الستة الأخيرة، قيام إسرائيل بتنفيذ العديد من الغارات الجوية على سوريا وضرب المصالح الإيرانية هناك واستهداف قادة إيرانيين.
الدولة الإيرانية طرحت منذ يناير 2020 مفهوم “الصبر الاستراتيجي” جاء ذلك في أعقاب اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني على يد الولايات المتحدة في بغداد.
معروف بالطبع العلاقة الوثيقة بين إيران وحماس التي قررت إسرائيل القضاء عليها بعد أحداث السابع من أكتوبر، هذه العلاقة ليست السبب الوحيد الذي يجعل إيران وإسرائيل في حالة عداء دائم، فهناك البرنامج النووي الإيراني الذي يؤلم إسرائيل كثيرا.
طهران التي هي في حاجة لاسترداد أموالها المحتجزة اختارت الصراع طويل الأمد مع أمريكا وإسرائيل واختارت طهران الرد المتقطع بحيث لا تصل الأمور إلى حالة حرب كاملة حسب تعليمات المرشد العام، واختارت طهران التعامل وفق المدرسة المعروفة بالصبر الاستراتيجي ولكن هذا الصبر كلما استطال دخلت إيران في أكثر من مزنق استراتيجي أيضا، وجاءت حرب غزة كاشفة عن الوهم الذي أسموه وحدة الساحات ورأينا تراجع منظم لحزب الله في الجنوب اللبناني حتى أن بعض قادة حماس رأوا في ذلك خذلان لهم، لذلك اتجه إسماعيل هنية في الأسبوع الماضي إلى طهران مباشرة ليعرف مصير حماس وخطوتها القادمة.
الجانب الإسرائيلي يحرق المراحل متعجلا كي يعلن انتصاره، ومن هنا جاءت عملية القنصلية الإيرانية في دمشق بكل فجورها وتحديها للقانون الدولي.
ما يهمنا في مصر هو انعكاس هذه التوترات علينا، لذلك نتوقع أن الذراع الإيرانية في اليمن ممثلة في جماعة الحوثيين سوف تحاول قدر إمكانيات أسلحتها مضاعفة عملياتها في مدخل البحر الأحمر ضد السفن التجارية وهو ما يؤدي إلى تحويل البحر الأحمر إلى مجرد بركة للماء لتخسر قناة السويس المصرية زادها وزوادها من السفن العابرة.
هنا يصبح من المنطقي التعامل بكل جدية وجهد من أجل وقف المذابح في غزة من خلال صفقة وهدنة، وفي الهدنة يمكن إعادة ترتيب الأوراق، المنطقة مهددة بالفعل ولابد من نزع فتيل تلو فتيل لتلك الأزمات التى تتراكم كل يوم، الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق هو ساعة الصفر لاشتعال المنطقة التي تبحث عن رجل رشيد.