لا أحد يُنكر أنّ ثمة صراع بين طهران وتل أبيب، لكن في نفس الوقت الكل يتفق بأن الأولى حريصة على عدم الدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل، وإنّ كانت قد دخلت الصراع بالفعل ولكن عبر وكلائها، من خلال مناوشات إما حزب الله اللبناني على الحدود أو مطاردات "أنصار الله" في البحر الأحمر، أو ضربات هنا أو هناك من قبل ميلشيات تابعة لإيران ضد المصالح الأمريكية في العراق.
على كل الأحوال لم تدخل إيران الحرب المباشرة، ولعلها أبلغت "حماس" التي طلبت توضيحًا أكبر أو دعمًا في هذه الحرب يتجاوز فكرة تصدير القذائف فقط إلى الدخول إلى حلبة الصراع والاشتباك في الحرب، خاصة وأنّ قيادات الحركة طلبوا ذلك مرارًا وتكرارًا، وفي كل مرة يأتي الرد بأنّ "حماس" لم تستشر أحد فيما فعلتهأكتوبر حتى تطلب ما تُريده.
هناك حرب بين طهران وتل أبيب ولكن الأولى استخدمت الدماء العربية في المواجهة واكتفت بمجرد القيام بدور الداعم، ولكن إسرائيل استبقت رد الفعل من خلال ضرب القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، وهو ما يتطلب ردًا إيرانيًا مباشرًا دون اللجوء إلى سواعد إيران في المنطقة.
خاصة وأنّ عملية استهداف القنصلية خلف 11 قتيلًا بينهم قياديون ومستشارون مهمون في الحرس الثوري الإيراني، وتبدو هذه العملية الأكبر منذ استهداف اللواء قاسم سليماني في يناير من العام 2020.
وبالتالي إيران باتت أمام خيارات ربما يكون بعضها أصعب من بعض؛ كأن تقوم بالرد، وهو خيار ضعيف، ولكنها سوف تحتفظ برد الفعل، كما فعلت مع مقتل الرجل الأول في الحرس الثوري قبل 4 أعوام، ولكن الخيار الأقوى أنها سوف ترد ولكن من خلال حلفائها أو ميليشياتها في المنطقة.
سوف تقلب إيران الطاولة ولكن من خلال الحروب غير المباشرة أو السرّية؛ والسؤال، هل تضل طهران بصلتها في مواجهة تل أبيب؟ أم أنّ المواجهة سوف تكون مباشرة ضد إسرائيل دون استخدام الدماء العربية في هذا الصراع، خاصة وأنّ المستهدفين هذه المرة إيرانيين، وهو ما يستلزم مواجهة إيرانية مباشرة للدفاع عن الدم الإيراني، لا مواجهة عربية تستخدم فيها الميليشيات العربية ذات الولاء الإيراني.
عدم رد إيران بصورة مباشرة قد يُعرضها لمواجهة أخرى على أراضيها في المستقبل، أو تلجأ إلى الخيار الأخير بأنّ تُخفف وجودها في منطقة الشرق الأوسط، وهو خيّار غير مطروح في ظل استراتيجية طهران، ولذلك يبقى الخيار الأكثر حضورًا يتمثل في المواجهة غير المباشرة مع إسرائيل.
دعا رئيس المكتب السياسي لحركة جماس في الخارج، خالد مشعل، عبر كلمة نقلت عبر تقنية زوم ضمن فعالية أردنية مناصرة للقضية الفلسطينية، إلى التحام الشعوب العربية مع فلسطين وكسر الحدود؛ والرجل كان في زيارة قبل أيام ضمن مع وفد من حركته إلى طهران.
وما هي إلا أيام تحولت المظاهرات إلى ساحات حرب ولكن في الأردن، ما بين المتظاهرين وضباط الدرك الأردني؛ فهل أصابت رسالة "مشعل" هدفها؟ أم يمكن فهم ما يحدث في الأردن الآن بأنه جزء من المواجهة السرّية بين طهران وتل أبيب؟
الدعوة التي أطلقها "مشعل" كانت تخص الأردن وليست الضفة الغربية، فإذا كان من منطلق الأولويات هو أنّ تتحرك الضفة الغربية لا أن تتحرك الشعوب العربية، وإنّ كان واجب المناصرة على الجميع، وإذا تحركت هذه الشعوب، فضد من تتحرك؟ وهنا السؤال ضد من وليس مع من؟ فمشاعر الشعوب والحكام معروفة ومفهومة ومترجمة بشكل عملي، ولكن يبقى أنّ هناك من يستغلها.
لا بد أنّ تُصحح بصلة المواجهة وأنّ تكون مواقف إيران من إسرائيل واضحة؛ فإذا أرادت مواجهة فلا بد أنّ تكون من خلال إيران الدولة والشعب؛ أما ما يخص القضية الفلسطينية، فهي قضية العرب الأولى والمدافعين عنها والداعين للدفاع عنها، لا بد أن تختلط دماء العرب والمسلمين معًا وليس أحدهما، ولكن شرط ألا تختلط المواقف وهذا هو الأهم.