ما زالت ارتدادات العملية الإرهابية التي ضربت أحد أهم وأكبر مسارح روسيا تحمل الكثير من الأفكار والنقاش؛ خاصة وأن تنظيم ما يُعرف بـ "ولاية خرسان" أعن مسؤوليته فور تنفيذ هذه العملية، بل وصل أنّ المتحدث باسم التنظيم، أبو حذيفة الأنصاري، خرج في تسجيل صوتي منذ يومين ليُعلن من خلاله المسؤولية الكاملة عن تنفيذ هذه العملية، موجهًا خلايا التنظيم المنفرده والمتفردة والخاملة إلى تنفيذ المزيد من العمليات.
"ولاية خرسان" من أهم أفرع تنظيم "داعش" وأخطرها وربما يأتي في المرتبة الثانية فرع التنظيم في غرب أفريقيا؛ وهنا نستطيع القول، إنّ فروع تنظيم "داعش" باتت أقوى من قيادة التنظيم المركزية في منطقة الشرق الأوسط، ولذلك على المجتمع الدولي أنّ يكون منتبهًا إلى مواجهة فروع التنظيم التي باتت تُشكل خطرًا متزايدًا.
نحن نتحدث عن تنظيم قد قطع رأسه ولكن ذيله باتت أخطر من الرأس، وهنا تبدو خطورة التنظيم وفشل أدوات المواجهة الدولية التي لم تُراعي هذا البعد؛ وبالتالي بات تهديد هذه الفروع للأمن والسلم الدوليين كبيرًا، وهو ما يحتاج إلى استراتيجية جديدة للمواجهة، وقبل هذه الإستراتيجية لا بد من قراءة التنظيم في ظل تحولاته الجديدة قراءة صحيحة وصائبة ودقيقة.
خطورة "ولاية خرسان" تأتي من نوعية المقاتلين الذين ينضون تحت لواء هذا الفرع، جزء من هؤلاء المقاتلين شيشان وجزء آخر من جمهوريات آسيا الوسطى، ولكن أغلب التشكيل يعود إلى المقاتلين الطاجيك، وتعود مرجعية هؤلاء المقاتلين إلى حركة الإخوان المسلمين في طاجكستان.
تشكل حزب النهضة ومرجعيته تعود إلى الإخوان المسلمين في طاجكستان إلى العام 1973 على يد مؤسسة الأول عبد الله نوري، ولكن مع اندلاع الحرب الأهلية في مايو من العام 1992 والتي استمرت إلى العام 1997 وخلفت قتلى يصل عددهم إلى قرابة 100 ألف، ووضع حزب النهضة على قوائم الإرهاب في العام 2015 بعد أنّ صنفت المحكمة العليا الحزب كمنظمة إرهابية.
هذا التحول الذي تلى الصلح مع الحزب بعد توقيع اتفاقية سلام ووفاق وطني مع نهاية التسعينيات من القرن الماضي بهدف إنهاء الحرب الأهلية، ربما انعكس على جماعات العنف والتطرف التي نشطت بصورة كبيرة بعد إعلان تنظيم "داعش" إقامة دولته في 29 يونيو من العام 2014، وهنا بات "الإخوان" الرافد الرئيسي والأهم في "ولاية خرسان".
التحولات التي مر بها الإخوان المسلمين في طاجكستان ربما تأتي متصقة مع تحولات أخرى مر بها التنظيم في عدد من الأقطار، بما فيها قيادة التنظيم في القاهرة؛ هذه التحولات دفعت التنظيم إلى ممارسة العنف، وأنشأت ميليشيات مسلحة ربما يكون أهمها، سواعد مصر.. حسم ولواء الثورة وغيرهما؛ فضلًا عن انضمام عدد من "الإخوان" إلى فرع التنظيم في مصر والذي يُعرف بـ "ولاية سيناء".
هذا التحول يأتي متصقًا مع أفكار التنظيم التي يدعو من خلالها إلى استخدام العنف؛ وهو تحول ليس لحظى ولكنه مرتبط بطبيعة الأفكار التي تُشكل عقل التنظيم، فهذه الأفكار تدفع التنظيم دائمًا إلى ممارسة العنف وتغذية جماعات العنف بكل مستوياتها، وهنا تبدو خطورة "الإخوان"، الخطورة ليست في ممارسة العنف ولكن في توفير البيئة الذاتية للعنف.
قراءة علاقة "الإخوان" بتنظيم "داعش" شغلت بال الباحثين وكتبت فيها عشرات الدراسات والمقالات المعمقة التي قرأت هذه العلاقة الفكرية وشبة التنظيمية؛ وها نحن الآن نقرأ علاقة التنظيم الأقدم من حيث نشأته بأحد أفرع "داعش" في منطقة آسيا الوسطى، والذي أعلن مسؤوليته عن أكبر عملية نوعية تعرضت لها روسيا ربما خلال العقد الأخير، وهو ما يستلزم تغيير استراتيجيات المواجهة سواء الأمنية أو العسكرية أو الفكرية.