الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

بريطانيون كاذبون

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا أستقبل بأية درجة من الجدية تعليمات دافيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني المحافظ (48 عاماً) التي أصدرها لإدارته من أجل التحقيق في تواجد جماعة الإخوان في لندن، والأنشطة التي تديرها داخل المملكة المتحدة، وأوامره بالتعرف على صلتها بالهجمات الإرهابية فى الشرق الأوسط، على أن يشمل ذلك التحقيق دراسة وفحص وتحليل فكر وأنشطة جماعة الإخوان ومن بينها تفجير باص للسائحين في فبراير الفائت، راح ضحيته ثلاثة من السائحين الكوريين.
وسبب استرابتي -التي تقف على شفا الاستنكار- أنني واحد ممن يعرفون بريطانيا عن ظهر قلب، ويدركون حجم التراكم المعرفي لأجهزتها الأمنية فيما يخص منطقة الشرق الأوسط، منذ الجاسوس الأشهر لورانس العرب، إبان الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين، واتفاقية سايكس – بيكو المعروفة، كما أنني واحد من المتيقنين أن جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية نشأت فى أحضان قصر الدوبارة (مقر المندوب السامي البريطاني في القاهرة)، وظلت ربيبة الاحتلال لفترة معتبرة من الزمن، وعرفت عنها الإدارة البريطانية كل شيء، لا بل وتفضح الوثائق البريطانية في (كيو جاردن) الكثير من فصول اتصالات حسن البنا وحسن الهضيبي المرشدين الأولين للإخوان بالمستشارين السياسيين في السفارة البريطانية بالقاهرة (والمعروف أن أولئك المستشارين السياسيين هم – في كثير من الأحيان – رجال مخابرات تحت غطاء دبلوماسي).. وقد كان أول ما تم رصده من اتصالات بين الجماعة والسفارة عام 1942 بين حسن البنا والسفير البريطاني سير مايلز لامبسون ثم كان أول تمويل في عام 1942 من الإنجليز للبنا، وبعد ما جاء حسن الهضيبي مرشداً غير علنى عام 1949، ثم أصبح علنياً عام 1951 قام بالاتصالات القيادى الإخواني الشهير صالح أبورقيق مع تريفور إيفانز المستشار السياسي في السفارة عام 1953، وما يدل على حميمية العلاقة ودفئها أن صالح أبورقيق قال: "إذا بحثت مصر عن صديق أو حليف في العالم كله لن تجد مثل بريطانيا"!!.. ومن ثم فإن الادعاء بأن بريطانيا سوف تحاول اليوم – فقط – التعرف على فكر وأنشطة الجماعة وعلاقتها بالأعمال الإرهابية في الشرق الأوسط هو – في الحساب الختامي أو التحليل النهائي – هو مسخرة متكاملة الأركان، وإذا كان دافيد كاميرون -خريج إكسفورد، دارس السياسة- لا يعرف من هم الإخوان، وما هي علاقتهم ببريطانيا، وما هي جذور الإرهاب في فكرهم، فإنني لا أفهم ولا أتصور أن تغيب تلك المعلومات عن ذهن سير نايجل كيم داروش مستشار الأمن القومي البريطانى (60عاماً) الذي طلب –لدهشتي– هو الآخر تقييماً من الأجهزة البريطانية عن الإخوان!
إن بريطانيا هي أعرف دول العالم بظاهرة الإسلام السياسي وأجهزتها الأمنية، هي الأكثر خبرة فيما يخص التشكيلات والتنظيمات المتأسلمة التي تنتشر على الساحة البريطانية كفطر المشروم، وتتوغل في الجاليات العربية والباكستانية وغيرها.. وفضلا عن ذلك فإن بريطانيا احتضنت لسنوات طويلة قيادات الجماعة الإسلامية والجهاد والإخوان وحزب التحرير الإسلامي، وهي تعرف عنهم كل شاردة وواردة، لا بل وشغلتهم لصالحها، واعتصرت كل معلوماتهم عن تنظيماتهم سواء كانوا مطلوبين للقضاء في بلادهم مثل: ياسر توفيق السري، وعادل عبد المجيد، وعبد الموجود البربري، وهاني السباعي، أو كانوا رموزاً بارزة لجماعة الإخوان، مثل إبراهيم منير وجمعة أمين، أو كانوا كوادر بارزة للاتحادات والتشكيلات الطلابية في الجامعات البريطانية مثلما كان محمد سليم العوا وقتما درس في بريطانيا، وما زال – حتى اللحظة – منسقاً لأعمال التنظيمات الإسلامية في جامعات لندن وبرمنجهام وغيرها.. لا بل وعاش في بريطانيا بعض أهم البحاثة المتخصصين في الإسلاميات (تاريخاً وفقهاً وشريعة) مثل المرحوم السير زكي بدوي الذي كان وراء التأثير الإسلامي القوى فى شخصية الأمير تشارلز، وبعض ما لحق بشخصية الراحلة الأميرة دايانا، ومثل السير زكي بدوي يعلم كل التفاصيل الدقيقة للهياكل الإسلامية في لندن، وأذكر أنه زارني – رحمة الله – في مكتبي بدار الأهرام في لندن عام 1998، وشرح لي – مطولاً وتفصيلياً – شبكة معقدة وضخمة من تلك التنظيمات في بريطانيا.. ولا يمكن – والحال كذلك – إلا يكون لدى السلطات والأجهزة البريطانية إجابة عن أسئلة: (من هم الإخوان) و(ما هي علاقتهم بالإرهاب) و(ما هي ملامح فكرهم وحركتهم).
ولا يقول الإنجليز لنا أنهم اكتشفوا – فجأة – وجود جماعة اسمها "الإخوان" حين تلقوا في 25 ديسمبر الماضي مذكرة مصرية من وزير التضامن الاجتماعي السابق أحمد البرعي حول علاقة الإخوان بالإرهاب، كما لم تكتشف السلطات البريطانية أن الإخوان يتمركزون في لندن – فقط – عندما رصدت قيادات إخوانية هاربة من مصر بعد عزل مرسي، يعيشون في شقة بمنطقة "كريكل وود" شمال غرب لندن (ذات الأغلبية الأيرلندية)، والتي تتنازعها – جغرافيا – منطقتان إحداهما فقيرة جدباء وهى "كيلبورن"، وثانيتهما موسرة رغداء هي "هامستيد".
هذا لون من "الفارس" أو الكوميديا الصارخة مارست فيه لندن "الاستعباط السياسي" في أوسع النطاقات الممكنة، وما يزيد من مساحة الهزل في ذلك الموقف، أن الإدارة البريطانية كلفت – كذلك – السير جون جينكنز خبير شئون الشرق الأوسط بوزارة الخارجية البريطانية الذي ترأس إدارة الشرق الأوسط وعمل سفيراً في الكويت، وليبيا، والسعودية والإمارات وسوريا، وقنصلاً عاماً فى القدس، أن يعد تقريراً عن فكر وقيم جماعة الإخوان وعلاقتها بالتطرف والعنف، أما التقرير الثالث فقد طلبته الحكومة البريطانية من السير جون سويرز رئيس جهاز المخابرات الخارجية MI6 والذي كان قد خدم في مصر (2001- 2003) وهو المدير الذي خلف ريتشارد ديرلوف (69عاماً) الذى قاد الجهاز من (1999- 2004) بعد ثلاثين عاماً من الخدمة فيه.. وهذا الرجل الأخير – بالمناسبة – يرى أن جماعة الإخوان هي: (قلب التنظيم الإرهابي في العالم).. وبالتالي فما هو معنى أن تطلب الحكومة البريطانية من أجهزتها أن تبحث لها عن فكر وأنشطة الإخوان، وعلاقتهم بالإرهاب، إذا كانت معرفة تلك الأجهزة بالإخوان أهلتهم لإصدار حكم قطعي جازم كذلك الذي صرح به ريتشارد ديرلوف عن أن الإخوان هم (قلب التنظيم الإرهابي في العالم).. ولقد عاشت الإدارات البريطانية المختلفة على مقولة رددتها فى وجوهنا على نحو ببغائي وهي: (أن أصول الضيافة والديمقراطية تمنعنا من رفض لجوء عناصر الإسلام السياسي لبريطانيا) وقد كرر تلك العبارة في مواجهتي عدد ضخم من المسئولين البريطانيين الذين سألتهم حول الموضوع فى تسعينيات القرن الماضي، ونشرت ذلك في حواراتي بالأهرام، وكذلك في كتاب بعنوان: (الأحاديث البريطانية) وهم: مالكوم ريفكيند وزير الخارجية المحافظ، وروبين كوك وزير الخارجية العمالي، وجيرمي هنلي وزير الدولة المحافظ لشئون الشرق الأوسط، وديريك فاتشيت وزير الدولة العمالي لشئون الشرق الأوسط، وبيتر هين وزير الدولة العمالى لشئون الشرق الأوسط وجورج روبرتسون وزير الدفاع العمالي، ومايكل بورتيللو وزير الدفاع المحافظ.. ثم حين كان وزير الداخلية العمالي جاك سترو بصدد إصدار قانون للإرهاب زاد على المقولة التقليدية السابقة عبارة أخرى فى حديثه لى وهى: (لو ارتكب احدهم عملاً إرهابياً من فوق الأراضي البريطانية، أو خطط لعمل إرهابي يتم في دولة أخرى فسوف نقوم بطردهم فوراً)، وبتلك المعاني – كلها – فإن البريطانيين يعرفون الإخوان حق المعرفة، ومواقفهم من تلك الجماعة الإرهابية جعلت من لندن الملاذ المفضل لتلك الجماعة، لا بل ولكل العناصر المتأسلمة الإرهابية.
وفي هذا الإطار أورد – هنا – مقولة لاندرو كير مدير جهاز الأمن الداخلي MI5 (الذي خدم ثلاثين سنة – هو الآخر – في جهازه) وفيها يرى الرجل: "أن القاعدة وحلفاءها في جنوب آسيا وشبه الجزيرة العربية يشكلون تهديداً مباشراً لأمن بريطانيا" يعني هم يعرفون خطر تلك الجماعات، الأمر الذي دفع أندرو كير في خطابه – مؤخراً – بمعهد RUSSI (المعهد الملكي للخدمات المتحدة) المختص بقضايا الدفاع والأمن، إلى أن يؤكد خطر العناصر المتأسلمة على (امن بريطانيا)، فإذا ألصقنا هذه العبارة إلى جوار عبارة ريتشارد دير لوف من أن (الإخوان هم قلب التنظيم الارهابى فى العالم) نصل – تلقائياً – إلى أن (الإخوان خطر على أمن بريطانيا).. وبعد ذلك يطلع علينا دافيد كاميرون ليتظاهر بأنه أهطل ولا يعرف ما هي طبيعة فكر وحركة الإخوان أو علاقتهم بالإرهاب.
....................
إذا أراد كاميرون أن يتعرف على حقيقة الإخوان، عليه أن يمشي الهويني متبختراً في منطقة "إمبانكمنت" على ضفاف "التيمز" وهناك سيجد مبنى هرميا من الرخام الوردي والزجاج القاتم، وهو مبنى المخابرات البريطانية، وفوق ذلك المبنى 13 شجرة مخروطية ترمز إلى 13 درجة من درجات المتابعة، إذ يلصق عملاء الجهاز وموظفوه (ستيكر) في شكل شجرة أو اثنين إلى 13 لتحديد درجات المتابعة تلك، فإذا وضع 13 شجرة، فإن ذلك يعنى أن صاحب الملف أو الأسطوانة المضغوطة يجب إخضاعه للمتابعة (أ) أو أقصى درجات المتابعة وطوال 24 ساعة.
هناك.. هناك يستطيع كاميرون أن يطلب ملفات بعض قيادات الإخوان وسيجد عنهم معلومات لا توجد في أي مكان في العالم فهم صنيعة الإنجليز التي دشنت علاقتها بالأجهزة البريطانية ذات يوم عام 1941 قبل أن يولد كاميرون بربع قرن بالتمام والكمال.