مبادرة جديدة أعلنت عنها الحكومة خلال الأيام القليلة الماضية تحت عنوان خفض الأسعار، وهو ما قد لا يكون جديد على أسماع المواطنين، وبخاصة أن الحكومة كانت قد أعلنت عن مبادرة مماثلة وتحت نفس الاسم قبل عدة أشهر، إلا أن هذه المرة تحمل المبادرة طابع الجدية وبخاصة في أعقاب التصريحات شديدة اللهجة التي أطلقها رئيس الوزراء خلال المؤتمر الصحفي للإعلان عن تفاصيل عن مبادرة خفض الأسعار، بعد عقد لقاء موسعًا، مع كبار مُصنعي ومُنتجي ومُوردي السلع الغذائية، مثل: السُكر، والحُبوب، والأرز، والقمح، والطحين، والمكرونة، والشاي، والألبان، والجُبن، والسَمن، والزُبد، واللحُوم، والزُيوت، وكذا السلع الهندسية والالكترونيات، وممثلي كبريات السلاسل التجارية، يمثلون أكثر من 70% من حجم السوق.
وألقى رئيس الوزراء باللوم على بعض التجار الذين يرفضون استلام البضائع من الموانئ بغية تحقيق أرباح إضافية حيث قال: "تمكنت الحكومة بالتعاون مع الجهاز المصرفي، من إنهاء إجراءات بضائع بقيمة تزيد على ٤.٥ مليار دولار، ولم يتبقَ حاليًا بضائع متراكمة، حيث تم خروج بضائع بقيمة حوالي ٢.٨ مليار دولار، ومتبقي بضائع بقيمة ١.٧ مليار دولار انتهت جميع الإجراءات الورقية الخاصة بها وتم توفير الدولار بالبنوك، ولكن أصحابها رفضوا استلامها انتظارًا لانخفاضات أكثر في الدولار، مستطردًا: اليوم وجهت وزارة المالية بمصادرة كل هذه البضائع، وسوف يطبق على هذه البضائع القانون والقواعد الخاصة بالمهمل والرواكد."
وقال «مدبولي»: في ضوء الخطوات التي اتخذتها الحكومة والبنك المركزي، فإن الأزمة أصبحت غير قائمة، وهو ما يظهر في توافر الدولار خلال الأيام الماضية، وكذا بسعر أقل كثيرًا من السوق الموازية، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن المواطنين استقبلوا عددًا من الأخبار التي قامت بها الدولة خلال الفترة الأخيرة، والمُتمثلة في إتمام صفقة مشروع تنمية مدينة رأس الحكمة على الساحل الشماليّ الغربيّ، وكذلك الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع صندوق النقد الدوليّ، فضلًا عن تفعيل الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وأدركوا توافر حجم كبير من العملة الأجنبية، لكن يظل المواطن لديه استفسار عن أثر ذلك على تراجع أسعار السلع والمُنتجات بالأسواق.
وفي هذا السياق، لفت الدكتور مصطفى مدبولي إلى المبادرة التي تقدم بها عددٌ من الصناع والتجار قبيل حلول شهر رمضان الكريم، وكذا في أثناء افتتاح معرض " أهلًا رمضان"، والتي تتضمن خفض الأسعار بنسبة 20%، إلا أنه مع ذلك لا يزال المواطن يعاني من الغلاء ويشكو من استمرار ارتفاع أسعار بعض السلع مؤخرًا رغم تراجع سعر صرف الدولار بنسبة 50 أو 40% من القيمة السابقة للتسعير عليها عبر السوق الموازية، مشيرًا إلى ما ذكره رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية في وقت سابق من أن هناك دورة للأسعار تمتد ما بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، وفور انتهائها ستتراجع الأسعار تلقائيًا، مؤكدًا أنه يجب العمل على خفض الأسعار بنسبٍ ملموسة؛ حتى يشعر بها المواطن، وحتى توازي الإجراءات التي اتخذتها الدولة لتوفير العملة الأجنبية.
وخلال اللقاء، نوّه رئيس الوزراء، إلى أن التضخم غير المسبوق كان بسبب السلع الرئيسية، ونتيجة لذلك اضطر البنك المركزي لرفع الفائدة 8 نقاط أساس كإجراء اضطراري لوقف التضخم، لافتًا أيضًا إلى أن السبيل الأوحد للخروج من دائرة التضخم هو خفض أسعار السلع الرئيسية بما يتناسب مع قيمة انخفاض الدولار عن السوق الموازية، وهذا الحل هو دور تشاركي بين الحكومة والتجار هدفه الوقوف مع المواطن المصري الذي تحمل الكثير خلال الفترة الماضية ومن ثم يجب ضبط الأسواق.
مدبولي يعلن انتهاء أزمة البضائع المتراكمة في الموانئ
وأضاف مدبولي أنه وفقًا للأرقام التي تم عرضها من خلال وزارة المالية فيما يخص البضائع في الموانئ؛ فقد كنا نواجه دائمًا مشكلة البضائع المتراكمة في الموانئ، وعدم خروجها لعدم توافر الدولار، واليوم تمكنت الحكومة بالتعاون مع الجهاز المصرفي، من إنهاء إجراءات بضائع بقيمة تزيد على ٤.٥ مليار دولار، ولم يتبقَ حاليًا بضائع متراكمة.
وتابع: "الحكومة من جانبها قامت بتنفيذ المطلوب منها، وتمكنت بالتعاون مع الجهاز المصرفي، من توفير العملة الصعبة، وانهاء الاجراءات الخاصة بخروج البضائع من الموانئ، ولكن أصحاب البضائع يرفضون الذهاب للإفراج عنها، بحجة أن أمامهم مهلة شهر دون دفع غرامة أو تكلفة الأرضيات بالموانئ، وانتظارًا لانخفاض قيمة الدولار لتحقيق مكاسب، مُشيرًا إلى أن استمرار وجود هذه البضائع في الموانئ يتسبب في نقص الكميات المتوفرة منها في السوق. وأوضح أنه في الوقت الذي كان الدولار قيمته ترتفع حاول البعض تحقيق مكاسب، وأيضًا حينما بدأ الدولار في الانخفاض البعض الآخر يحاول الآن تحقيق مكاسب مرة أخرى دون مراعاة للمواطن البسيط، وقال: كل ما نطلبه اليوم أن نتفهم وندرك أننا جميعًا في خدمة المواطن، الذي يجب أن يشعر بمردود الإجراءات التي اتخذتها الدولة في الفترة الأخيرة خاصة فيما يتعلق بالأسعار".
وشدد «مدبولي» على أن "ما نطلبه في هذا التوقيت أن نرى إجراءات حقيقية في انخفاض واقعي للأسعار، ليس فقط للسلع الغذائية ولكن أيضًا السلع الأساسية التي تمثل احتياجًا رئيسيًا للمواطن مثل السلع المُعمرة والأجهزة، ليس بنسبة بسيطة مثل 2% و3% و5%، ولكن بنسب أكبر من ذلك، فإذا كان التسعير في الوقت الماضي قد تم بسعر مرتفع للدولار من السوق الموازية، بلغ نحو 72 جنيهًا فالسعر انخفض حاليًا، إلى نحو 46 جنيهًا، أي نحو نصف القيمة، وذلك بعد كل ما تم اتخاذه من إجراءات من جانب الدولة، فلابد من مردود أكبر لهذه الإجراءات".
وفي هذا الشأن، قال الدكتور وليد جاب الله الخبير الاقتصادي، إن تخفيض الأسعار في الفترة المقبلة من الممكن أن يستغرق بعض الوقت وبخاصة في أعقاب الزيادة الكبيرة والمتتالية في الأسعار على مدار الأشهر الماضية، ولكن من المتوقع أن نشهد خفض الأسعار مع استقرار سعر الصرف وتوقيع العديد من اتفاقيات الاستثمار المباشر وتوفير النقد الأجنبي.
وأضاف "جاب الله" أن تصريحات رئيس الوزراء تؤكد أن الحكومة ليست راضية عن تراجع الأسعار الذي يأخذ وتيرة بطيئة، وبخاصة في ظل جهود الإفراج عن السلع المتراكمة في الموانئ وتوفير النقد الأجنبي لتوفير السلع الأساسية، ولهذا تسعى الحكومة لإشعار المواطن بتخفيضات حقيقية تتناسب مع الجهد المبذول من قبل الدولة لتوفير السلع، وتراجع قيمة الدولار في السوق الموازية.
وتابع: "الحكومة بالتعاون مع البنك المركزي نجحت في سد الفجوة التمويلية وتوفير كل الدعم للمنتجين والمستوردين لتوفير السلع والبضائع الأساسية، وتنتظر أن يظهر مردود ذلك في الشارع المصري خلال الفترة المقبلة".
من جهته قال الباحث الاقتصادي، الدكتور فرج عبدالله، إن ما تشهده السوق المصرية في الفترة الحالية هو محاولة للسيطرة على الأسعار وكبح جماح التضخم، حيث وصلت أسعار السلع الأساسية إلى مستويات قياسية في الآونة الأخيرة.
وأضاف عبد الله أن توفير النقد الأجنبي واستقرار أسعار الصرف دفع بالعديد من الأسواق إلى تخفيض أسعارها، مثل ما يشهده سوق السيارات، كذلك بعض السلع بدأت تنخفض تدريجيًا، أو على الأقل لم نواجه في الفترة الحالية عشوائية التسعير، وارتفاعات غير مبررة في أسعار السلع الأساسية، ومن المنتظر استكمال هذه الانخفاضات في أسعار السلع مع استقرار السوق وتوافر المعروض من السلع الأساسية والاستراتيجية".