أيام معدودات وينتهي شهر رمضان الفضيل، ولا تزال محركات البحث تضج بكل ما يخص طائفة الحشاشين، التي برز أسمها هذا العام بسبب مسلسل “الحشاشين” بطولة النجم كريم عبد العزيز ومجموعة أخرى من أبرز النجوم، ومن بين ما يبحث عنه الجمهور هى “قلعة آلموت”، وهل هى مكان موجود بشكل حقيقي أم أنها من خيال المؤلف؟ وهل كانت حصن منيع مثلما ذكر المسلسل؟ وكيف سيطر عليها حسن الصباح مؤسس طائفة الحشاشين دون قطرة دماء؟ وهل مات بداخلها الصباح أم هرب بعد أن بلغ من العمر أرذله؟ وبأي طريقة استولى المغول عليها بعد صمودها لسنوات عديدة في وجه أي هجوم؟
في البداية نتعرف على معنى اسمها، قلعة آلموت يتألف اسمها من كلمتي "آل" و"مَوت" اللتان تعنيان في اللغة البهلوية القديمة، عش النسر وتعني بالفارسية وكر العُقاب، وهو نوع من أنواع النسور الجارحة.
وهذه القلعة كانت موجودة بالفعل، فوق حصن جبلي يقع وسط جبال ألبرز أو الديلم في مدينة رود بار (جنوب بحر قزوين) على القمة وتحديدًا بالقرب من نهر شاه ورد، ويبعد عن العاصمة الإيرانية طهران تقريبًا 100 كيلومتر على ارتفاع 2,100 متر، مما جعل غزوها أمر شاق على أي شخص، لم يستطع المؤرخون معرفة تاريخ بنائها بالتحديد أو حتى من بناها، ولكن على حسب المصادر، فقد جُددت عام 860 م على يد حاكم علوي.
وحسب ما ورد في كتاب حركة الحشاشين تاريخ وعقائد أخطر فرقة سرية في العالم الإسلام، يقول دكتور محمد عثمان الخشت، (إن مَن بنى قلعة آلموت هو ملك ملوك الديلم، وقد أمر ببنائها بعد أن رأى منها موضعًا استراتيجيًا حصينًا، وأطلق عليها وعلى ما يجاورها اسم طالقان، وقد وقعت تحت رعاية شرشفاه الجعفري، والذي بدوره استناب فيها رجلًا علويًا حسن النية يتميز بسلامة الصدر).
ولكن الحسن الصباح مؤسس فرقة الحشاشين، استطاع دخول القلعة سرًا، بفضل رجاله المتخفين بداخلها، وظل فيها فترة وجيزة، وبعدها براجحة عقل ودون إهدار قطرة دماء، استولى على عقل الحاكم العلوي قبل أن يستولى على قلعته، ففي البداية حاول الحسن التقرب للأمير العلوي وضمه إلى العقيدة الإسماعيلية لكنة أبى، وبعد مفاوضات ونقاشات خاضها الحسن بكل صبر وإتقان، لما يعلمه من أهمية قلعة آلموت في تثبيت أقدام فرقته، استطاع التأثير على الأمير العلوي الذي بدوره سمح له بدخول القلعة، بل أنه حتى أعجب بعقل وذكاء الحسن الصباح، وبناء على ذلك، أخرجه رجال الحسن الصباح وبعثه إلى دمغان بعد أن أعطوه ثمن القلعة ومتعلقاته.
وأصبح الحسن الصباح سيدًا لقلعة آلموت، وأعلن منها دولته حيث جاء إلى أصفهان عام 1081 من أجل أن يقيم دولة تكون امتدادًا للدولة الفاطمية فى شمال أفريقيا، وظل فيها 53 عاما كاملة حتى وفاته، وكانت بداية سيطرة "الصباح" على تلك القلعة بداية انتصارات له على دولة السلاجقة التى كانت تحكم بلاد فارس في هذه الفترة، وبداية لتوسع طائفة الحشاشين، واتخذ الحشاشون مع "آلموت" عدة قلاع حصينة فى قمم الجبال لنشر دعوتهم وبناء دولتهم، مما أكسبها عداءً شديدًا مع الخلافة العباسية والفاطمية والدول والسلطات الكبرى التابعة لهما، كالسلاجقة والخوارزميين والزنكيين والأيوبيين إضافة إلى الصليبيين.
وتميزت هذه القلعة، بأنها ذات اتجاه واحد يمكن الشخص من الوصول إليها، ويحيطها منحدر مصطنع يحتوي على صخور خطيرة وشديدة الانحدار، لهذا كانت فكرة الغزو لها شبه مستحيلة الحصن، وظلت هكذا تصد هجمات العدو وتحمي طائفة الحشاشين حتى عام 1256م، أي بعد وفاة الصباح بحوالي 166 عامًا.
وعام 1256م، الأمير ركن الدين خورشاه زعيم الحشاشين وآخرهم فى ذلك الوقت لم يستطع مقاومة المغول بقيادة هولاكو، فعرض الاستسلام على المغول مقابل سلامته ومن معه، فوافق هولاكو وتم إخلاء قلاع الحشاشين ومن ضمنها آلموت، وبعدها أحرقوها بما فيها من مكتبة ضخمة ضمت أسرار الحركة وأدبها، كما أنهم نقضوا عهدهم مع ركن الدين فقتلوه وبعض من أتباعه.
وتشير بعض المصادر التاريخية، أن الحسن الصباح توفى عن عمر يناهز الـ 87 عامًا، وقد دفن في قلعته آلموت فدخلها حينها ولم يخرج منها والأغلب يشير أنه توفى داخلها والقلة ترى أنه عندما شعر بوهن الكبر والمرض فضل الهروب على أن يرى قلعته تنهار أمام الأعداء أو حتى يتخذ هو كأسير.
ولم يتبقَ من القلعة سوى أطلال، عبارة عن مكتبات وحدائق، حتى عام 2004، حيث انهارت بالكامل جراء زلزال ضخم ضرب هذه المنطقة.