دخلت القارة الأفريقية في صراعات داخلية بعد إعلان بعض من الدول استقلالها، ولكن أخذ الصراع شكلا جديداً لمواصلة السيطرة على الدول التي رحل عنها، بنشر الأفكار الانفصالية من ناحية، وزيادة وتيرة الحروب الأهلية من ناحية أخرى، ففي عام 1957 بدأت الاضطرابات تجتاح عددا من دول القارة، فمثلا اندلعت في السودان حرب أهلية استمرت لأكثر من نصف قرن وكانت المحصلة انفصال جنوب السودان، بينما شهدت نيجيريا نزاعات مسلحة عُرفت باسم حرب بيافرا في عام 1967 استمرت لـ أربع سنوات راح ضحيتها مليوني شخص، وكان من نتائجها تواصل النزاعات الدينية والثقافية، والتي تعاني منها نيجيريا حتى الوقت الحالي.
ولم يختلف الأمر كثيرا في الكونغو الديمقراطية، والتي كانت تُعرف باسم زائير، ورواند وليبيريا والصومال، والتي تركتها من خلفها ملايين الضحايا من الأبرياء، بالإضافة لتعطيل حركة التنمية في الداخل، وانتشار الفقر.
وفي إثيوبيا تستمر النزاعات بين الحكومة الفيدرالية ومجموعة فانو الانفصالية، مع زيادة حدة التوترات في إقليم آمهر، وشعورهم بالتهميش بعد اتفاقية السلام بين إقليم التيجراي والحكومة الإثيوبية بعد حرب راح ضحيتها في عامين فقط 300 ألف شخص.
غرب أفريقيا بؤرة الإرهاب العابر للحدود:
تُعد منطقة غرب أفريقيا من أكثر المناطق التي تشهد صراعات للعنف المسلح، كما أنها الأعلى من حيث عدد الوفيات التي كانت نتيجة للنزاعات والحروب الأهلية، والتي حولت المنطقة لأكثر المناطق معاناة من الفوضى والاضطرابات الداخلية، حتى أن الأمر تخطى الحدود السياسية، وتسبب في خراب الاقتصاديات، وتدفق العديد من اللاجئين في الدول الأفريقية والغربية، كل ذلك يرجع للاستعمار الأوربي للقارة، والانقسامات الإثنية وما تركه الاستعمار القديم من تخلف وفقر، وزاد الأمر الاستعمار بمفهومه الجديد والذي تسبب في الصراعات الداخلية وتدهور العلاقات بين المدنيين والعسكريين في دول القارة.
وتفاقمت الأوضاع بعد ظهور الإرهاب داخليا، أو الإرهاب العابر للحدود، وهو بؤرة انتشار العنف المسلح والذي تخطى الحدود المحلية لينتقل لدول مجاورة، وهو أشد عنفا من غيره، والذى حول منطقة غرب أفريقيا لمركز عالمي للإرهاب، وتسبب في أزمات انعدم الأمن وانتشار القرصنة، حسب رؤية الدكتور أحمد إبراهيم محمود في كتابه غرب أفريقيا: تحولات الصراع والعنف المسلح في بيئة مضطربة.
وكانت منطقة غرب أفريقيا صاحبة النصيب الأكبر لعودة الانقلابات العسكرية، ففي يوليو 2023 شهدت النيجر انقلابا عسكريا، ثم الجابون في أغسطس من نفس العام، بعدما نجحت هذه الانقلابات في غينيا ومالي خلال الأعوام السابقة، وهو ما يُعيق عمليات التحول الديمقراطي، ومع تهديدات المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا "الإيكوس" يرى أحمد إبراهيم في تحولات الصراع والعنف المسلح أن المنطقة كانت على حافة الهاوية خاصة بمحاولة التدخل العسكري من قبل نيجيريا ورغبتها في إعادة الحكم المدني في النيجر، وهو ما رفضته النيجر وقتها، وتضامن معها عدة دول، وكان ذلك جرس إنذار يهدد المنطقة بحرب إقليمية ربما تشتعل في القريب، بالإضافة للتدخلات الخارجية التي تٌعاني منها منطقة غرب أفريقيا، وأبرزت هذه الأزمة زيادة العداء من قبل دول غرب القارة تجاه فرنسا، مع تزايد العدوان تجاه فرنسا لتراكمات قديمة من أسبابها استمرار استغلال فرنسا لمقدرات دول غرب القارة ومن أهمها قامت به الدولة الأوربية في نهب ثروات النيجر، والإجراءات التعسفية التي وضعتها فرنسا لقبول المهاجرين من دول غرب أفريقيا، والتي كانت على أساس ديني، وزيادة التدخلات الفرنسية في النيجر وغيرها من الأمور التي مارستها فرنسا.
الدور الأمريكي في غرب أفريقيا:
بعد زيادة العداء تجاه الدور الفرنسي من قبل دول غرب أفريقيا، استغلت الولايات المتحدة الأمريكية الموقف وبدأت فى ممارسة دورها في إدارة الصراعات في غرب القارة، وخاصة بعد تراجع المصالح الأوربية في المنطقة، وتقوم وجهة النظر الأمريكية على أن منطقة غرب أفريقيا منطقة استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، ليس فقط للثروات التي تمتلكها دول المنطقة، ولكن لأنها تعتبر أحد أهم المناطق التي تتواجد فيها أوروبا متمثلة في فرنسا، وغياب الدور الأمريكي خلال الفترة الماضية يمهد لها الدخول تحت زعم أنها صاحبة السلام وتعمل على إنقاذ دول غرب أفريقيا من الهيمنة الأوربية التي ساهمت في اشتعال المنطقة، وزيادة الانقلابات العسكرية، ونهب ثروات ومقدرات شعوب دول غرب أفريقية، وأنها تمتلك العصا السحرية لحل أزمات المنطقة، كما أنها تنشر من خلال وسائلها الإعلامية أنها لديها تصور جديد للمنطقة الأفريقية لإيقاف نزوح الأرواح والمقدرات، وأنها تمتلك مقدرات كبرى سوف تسخرها لخدمة دول غرب أفريقيا حتى تتعافى من أزماتها، وهو الدور الذي يلعبه منذ شهور القادة الأمريكيون في الترويج لقدوم الولايات المتحدة إلى المنطقة، ومن الناحية الداخلية يعمل صناع القرار بإقناع الكونجرس بضرورة هيمنة الدور الأمريكي في غرب أفريقيا، لمواجهة الإرهاب من ناحية ومواجهة النفوذ الغير أمريكي من ناحية أخرى، ورغم عدم صدق النوايا الأمريكية إلا أن الأمر يلقى دعما أوروبيا وأفريقيا، ودوليا أيضا بعدما عجزت دول الإيكوس في حل الأزمات والصراعات، بسبب الانقسامات الداخلية، ورفض بعض الدول دخول دولة أخرى أفريقية في حل الخلافات والصراعات، بالإضافة أن الجماعة الاقتصادية ذاتها تتلقى دعما خارجيا، وهو أحد أسباب ضعفها، كما ذُكر في تحولات الصراع والعنف المسلح في بيئة مضطربة، أما الحل الأمثل هو تكاتف دول القارة مع مساندة إقليمية ودوليةن ووضع خطة زمنية لإنهاء الصراع في غرب أفريقيا وضمان عدم التدخلات خارجيا أو إقليميا بعد الوصول للسلام.