له بصمة خاصة في الشعر العربي الحديث، فقد اكتفى بشعره غذاءً لروحه وعاش حياته في قرية عين الحياة القبلية التابعة لمركز قلين بمحافظة كفر الشيخ زاهدا متصوفا، هذا ما يعرفه كل المقربين من الشاعر الكبير محمد الشهاوي، الذي احتفلت محافظة كفر الشيخ، بيوم ميلاده أمس في الخامس والعشرين من شهر مارس.
في سن مبكرة ألحقه والده بكتاب القرية فحفظ القرآن الكريم ثم التحق بالمعهد الديني بدسوق، وظهرت موهبته الشعرية مبكرة في المرحلة الإعدادية وملكت عليه نفسه في المرحة الثانوية فأخذ ينهل من ديوان العرب، حتى نضجت موهبته فنظم الشعر عذباً رقيقاً، وصدرت له باكورة إنتاجه الأدبي مجموعة شعرية عام 1962م بعنوان "ثورة الشعر" وهو طالب بالثانوية الأزهرية وترك الثانوية.
بدأ الشهاوي رحلته مع الحياة مليئة بالأشواك والآلام، وانصرف للشعر يبثه ألامه وهمومه وأشجانه، ومن الطريف أنه وهو طالب بمعهد دسوق الثانوي تولى إدارة المعهد شيخ ضرير كان يعامل الطلاب بقسوة شديدة فنظم الشهاوي قصيدة يهجو فيها شيخ المعهد وحفظها الطلاب جميعا وهي بعنوان " إلي الأعمي المتكبر " ( 1 ) يقول فيها:
“من فضل ربى أنه أعماكا فأراح من يلقاك إذ يلقاكا لو كان يعلم أن فيك منافعاً يا أيها الأعمي لما أعماكا سبحانه ملك لطيف عادل قد أمن الدنيا بمحو رؤاكا لو كان للجهل المركب دولة ما كان يحكم ملكها إلاكا إن قمت تخطب فالخطوب نوازل والكرب والبلوى هنا وهناكا”.
ويقول نجله أحمد الشهاوي، مدير عام مديرية الثقافة بكفرالشيخ، إن الشاعر الكبير عضوا باتحاد الكتاب، ولجنة الشعر بالمجس الأعلى للثقافة، وجماعة الفنانين والأدباء بأتيليه القاهرة، وجمعية الأدباء بالقاهرة، وأمانة مؤتمر أدباء مصر، وأسرة تحرير مجلة "سنابل" ( 1969: 1972 )، وأسرة تحرير مجلة "دلتا الثقافية"، وأسرة تحرير مجلة "أوراق ثقافية".
كما شغل رئيس تحرير مجلة "إشراقة"، وسلسلة كتب "إصدارات إشراقة"، ومجلة "سنابل" (الإصدار الثاني والثالث).
وأضاف أنه أحد المكرمين في العيد الأول والثاني الثقافي، المؤتمر الأول لأدباء مصر 1984 ، دولة الإمارات العربية المتحدة ( أبوظبي 1996) ، الشارقة بدولة الإمارات العربية عام 2004.
وأقامت له معظم محافظات مصر مهرجانات تكريمية بمناسبة بلوغه سن المعاش، فأقام له المجلس الأعلى للثقافة مهرجانا أدبيا وفنيا لتكريمه في عيد ميلاده السبعين، وأصدر المجلس بهذه المناسبة كتابا تذكاريا عن تجربة الشاعر ضم كتابات وشهادات لكبار المبدعين والنقاد بعنوان "تحولات العاشق".
وقد مثّل مصر في أكثر من مؤتمر عربي وأوروبي بدءا من عام 1984 م، وهو أيضا مشارك دائم في معرض الكتاب بالقاهرة والإسكندرية، ونشرت أشعاره في العديد من المجلات والصحف المصرية والعربية، وتُرجِمت بعض أشعاره إلى الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والبوسنية، وحصل على منحة تفرغ من وزارة الثقافة للإبداع الشعري منذ عام 1994 م.
ومن أبزر الجوائز التي حصل عليها" الجائزة الأولى لأفضل قصيدة 1996 (مؤسسة البابطين للإبداع الشعري)، الجائزة الأولى لأفضل ديوان شعر سنة 2000 (مؤسسة أندلسية) عن ديوان "إشراقات التوحد"، جائزة الأولى لأفضل ديوان شعر 2004 (جمعية الأدباء) عن ديوان “مكابدات المغني والوتر”، جائزة التميز (كُبرَى جوائز اتحاد الكتاب ) 1997، جوائز أولى على مستوى الجمهورية أعوام 1965 ، 1973 ، 1974، جائزة كفافيس الدولية أكتوبر 2017 عقب فوزه بجائزة كفافيس".
وفاز الشهاوي أيضا بجائزة الدولة التقديرية في الآداب 2019، وهو عضو في لجنة الشعر من عام 2015 وحتي الآن.
وكان محافظ إقليم كفر الشيخ - مسقط رأس الشهاوي - وعد بإطلاق اسم الشاعر على أحد الميادين الرئيسية بالمحافظة الواقعة في أقصى شمال الدلتا، ولكن لم يتم الأمر حتي الآن.
ومن إصداراته الشعرية: “ثورة الشعر 1962 م - قلتُ للشعر 1972 م - مسافر في الطوفان 1985 م - زهرة اللوتس ترفض أن تهاجر 1992 م - إشراقات التوحد 2000 م ( أعادت مكتبة الأسرة طبعه سنة 2003) - أقاليم اللهب ومرايا القلب الأخضر 2001 م - مكابدات المغني والوتر 2003 م - قصائد مختارة، إصدارات دائرة الثقافة والإعلام – حكومة الشارقة 2005”.
وقال نجله أحمد الشهاوي إن عددا من كبار الشعراء يزورن والده في منزله بمسقط رأسه، أمثال مصطفي أبوغيلان ، أحمد عنتر مصطفي، إيهاب البشبشي ، محمد عبدالوهاب السعيد ، محمود جمعة، شريفة السيد، ويتناوبون عن إلقاء القصائد الشعرية، كما يتواصل معه هاتفياً الدكتور صابر عرب وزير الثقافة السابق.
وأضاف نجل الشاعر الكبير أن والده حالياً مريض أمراض الشيخوخة، ولكن تزداد آلامه مع ما يشاهده في الحرب على غزة، وتجده يذرف الدعم، كما أنه كان يتمني أن يطلق اسمه علي أحد شوارع أو ميادين كفر الشيخ كما وعُد في السابق وإلي الآن لم يتم بعد .
أما الشاعر الشاب أحمد زكي شحاتة، والذي يعد أحد المتأثرين بمدرسة شعر الشهاوي فيقول إن عيد ميلاد شيخ شعراء الأمة العربية محمد محمد الشهاوي، هو يوم للتذكير بأنّ كفر الشيخ تتصدر خارطة الإبداع في مصر والوطن العربي، بوجود هذا الثمانيني الأخضر القابع في عين الحياة تاركًا العاصمة بما فيها لمن فيها، فالشهاوي الذي ولد وعاش ليبقى في قرية عين الحياة بلبلًا صداحًا وحسونًا مغردًا، اختار لنفسه أن يظل طوال حياته بعيدًا عن الأضواء منزويًا عن الإعلام في قريته القابعة هناك في "حاضرة السحر والبحر.. وفاتنة الجهات الأربع، ناسكًا في محراب الشعر المقدَّس، ومريدًا في حضرته البهية، لم يزاحم يومًا بل ترك العاصمة بما فيها لمن فيها.
وأضاف شحاتة أنّ الشهاوي، لم يطرق باب الزمن ليستأذن بالولوج، بل جاءه الزمان سعيًا ينشده الدخول، ليواصل مشروعه، ممتطيًا صهوة جواد لم يترجل عنه منذ جاء إلى الدنيا في الخامس والعشرين مارس عام 1940 لينشد (ولدتُ المرة الأولى/ وقابلتي هي المنفى/ ومهدي الشوك والصبـّار!! وثديي الجوع والأحجار/ وكان الليل منتصفا/ وكان الكون مرتجفا/ فلم يشعر بميلادي سوى الحيطان/ وعند الصبح قالوا: ليته ما كان/ فإن العالم استكفى).
ومن قصائده أيضا (وراءَ الفراشاتِ/ ينفق أكثر ساعات يومه/ ليجنىَ حين يعود إلى البيت تأنيب أُمِّه/ وفى الصبح/ يستأنف الركض خلف الفراشات/ إلى أن رأه أبوه/ فأسرع يدفع عنه أساه/ ويمسح عن مَحجريه الدموع بِكُمـِّهِ/ فلمـّا أحسّ بدفءِ حنان الأبوّة نام).