أعلنت السلطات الإقليمية فى إقليم تيجراى حالة المجاعة.. بينما يرفض رئيس الوزراء أبي أحمد الاعتراف بالأزمة الغذائية الخطيرة التي تؤثر على المنطقة الشمالية من البلاد.
في منطقة أتسبي شبه القاحلة فى شرق تيجراى، يعود آخر هطول كبير للأمطار إلى خريف عام 2022، وقت آخر قتال في الصراع بين الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى وبين القوات الفيدرالية الإثيوبية المدعومة من إريتريا، وتسبب في مقتل ما لا يقل عن 600 ألف شخص، وفقا لتقديرات الاتحاد الأفريقي.
يشير تيسفاي هايلو، رئيس قرية فيليجويني، شرق تيجراى، إلى عدة مزارع غير مأهولة. يقول فى تصريحات لصحيفة "لوموند": لقد فر السكان وتركوا منازلهم وأراضيهم، ماتت الماشية منذ أشهر. وأوضح المسئول أن المزارعين لم يرغبوا في مواجهة نفس المصير.
ويضيف هايلو قائلًا "لا نعرف أين ذهبوا، ولا نعرف ما إذا كانوا سيعودون، ولا نعرف ما إذا كانوا على قيد الحياة"، بينما يبدو حقله المليء بالحجارة حزينًا مثل حقول الجيران.
لقد مات ما لا يقل عن 42 من سكان هذه القرية التي يبلغ عدد سكانها 9000 نسمة بسبب الجوع منذ أكتوبر 2023، كما يقول المسئول، ويضيف "عادةً ما يكون شهر فبراير هو وقت الحصاد الأول، ولكن هنا ليس لدينا حبوب.
عدد الوفيات يرتفع، لأن الأمطار القادمة لن تهطل قبل مايو أو يونيو، إذا هطلت"، حسبما قال، متأسفًا، هذا الرجل الأربعيني الذي تاه بصره في الأفق القاحل والمهجور.
وسجل مستشفى أتسبي زيادة بنسبة 200% في حالات سوء التغذية منذ نوفمبر 2023. وتوقف تسفاي هايلو عن إحصاء عدد جيرانه الذين ذهبوا للتسول للحصول على الطعام في المدن الرئيسية في تيجراى، أو الذين نفوا أنفسهم إلى بلاد أخرى. ولا يزال آخرون مجندين في صفوف قوات دفاع تيجراى.
أما ليشان هاجوس، فهى مزارعة تبلغ من العمر 48 عامًا، ذات ملامح جافة بسبب شمس المرتفعات الإثيوبية، لم تغادر بعد مزرعتها، على عكس أبنائها الستة، الذين ذهبوا إلى ميكيلي، العاصمة الإقليمية، وإلى ووكرو، أكثر المناطق تضررًا.. الإسطبل مهجور، وتم بيع البقرة الوحيدة التي كانت تشغله في نوفمبر 2023 للتعويض عن قلة المحاصيل.
والدتها "توفيت منذ خمسة أشهر. كانت تفقد وزنها بشكل واضح، ولم يعد لديها المزيد من القوة، وكانت مثلي تأكل وجبة واحدة فقط في اليوم". ولم يصل إليها سوى 15 كيلوجرامًا من بذور الشعير والقمح المحمص منذ يناير. تقوم بتحويلها إلى عصيدة لطهي وجبتها اليومية الوحيدة. "لهذا السبب أنا متماسكة، ولكن إلى متى؟ تضيف قائلة: "أنا أضعف من أن أتحرك".
فساد مالى فى أديس أبابا
وهكذا، تقع تيجراى وسكانها البالغ عددهم 6 ملايين نسمة ضحايا لأزمة غذائية ناجمة عن الجفاف والدمار الذي خلفته الحرب والغياب الفعلي للمساعدات.
وبينما كانت الأمم المتحدة على وشك الاعتراف بحالة المجاعة خلال الحرب في تيجراى، أوقف برنامج الأغذية العالمي فجأة جميع توزيعاته الغذائية في مارس 2023.
دفعت فضيحة ضخمة تتعلق باختلاس المساعدات الإنسانية من قبل السلطات الإثيوبية فى أديس أبابا، برنامج الغذاء العالمي والوكالة الإنسانية الأمريكية USAID إلى وضع حد لعمليات التوزيع، لإجراء تحقيق وتطوير نظام جديد للإسناد والتوزيع.
ومع وجود 20 مليون شخص في حاجة إلى مساعدات إنسانية، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة، تعد إثيوبيا أكبر متلق للمساعدات الغذائية الأمريكية في العالم.
الملايين ينتظرون الموت
استؤنفت المساعدات ببطء اعتبارًا من ديسمبر 2023. ويقول جبريهيووت جبرجزيابهر، رئيس المكتب المسئول عن حالات الطوارئ الإنسانية داخل إدارة تيجراى: "بعد فوات الأوان، تحول الجفاف بالفعل إلى مجاعة. وهذا يعني 2694 حالة وفاة مرتبطة بالمجاعة، منها 1390 حالة وفاة مباشرة بسبب الجوع؛ ويعاني 91% من سكان تيجراى من نقص التغذية، وفقًا للبيانات الإقليمية".
هذه الأرقام، إلى جانب حقيقة أن نصف الأراضي الصالحة للزراعة التابعة لتيجراى قبل الحرب لا تزال تحت احتلال رجال ميليشيا الأمهرة المدعومة من الدولة، دفعت الإقليم إلى إعلان حالة المجاعة.
وكتب الرئيس المؤقت لتيجراى، جيتاشيو رضا، دون أن تستمع إليه الحكومة الإثيوبية: "إن الملايين من سكان تيجراى ينتظرون ببساطة مصيرهم الرهيب، الموت".
ويتهم السلطات الفيدرالية في أديس أبابا بالتخلي طوعًا عن سكان تيجراى وتركهم لمصيرهم. يحتج جبريهيووت جبرجزيابهر قائلًا "منذ اتفاق السلام في نوفمبر 2022، لم تقدم لنا الحكومة الإثيوبية سوى ما يعادل طعام شهر واحد لـ1.5 مليون شخص، إنها إهانة".
ولا يريد رئيس الوزراء آبي أحمد، الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2019، أن يسمع عبارة إعلان حالة المجاعة. وما يشهده إقليم تيجراى من شأنه أن يوقظ أشباح الماضي، ولا سيما مجاعة عام 1984 الكبرى، التي لقي خلالها ما بين 300 ألف ومليون إثيوبي حتفهم، بحسب التقديرات.
إن صورة الدولة التي يستهلكها الجوع ستكون أيضًا مناقضة لصورة الدولة الرئيسية المصدرة للقمح وسلة الحبوب المستقبلية لأفريقيا التي يسعى آبي أحمد إلى الترويج لها بشكل دعائى، وزعم أمام البرلمان في 6 فبراير الماضى أنه "لا يموت أحد بسبب المجاعة في إثيوبيا"، مناقضًا تقرير وسيط الجمهورية الذي أفاد بوجود ما يقرب من 400 ضحية للجوع، معظمهم في تيجراى ولكن أيضًا في أمهرة، والذي نُشر قبل أسبوع من حديث آبى أحمد.
إفلاس أخلاقى وسياسى
من المفارقات أن آبي أحمد حصل، في 28 يناير الماضي، على جائزة أجريكولا من منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، وذلك "لمساهمته في التنمية الريفية والشئون الاقتصادية" في إثيوبيا.
واستغربت منظمة هيومن رايتس ووتش "الاختيار الذي قد يبدو مفاجئا، في ظل التقارير التي تتحدث عن انعدام الأمن الغذائي على نطاق واسع". وقال جيزاهجن كيبيدي، مدير منظمة أوكسفام غير الحكومية في إثيوبيا: "إن رؤية الناس يموتون من الجوع يعد فشلًا أخلاقيًا وسياسيًا. إننا لا نرى سوى قمة جبل الجليد، حيث يضطر ملايين الأشخاص إلى اللجوء إلى وسائل لا يمكن تصورها لمكافحة الجوع".
ولم يفشل جيتاشيو رضا في خطاباته في المقارنة بين مجاعة عام 1984 التي حركت العالم وأدت إلى موجة من التبرعات وبين الوضع الراهن الذى يغيب عنه العالم. وتتذكر المزارعة ليشان هاجوس: "في عام 1984، لم يكن لدينا أي شيء على الإطلاق، لكنني تمكنت من اللجوء مع عائلتي إلى أسمرة، في إريتريا، للعثور على الطعام".
وبعد مرور أربعين عامًا، لم يعد لديها هذا الخيار. اليوم، أصبحت إقليم تيجراى في كارثة، حيث يحيط به جيران معادون. وليشان هاجوس محكوم عليها، مثل الملايين غيرها، بانتظار المساعدة التي لا تأتي.