قالت الكاتبة الصحفية والإعلامية داليا عبدالرحيم، مقدمة برنامج “الضفة الأخرى"، ونائب رئيس قطاع القنوات الإخبارية بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لملف الإسلام السياسي: إن هناك عدد من المفاهيم التي ترتكز عليها الجماعات الإرهابية والمتطرفة، وسنركز في حلقة اليوم على ثلاثة من أهم المفاهيم التي تروج لها هذه الجماعات طبقا لفهمها الخاص لها والبعيد كل البعد عن حقيقة المفهوم في المجال الديني، وهي الجهاد، والحسبة، والاستعلاء.
وأضافت "عبدالرحيم"، خلال تقديمها برنامج “الضفة الأخرى”، المُذاع عبر فضائية “القاهرة الإخبارية”، أن هذه المفاهيم وغيرها كانت وما زالت الأساس الذي تعتمد عليه الجماعات الإرهابية والمتطرفة في تجنيد عناصرها وإلباس الحق بالباطل في كل عصر وكل مكان، فالجهاد في اللغة العربية يعني عمومًا "الاجتهاد" أو بذل "جهد حثيث"، والمجاهد هو الشخص الذي يجتهد أو يشارك في الجهاد، وكثيرًا ما يتسع معنى هذه الكلمة ليشمل الجهاد في سبيل الله، وذلك لأجل تمييز العبارة عن استخدامها ما قبل الإسلام والتأكيد على أن بذل "الجهد الحثيث" يتمّ بتوكيلٍ من الله؛ غير أن الدلالات الدينية على نحو خاص للكلمة تحمل درجات مختلفة من المعاني حتى في القرآن الكريم، حيث أن معنى الجهاد وغيره من المفاهيم التي سوف نناقشها في هذه الحلقة وغيرها يتغير بالتزامن مع البيئة الاجتماعية-السياسية المتغيرة.
وأوضحت أنه حين مناقشة هذه المفاهيم نجد أنه خلال الفترة "المكية" الأولى للإسلام، ركّزت رسالة النبي محمد عليه الصلاة والسلام عن الجهاد على نشر الإسلام مقابل نظام سائد اتّسم إلى حدّ ما بالوثنية وعبادة الأصنام وتعدد الآلهة، وعقب هجرة النبي القسرية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة وتوحيد أمّته، اتخذ الجهاد معنىً نشاطيًّا متخصصًا في الدفاع عن الدين ونشره، وتطوّر الجهاد إلى مفهوميْ النزاعات الداخلية والخارجية على السواء، ويمكن للجهاد أن يكون عبارة عن مقاومة ميول المرء الآثمة (ما يعرف أيضًا بـ"الجهاد الأكبر") أو مكافحة الظلم، الذي يُعرف بـ"الجهاد الأصغر".
وتابعت: “أما مفهوم الحسبة تأتي أهمية مناقشته في الوقت الراهن بسبب تنامي الممارسات القمعية والرقابية، التي تلجأ إليها الحركات الإسلامية بأطرافها السياسية والسلفية والمتطرفة والإرهابية تحت شعار تطبيق «الحسبة الشرعية» التي تتعارض بشكل واضح مع مدنية الدولة الحديثة والقوانين الوضعية الناظمة للعلاقة بين الأفراد والجماعات، وقد حاولت الحركات الارهابية والمتطرفة تطبيق «الحسبة الشرعية» في السنوات الأخيرة بسبب ضعف رقابة الدولة، وسيطرة هذه التيارات على مناطق جغرافية محددة في العالمين العربي والإسلامي، كما هو الحال مع تنظيمي«داعش» و«القاعدة» الإرهابيين في أفريقيا”، مشيرة إلى أن نظام الحسبة وحقوق الإنسان والحريات، وتمكين البيروقراطية الدينية، والشرطة الدينية، ومقاومة النساء لنظام الوصاية الدينية، في أكثر من بلد إسلامي يدعونا بشكل كبير لاعادة مناقشة هذه المفاهيم وتصحيحها، حيث أصبحت المجتمعات الإنسانية أكثر تنظيمًا بعد إقرارها القوانين المدنية، وتبقى الضمانة الوحيدة لحفظ كرامة المواطنين، هي بناء دولة الحق والقانون بما يترتب عليها من موجبات وحقوق ومساواة بين الجميع، وتعزيز قوة المجتمع بالحرية التي تلد نظامًا يطور القيم الأخلاقية.
واستطردت: "وكذلك يعد مفهوم الاستعلاء الذي تصدر له الجماعات الارهابية والمتطرفة واحد من الفاهيم التي تكرس لإقصاء الآخر وقهره على اعتباره مخلوق درجة ثانية بسبب التمييز بين البشر القائم على الدين، حيث تنظر الجماعات الإرهابية والمتطرفة للأخر أيا كان هذا الآخر أنه مخلوق درجة ثانية لأنه لا ينتمي للجماعة التي يعتقد سلفا أنها تمتلك الحقيقة وصحيح الإسلام وأن باقي البشر مخلوقات تحتاج للهداية وهو المسؤول عن هدايتها بما يناسبه هو ولو كان بالقتال وقطع الرقاب، هذا ما نراه من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة سواء مع الأخر المسلم خارج الجماعة ومثال ذلك الصراع بين القاعدة وداعش، أو الأخر الديني ومثال ذلك ما شاهدناه في مصر بعد عزل جماعة الإخوان عن الحكم بحرقهم الكنائس والاعتداء على الإخوة المسيحيين، وكذلك ما يفعله تنظيم داعش كل يوم في نيجيرا وموزمبيق من قتل الإخوة المسيحيين هناك.