كثيرة هي التحديات التي تواجهها الأم المصرية، وتتصدى لها بشجاعة نادرة، وبسالة منقطعة النظير. تحدياتٌ تبرز في العمل ومشكلاته اليومية، وفي البيت ومتطلبات الأسرة المعتادة، أو في طريقة وأسلوب تربية الأبناء بشكل تربوي سليم، خصوصًا في ظل تطور تكنولوجي غير مسبوق بات يفرض شروطه القاسية على الأسرة، وكادت أدواته المتمثلة في الفضاء الإلكتروني الهائل، ووسائل التواصل وتطبيقاتها المغرية، تنتزع من الأم "زمام السيطرة" على تربية الأطفال وتهيئة النشء، والتي كانت تمسك "عصا القيادة" فيها، بمشاركة ثانوية من الأب والمدرسة.
في يوم عيدها "عيد الأم"، الذي يوافق الحادي والعشرين من مارس كل عام، تواجه "ست البيت المصرية" تحديًا من نوع آخر، وهو "غول الغلاء" الذي يتوحش كل يوم، و"نار الأسعار" التي تزداد دائرة اتساعها بمعدلات مجنونة، باتت تتطلب حلولًا غير تقليدية من "وزير مالية الأسرة"، كما يصفها خبراء الاقتصاد وعلماء الاجتماع.
صحيح أن موجات الغلاء تضرب العالم وبر مصر منذ سنوات عدة، وتُنهك المواطنين جميعًا على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والمادية، لكن الموجة الحالية هي الأعنف والأشد ضراوة، إذ طالت كل شيء تقريبًا، ولم تنج منها أي سلعة ضرورية أو منتج تستهلكه الأسرة. لذا كان مطلوبًا من "الأم المصرية" إبتكار أساليب جديدة، أو لنقل "أسلحة" تعينها على خوض معركتها الشرسة مع المتطلبات المعيشية اليومية لأسرتها، بل والفوز في تلك المعركة التي فرضت عليها فرضًا، وهي في ذلك تمتلك "موهبة خارقة" يشهد بها القاصي والداني.
أحد تلك الأسلحة، وأقواها وأكثرها تأثيرًا، التي تُشهرها "ست البيت" في معركة الغلاء، هي إعادة "توزيع الأولويات" في احتياجات الأسرة الشهرية والإسبوعية، والاستغناء عن المأكولات غير الأساسية، خصوصًا الوجبات الجاهزة "التيك آواي" والسلع المشتراة عن طريق "الدليفري"، توفيرًا للنفقات. ثم محاولة تحقيق "الاكتفاء الذاتي" في بعض أنواع الطعام، بتصنيعها في المنزل بدلًا من شرائها من المحلات بسعر مرتفع، مثل البيتزا والفطائر والمخبوزات المختلفة.
تلجأ "الست المصرية" أيضًا إلى تخزين السلع الغذائية الأساسية عندما تكون أسعارها رخيصة، مثل الطماطم والخضروات والفواكه التي تصلح للتجميد، لاستخدامها وقت الشح وارتفاع الأسعار. وتُبرع كذلك في تقليل الاستهلاك، سواء بتخفيض الكميات المشتراة من بعض السلع، مثل اللحوم والدواجن، واللجوء إلى بدائل أرخص كالبقوليات والبروتينات النباتية، أو باقتصار كميات الطعام التي تطهوها على الاحتياجات الفعلية للأسرة، لئلا يتبقى منها أي "فضلات" تُلقى في القمامة.
سلاح آخر تستخدمه بعض السيدات المصريات الفضليات، اللائي يمتلكن موهبة الطهو أو صناعة منتجات غذائية معينة، أو التطريز وتفصيل الملابس مثلًا، إذ يقمن باستخدام مواهبهن تلك في "مشروعات منزلية" صغيرة، تدر عليهن دخلًا إضافيًا يُعينها وأسرتها على مواجهة أعباء الحياة وصعوباتها المتزايدة.
تلك المواهب التي تمتلكها "الأم المصرية"، أو المبادرات "الفردية" التي تقوم بها بعض السيدات، يجب أن تلقى اهتمامًا من ذوي الشأن والاختصاص، ونعني بها هنا وزارة التضامن الاجتماعي ومنظمات المجتمع المدني، وتحديدًا تلك المختصة برعاية شؤون المرأة، لزيادة الوعي بين سائر النساء بكيفية إدارة موارد الأسرة ونفقاتها وقت الأزمات الاقتصادية، ونشر ثقافة القدرة على نبذ والتخلي عن السلوك الاستهلاكي الذي تعودت عليه أغلب الأسر المصرية.
نقول ذلك، وكلنا أمل في أن تضع "حرب الأسعار" أوزارها، وتخمد "نيران الغلاء" التي أكلت الأخضر واليابس، وتنجح بلادنا في جهودها الحثيثة لتخطي هذه الأزمة، وتؤتي خطط الإصلاح الاقتصادي ثمارها المرجوة التي ينتظرها المصريون بلهفة، خصوصًا الأم المصرية "البطلة".