يخلط المثقفون العرب للأسف الشديد بين مفهوم الليبرالية الجديدة New liberalism ومفهوم النيوليبرالية Neoliberalism وذلك رغم أن المفهومين مختلفان تمامًا؛ الأول يعبر عن ليبرالية اجتماعية والثانى يعبر عن رأسمالية من نوع جديد أكثر توحشا وأكثر تدخلا فى شؤن الآخرين.
حيث يخلط الخطاب السياسي العربي بشدة بالغة بين الليبرالية الجديدة والليبرالية المحدثة او النيوليبراليزم، بين (new) و (neo)
ويصل الخلط بين المفهومين المختلفين تماما إلى حد التطابق والتماهى الكاملين بين الليبرالية الجديدة الـ new والليبرالية المحدثة الـ neo وقد حدث ذلك العجين والخلط نتيجة عدم التفريق والدقة فى الترجمة بين new و neo فتمت ترجمة اللفظان الإنجليزيان على أنهم شيء واحد فقط حيث ترجم المترجمون new بالجديدة وترجموا أيضًا neo بالجديدة أيضًا، ويمكن القول أن الأولى (جديدة) بينما الثانية (محدثة).
ولكن كيف نفرق نحن المتحدثين للعربية بين الجديد والمحدث (فكله عند العرب صابون كما يقول المثل الشائع ) فنحن فى العربية لا نهتم بالدقة الدلالية للألفاظ كما لانهتم بالتفريق بين دلالات الألفاظ والفصل المعرفى بينهما، فنعجن الدلالات ونطابق الأضداد ونضيع الفروق فتختلط المعانى وتخرب الافكار، لأن العقل العربي عقل لا يزال قروسطيا (نسبة إلى القرون الوسطى) فإنه عقل غير حداثي بمعنى أنه غير دقيق وغير فاصل للأشياء وغير محدد، عقل شعرى ترادفي متداخل الدلالة ومضيع للفروقات عقل تتراخى فيه المسافات بين دلالات الأشياء الى حد التطابق والعجين، فشيخ الأزهر هو الدين، وام كلثوم هى الغناء، وعبد الناصر هو الجيش وهكذا.
ويحاول هذا المقال شرح الفرق وبيان الاختلاف بين الليبرالية بنوعيها (الكلاسيكية) و(الجديدة) ثم تاليا بيان الفرق بين الليبرالية الجديدة والمحدثة بين ال new والـneo.
وبداية نقول للتقريب إذا كنت قد أتيت بثوب جديد منذ شهر ولكنك اشتريت ثوبأ آخر أول أمس فإن الأول جديد أما الثاني فأجدد أى محدث وعليه علينا ان نفرق بين الجديد والمحدث بين الmew والneo
وبداية نقول إن الليبرالية الكلاسيكية كانت فى الفترة من (1651/1859) واستمرت قرنين كاملين (208 سنه) تقريبا
ونقول إن الليبرالية الكلاسيكية كانت رد فعل لسيطرة رجال الدين على الحياة العامة وللحروب الدينية بين الكاثوليك والبروستانت (حرب الثلاثين) 1618 /1648
ونقول أنه بدأت الليبرالية الكلاسيكية بكتاب توماس هوبز عن العقد الاجتماعي 1651 ثم كتاب التسامح لجون لوك 1689 مرورا بكتاب روح القوانين لمونتسكيو عام 1762 وحتى كتاب روسو عن العقد الاجتماعي 1762 وصولا لكتاب الكسى دى توكفيل الديمقراطية فى أمريكا 1835 وكتاب (عن الحرية) لجون ستيوارت مل 1859 ويجب هنا القول بأن لا أحد يُصنِف توماس هوبز كليبرالي نهائيا، لكن رغم ذلك يوجد سبب لتقديره كرائد للفلسفة الليبرالية باعتباره أول من كتب عن ضرورة وجود عقد اجتماعى
أما الليبرالية الجديدة الاجتماعية فقد بدأت فى أواخر القرن 19 وكانت رد فعل للكساد الذى سببته الرأسمالية نتيجة ممارساتها على الأرض.
وبينما الليبرالية الكلاسيكية كانت ليبرالية (الحريات) و(الحقوق) و(العلمانية) فقط، فإن الليبرالية الجديدة هى (ليبرالية اجتماعية) هى ليبرالية الحقوق والحريات والعلمانية بالاضافة الى (العدالة الاجتماعية) ايضا.
هذا وقد حدث الصدام بين الليبراليين الجدد والليبراليين الكلاسيكيين فى أواخر القرن ال19
وإذا كانت الليبرالية الكلاسيكية ليبرالية جون لوك وروسو وتوكفيل وجون ستيوارت ميل ليبرالية عصر التنوير القرنين 17 و18 فإن الليبرالية الجديدة بدأت فى أوخر القرن ال19 وبداية القرن ال20
ففي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين قامت مجموعة من (الليبراليين الجدد) في بريطانيا بنقد سياسة عدم التدخل في الليبرالية الكلاسيكية وأيدوا تدخل الدولة الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، حيث رأى الليبراليون الجدد أن الحرية الشخصية شيء لا يمكن للفرد تحقيقه إلا في ظروف اجتماعية واقتصادية ملائمة. وهذا يتطلب تدخل من الدولة لضبط التنافسية ومنع الاحتكار وفرض ضرائب تصاعدية والاهتمام بعمل شبكة ضمان اجتماعى
ويمكن القول ان الليبرالية الجديدة هى الطريق الثالث بين الليبرالية الكلاسيكية الاقتصادية (الرأسمالية) والاشتراكية الثورية.
كما لا يفوتنا أن نقول إن الليبرالية الجديدة كان لها دورها العظيم فى تهذيب الليبرالية الكلاسيكية واجهاضها ايضا للثورة الاشتراكية الماركسية.
ظهور المحافظين الجدد أو النيوليبراليزم كفلسفة رأسمالية اقتصادية أكثر تطرفا فى ستينيات القرن العشرين 1960 وهو تيار انتقل مؤسسوه من الاشتراكية المتطرفة لتروتسكى إلى اليمين المتطرف فهم يساريون متطرفون بالأساس قاموا برحلة أيديولوجية عجيبة تم خلالها توظيف معظم الافكار الاشتراكية التروتسكية توظيفا يمينيا
ايرفينغ كريستول مؤسس تيار المحافظين الجدد وقد انتقل إلى اليمين المتشدد بعد ان كان يساريا تروتسكيا، وساعدته خبرته ومعرفته السياسية في تأسيس حركة المحافظين الجدد التي لم يختر لها اسمها، حيث ان الكاتب الاشتراكي (مايكل هارنغتون) هو الذي اتى بالاسم مطلع السبعينات، إذ وصفهم بالـ"ليبراليين الذين صدمهم الواقع".
إن الرأسماليين الكلاسيكيين كل من يتبع أفكار آدم سميث وريكارود وديفيد هيوم ومالتوس يطلق عليهم (المحافظين) الرأسماليين القدامى التقليديين.
أما النيوليبراليزم فيطلق عليهم المحافظين (الجدد)، اى الرأسماليين الجدد الرأسمالية المحدثة ( neo)
وعلينا أن ننتبه للفرق بين الليبرالية الجديدة والنيوليبراليزم، فالجديدة تسبق النيو بقرن كامل حيث بدأت الاولى فى منتصف القرن ال19 بينما نشأت الأخيرة فى منتصف القرن العشرين
علينا أن نفرق بين الليبرالية الجديدة والتى هى ليبرالية مقرونه بعدالة اجتماعية والنيوليبراليزم بوصفها رأسمالية محدثة، أدرك الفرق بين "new" و "neo" فى الانجليزية الجديد والمحدث.
النيوليبراليزم حركة فى مواجهة الكينزية 1932، ونقول ميلتون فى مواجهة كينزى وعلينا ان نعرف اهم رواد النيوليبراليزم
ومدرسة جامعة شيكاغو واهم تطبيقات النيوليبراليزم (ريغان) / (تاتشر)
احذر ياعزيزى فقط خلط المثقفون العرب بين مفهوم الليبرالية الجديدة الاجتماعية، والراسمالية المحدثة كما خلطوا بين الليبرالية الجديدة والاشتراكية الديمقراطية.
أدرك أنه بين الرأسمالية والاشتراكية يوجد فى المنتصف (الليبرالية الجديدة) و(الاشتراكية الديمقراطية)
أدرك أن الليبرالية الجديدة كانت تهذيبا واصلاحا لليبرالية الكلاسيكية أو الرأسمالية وان الاشتراكية الديمقراطية كانت تهذيبا للاشتراكية الثورية الكلاسيكية.
وتقترب الليبرالية الجديدة أو الليبرالية الاجتماعية من الديمقراطية الاشتراكية فكلاهما يحتل موقعًا وسطًا بين الرأسمالية والاشتراكية.
الليبرالية الجديدة الاجتماعية خرجت من رحم الليبرالية الكلاسيكية، بينما خرجت الديمقراطية الاشتراكية التقدمية من رحم الاشتراكية الثورية المحافظة التي تعتقد بصراع الطبقات والثورة وأصبحت إصلاحية تدريجية قابلة بالنظام الديمقراطى الليبرالى وآلياته.
وبينما تقترب الليبرالية الاجتماعية الجديدة الاصلاحية من الاشتراكية الديمقراطية التقدمية إلا أنهما مازالا مختلفين فى نسبة الضرائب عندما يحكم أى منهما فالليبراليون الجدد يخشون من رفع الضرائب لدرجة قد تعوق الاستثمار وتجعله ينكمش أما الاشتراكيون الديمقراطيون فيرفعون نسبة الضرائب أكثر من الليبراليين الجدد بحجة الاهتمام بالعدالة الاجتماعية وبحجة إعادة توزيع الثروة، وبحجة تضييق الفوارق بين الطبقات وتمسكهم بحلم القضاء على الصراع الطبقى.