الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

خيمة رمضان 11| أسطوات المهنة| "المحتسب" الحاكم في زمام الأمور

المحتسب
المحتسب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

«الكتبة والمادحون وشيوخ الطوائف والبناءون والنحاسون»، وغيرهم الكثير من المهن التي اشتهرت في مصر خلال العصرين العثماني والفاطمي والذي سجلت الجدران والمساجد إبداعاتهم التي ظلت راسخة ومنقوشة عبر مئات السنين، وتأخذكم "البوابة" في رحلة طوال شهر رمضان المبارك وحديث حول تلك المهن وشيوخها وأسطواتها التي اشتهرت في مصر والعالم العربي، والتي لا يزال الكثير منها موجودا حتى عصرنا الحالي ومنها من اندثرت وأصبحت تراثا تشهد به جدران المساجد والقصور. 

وعلى مدار الشهر الكريم نقدم لكم حرفة من الحرف التي اشتهرت في تلك الفترة واقفين أمام إبداعات فنانيها وقوانينها التي كانت تتوارث جيلا بعد جيل، وحكايات المعلم والصبي والأسطى الذي كان يعتبر رب المهنة.

من هو المحتسب؟ ولماذا ارتبط ذكره بذكر الحاكم بأمر الله، هذا هو ما سنعرفه خلال حلقة اليوم، فقد كان الخليفة "الحاكم بأمر الله شديد الاهتمام بالحسبة ومراقبة الأسواق، حتى أنه قام بنفسه بمراقبة الأسواق وأصحاب الحرف والصناعات لمنع الغش، وكان يعاقب المخالفين عقابًا صارمًا، ولهذا ظهرت الكثير من المقولات التي وصفت تلك الحقبة التاريخية، ومنها " هو أنت مفكر نفسك الحاكم بأمره، فقد كان "الحاكم بأمر بالله" من أكثر حكام الدولة الفاطمية إثارة للجدل، وتحفيزًا على التساؤل، فهو سادس حكام الدولة الفاطمية واسمه "أبو على المنصور بن العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله، وقلد "الحاكم بأمر الله" لهذه المهمة رجال إدارة أكفاء تولوا إدارة هذا المنصب، وكانت "الحسبة" في زمنه من المؤسسات المهمة في الدولة والتي تقوم بمراقبة الأسواق ومنع الغش من جهة ولمنع المنكرات وشرب النبيذ من جهة أخرى، وفي العصر الحديث ظهرت بعض الجماعات التي أطلق عليها جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتأتي مؤسسة  "الحسبة"،  وعملها بداخل البلاد لضمان الأمن والاستقرار. 

فقد كانت وظيفة "المحتسب" من الوظائف المهمة في العصر الفاطمي، وكان يتم اختياره بعناية فائقة، إذ يجب أن يتوافر فيه العدل والإنصاف، وكانت توليته تتم بمراسم غاية في الفخامة، باعتبارها من الوظائف الكبيرة في الدولة، وكان يخرج من القصر السلطاني في موكب ضخم يطوف به جميع الطرقات، فكان يشارك في الاحتفالات الشعبية والدينية مثل الاحتفالات بشهر رمضان والتي كان يخرج فيها أصحاب الحرف والبضائع يخرجون في موكب كبير للاحتفاء بشهر رمضان وكان يأتي الاحتفال تحت إشراف المحتسب. 

فكان المحتسب يتولى أمور الأسواق ويفتش على الموازين والمقاييس والأسعار، ويشرف على الطوائف الحرفية الخاصة بتموين الأغذية، وكان المحتسبون يترأسون الاحتفال باستطلاع هلال رمضان، والذي كان يشتمل على عمل استعراض لطوائف الحرفيين بالقاهرة – كما ذكرنا سابقًا-، وظلت وظيفة المحتسب موجودة في أضيق الحدود في مصر بعد محمد على، إلى أن نظمت الإدارة الحكومية في عهد سعيد وألغيت وظيفة المحتسب وتحولت اختصاصاته إلى حكمدار الشرطة وإلى المصالح الأخرى المختلفة، حيث اختصت المحكمة الشرعية بما يتعلق بالأحوال الشخصية وتنظيم الاحتفالات الخاصة، ومراعاة الشروط الصحيحة بها، كما أن عملية مراقبة الأغذية والمشروبات والأسعار أصبحت من اختصاص وزارة الصحة ووزارة التجارة والصناعة، كما بدأت المحافظات بالإشراف على تنظيم الاحتفالات والمذابح، أما الاحتفالات الدينية مثل الموالد فأصبحت من اختصاص وزارة الشئون الاجتماعية كما أنها تشرف أيضًا على أمور العمال والملاجئ، كما أصبح الكشف عن الموازين والمكاييل من اختصاصات مصلحة الدمغة. 

وقد شهد العصر العباسي تطورًا كبيرًا في نظام الحسبة فمع بداية العصر العباسي نشأ هذا النظام مع الخليفة أبو جعفر المنصور، والذي يعتبر هو من وضع اللبنة الأولى لمؤسسة ولاية الحسبة، وعمل على تطويرها وقد قسمت مؤسسة الحسبة وفقًا للمهام المُوكلة لها فظهر "المحتسب المختص بالزنادقة والمحتسب المختص بالسوق، وأصبحت مؤسسة الحسبة لها نظام رقابي صارم له مهامه واختصاصاته المحددة، ويشترط فيمن يتولى تلك الوظيفة ما يجب أن يتوافر في القاضي بل يجب أن تتوافر فيه شروط أشد في بعض الأحيان، ومع عصر الدولة العباسية تطور نظام الحسبة واتسع نشاطها ليشمل أصناف الحرف ما شكل نوعًا من التنظيم الرقابي على الأسواق، وقد أُطلق مسمى "المحتسب" على الشخص الذي يتم تعيينه على الحسبة.