«الكتبة والمداحين وشيوخ الطوائف والبنائين والنحاسين» وغيرهم الكثير من المهن التي اشتهرت في مصر خلال العصرين العثماني والفاطمي والذي سجلت الجدران والمساجد إبداعاتهم التي ظلت راسخة ومنقوشة عبر مئات السنين.
وتأخذكم «البوابة نيوز» في رحلة طوال شهر رمضان المبارك وحديث حول تلك المهن وشيوخها وأسطواتها التي اشتهرت في مصر والعالم العربي، والتي لا يزال الكثير منها موجودا حتى عصرنا الحالي ومنها من اندثرت وأصبحت تراثا تشهد به جدران المساجد والقصور.
وعلى مدار الشهر الكريم نقدم لكم حرفة من الحرف التي اشتهرت في تلك الفترة واقفين أمام إبداعات فنانيها وقوانيها التي كانت تتوارث جيلا بعد جيل، وحكايات المعلم والصبي والأسطى الذي كان يعتبر رب المهنة.
«سبيل يا عطشان، الجنة والمغفرة يا صاحب السبيل، يعوض الله»، هناك الكثير من النداءات التي اختص بها «السقايين»، والذين كانوا من خلالها يعلنون عن وصول المياه، كما ظهر أيضًا طائفة من السقايين الذين يبيعون المياه في الشوارع، وأطلق عليهم «سقا شربة» ويتواجدون في الأسواق التي تندر فيها الأسبلة.
ويكون «سقا شربة» يحمل على كتفه قربة ذات أنبوب نحاسية طويلة، ويصبون المياه في طاس نحاسي، أو قلة من الفخار، وكان ينادي السقا، قائلًا: «يعوض الله»، بمجرد سماع ذلك الهتاف يعلن السقا عن وجوده وكان السقا حامل القربة التي يسير بها قرابة الميل أو الميل والنصف أو الميلين لا يتجاوز «المليمين».
وهناك طبقة أخرى من السقايين كان يطلق عليهم «حمليا» وكان أغلب هذه الطبقة من الدراويش من الرفاعية أو البيومية وهم معفون من ضريبة الفردة، ويحمل الحملي على ظهره إبريقًا من الفخار الرمادي والذي يعمل على تبريد المياه.
وكان يحمل أحيانًا قلة من الماء المعطر بماء الزهر أو ماء الورد المقطر من زهر النارنج، ليقدمه إلى أفضل عملائه، وكثيرًا ما يضع في فوهة الأبريق غصنًا من النارنج، ويتناول «الحمليا» من أفراد الطبقتين العليا والوسطى قطعة فضة، إلى خمس فضة، ولا يتناول من الفقراء شيئًا.
هناك طبقة من السقايين كان يُطلق عليهم «حمليا».. وأغلبهم من الدراويش الرفاعية أو البيومية وهم معفون من ضريبة الفردة
وكان بعض السقايين يسيرون في ساحات الحفلات الدينية، كالموالد وغيرها من الاحتفالات التي كانت تقام في القاهرة وضواحيها، وكثيرًا ما ينفحهم زائرو قبور الأولياء نقودًا في المناسبات، وكانوا يوزعون الماء على الراغبين من المارة، وتسمى هذه الصدقة بـ "السبيل" ويكون توزيع المياه إكرامًا للوالي.
كما كان يسمح لـ «السقايين» أن يملأوا الأبريق أو القربة من سبيل عام، لأنهم لا يتناولون شيئًا من المارة، وكانوا ينشدون لهذه المناسبة لحنًا قصيرًا، داعيين الظمآنين ليتناولوا من هذه الصدقة المقدمة فيقولون: «سبيل الله يا عطشانين»، ويدعون لمن قدم الإحسان أن تكون الجنة والمغفرة من نصيبة، ويقولون: «الجنة والمغفرة لك يا صاحب السبيل».
وظل «السقايين» يقومون بدورهم في نقل المياه إلى منازل القاهرة حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حتى قام الخديو إسماعيل بمنح امتياز ضخ المياه إلى كوردييه في عام 1865.
وأقيمت محطة لضخ المياه بالقرب من القصر العيني عند فم الخليج، وبعد ذلك عملية مد أنابيب المياه في باقي أحياء المدينة، حيث تم إيصال المياه إلى القلعة، ومنها إلى العباسية، ومع مرور الوقت أقيمت المباني اللازمة لرفع المياه وتخزينها، ومدت المواسير تحت الشوارع، وفي الحارات والدروب، وسير ماء النيل مقطرًا من خزاناته إليها، حتى انحسر عمل السقايين في شوارع القاهرة منذ عام 1865، وبدأت شركة المياه في ضخ المياه عبر الأنابيب إلى كل أحياء المحروسة.